بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فمما ينبغي أن نعلمه – أختي الفاضلة – أن سنة الله وحكمته اقتضت أن يبتلي عباده بأنواع البلاء, كما قال تعالى: {ولنبلونكم بشيءٍ من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين}؛ وذلك لحكم ومعانٍ عظيمة: منها قول سليمان عليه السلام: {ليبلوني أأشكر أم أكفر}، ومنها قوله: {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم}، وقوله : {وليعلمن الله الذين آمنوا منكم ويعلم المنافقين}، وقوله: {ليميز الله الخبيث من الطيب}، فالدنيا – أختي العزيزة – دار ابتلاء وممر, والآخرة دار الجزاء والمستقر, فلا تحزني على ما فاتكِ من الدنيا فـ{ما عند الله خيرٌ للذين آمنوا وكانوا يتقون}، {وللآخرة خيرٌ لك من الأولى}، {بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خيرٌ وأبقى}، نسأل الله عافيته ورضوانه والجنة.
كما دلّت النصوص أيضاً أن المصائب والآلام وإن كرهها المسلم إلا أن لها كثير فوائد, كتكفير الخطيئات ورفع المنازل عند الله تعالى والدرجات، فعلى المسلم ألا ينظر للجانب السيء من المصيبة ويهمل الجانب الحسن، من ذلك:
1) ما رواه الترمذي وصححه الألباني: (إن الله إذا أراد بعبده الخير عجّل له العقوبة في الدنيا, وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة).
2) وفي الصحيحين قال: (ما من مصيبة يصاب بها المسلم إلا كفّر بها عنه حتى الشوكة يشاكها).
3) كما صح عنه صلى الله عليه وسلم: (أن العبد تكون له المنزلة يوم القيامة, فلا يبلغ بعمله فلا يزال الله يبتليه حتى يبلغه إياه)، وفي لفظ آخر : (إن العبد إذا سبقت له من الله منزله لم يبلغها بعمله ابتلاه الله في جسده أو في ماله أو في ولده) رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني، فالحديثان يدلان على أن الناس تتفاوت منازلهم في الجنة لتفاوت أعمالهم، وأن قدر الله كله خير حتى لو كان ظاهره الشر كما قال تعالى : {لا تحسبوه شراً لكم بل هو خيرٌ لكم}، {وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شرٌ لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}.
4) وقال صلى الله عليه وسلم: (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء, وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن, رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط) رواه الترمذي وصححه الألباني.
5) وروى البخاري لحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: (من يرد الله به خيراً يصب منه)، أي يرسل إليه ألوان المكاره من الأمور المؤلمة والمتنوعة سواء في بدنه أو ماله أو ولده أو غير ذلك، نسأل الله العافية.
فعلى المسلم أن يعتبر بسنة الله الكونية وحكمته الشرعية وما تضمنه القرآن الكريم والسيرة النبوية من ابتلاءات الرحمن الرحيم لصفوة عباده من الأنبياء والمرسلين، ففيها ما يطمئن القلب ويريح النفس ويخفف من الهموم والأحزان، وليحذر أن توسوس له نفسه بالخواطر السيئة مما يفسد عليه دنياه بالقلق والهموم والاكتئاب ويفسد عليه آخرته بالشك أو الشرك (إن الإنسان خلق هلوعا * إذا مسه الشر جزوعا * وإذا مسه الخير منوعا * إلا المصلين) (ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين).
فاحذري – أختي الفاضلة – أن تملي من الصبر ولا تيأسي من دعاء الله ورجائه , ولا تظني بالله سوءاً أو أن الله يبغضك أو لا يجيب دعوتك, فإن العبد لا يعدم من دعائه خيراً، كما ثبت عند أحمد وغيره، وهو صحيح: (ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم, ولا قطيعة رحم, إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته, وإما أن يدخرها له في الآخرة, وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها فقالوا يا رسول الله: إذن نكثر – أي من الدعاء – قال: الله أكثر وأطيب)، وفي الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم: (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول: دعوت فلم يستجب لي)، فلا تفكري في صعوبة ظروفك، ولكن في قوة وقدرة من دعوتيه سبحانه وتعالى, فلو شاء الله لحقق لك مرادك في طرفة عين فهو الذي لا تخفى عليه دموع رجائك، ولا زفرات همك، ولا يعجز على إصلاح حالك.
وحافظي على حفظ النعم بالشكر, وتعلمي من الدروس بالصبر, فالناس لا تقاس عند الله بالمال أو العمر أو الجمال، ولكن بالتقوى: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}، وبالدين والخلق كما صح في مسلم: (إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسادكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم), فإذا أحسنتِ الظن بربك علمتِ إن اختيار الله لك خير من اختياركِ نفسكِ، وإذا عرفتِ حقيقة الدنيا استرحتِ, واعلمي أن القضاء مفروغٌ منه والمقدور واقع، وفي الحديث عند مسلم: (واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك, وما أخطأك لم يكن ليصيبك, رفعت الأقلام وجفت الصحف)، وفي الصحيحين قوله: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف, وفي كلٍ خير, احرص على من ينفعك, واستعن بالله ولا تعجز).
أوصيك – أختي الفاضلة – بتعميق الإيمان بالذكر والدعاء والصحبة الطيبة وقراءة القرآن, وبالصبر والشكر والإيمان بالقدر ففي ذلك ما يجلّي الهموم ويدفع الأحزان، واحرصي مع الدعاء على التزام العلاج والدواء: (فإن الله ما أنزل داءً إلا جعل له شفاءً) رواه البخاري، وفي لفظ عند غيره (علمهُ من علمه وجهلهُ من جهله).
أسأل الله أن يفرج همك ويشرح صدرك، وأن يشفيك ويعافيك، ويعوضكِ خيراً مما أخذ منك، ويرزقكِ الثبات والصبر والشكر والرضا وسعادة الدنيا والآخرة، آمين.
1) ما رواه الترمذي وصححه الألباني: (إن الله إذا أراد بعبده الخير عجّل له العقوبة في الدنيا, وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة).