السؤال
السلام عليكم
أنا بعمر 16 عاماً، عندي مشكلة حديث النفس عن فعل المعاصي بجميع أشكالها، فلما أقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، لا تذهب هذه الوساوس، وحين أقول: أعوذ بالله من شر نفسي تذهب هذه الوساوس.
حاولت أن أسمع عن العقاب والعذاب لكي أتعظ، وأحاول أن أمتنع ولا أستطيع، وبعد فعل المعصية أسأل الله أن يغفر لي, وأشعر بقرب الله، والخوف يدب والرعب في قلبي ووجداني، ويرجع الأمر كما كان!
أتمنى النصح الذي يردعني عن هذه المعاصي، وأطهر نفسي منها، فما هو الحل لهذه المشكلة الكبيرة؟
وشكراً، وجزاكم الله الخير كله عاجله وأجله.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سالم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
– بارك الله فيك – أخي العزيز – وأشكر لك تواصلك مع الموقع، وجزاك الله خيراً على حرصك في السؤال عن دينك وما تحمله من محبة لله تعالى والخوف من مخالفة أوامره والوقوع في معاصيه وغضبه سبحانه، (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى) (ولمن خاف مقام ربه جنتان)، فأسأل الله أن يشفيك – أخي الحبيب – ويسلمك من كل مكروه وسوء، وأن يفرج همك ويرزقك الصبر والأجر والعافية والستر، والتوفيق في أمورك كلها.
– اعْلَم – أخي وفقك الله – أن الوسواس القهري كما يقول المختصون: عبارة عن فكرة طفيلية تهجم على ذهن الإنسان الطبيعي وتسيطر على محور تفكيره، وكلما حاول التخلص منها يصاب بالخوف والقلق والاكتئاب والاضطراب النفسي، وأنه يؤثر على حياة الإنسان العلمية والعملية والاجتماعية والنفسية مما يستدعي العلاج منه بالعلاج الدوائي، والعلاج السلوكي، والعلاج الإيماني الشرعي، ويمكن ذلك – بإذن الله تعالى – باتباع الأمور التالية:
– كراهة هذه الوساوس القهرية النفسية والشيطانية والنفور منها ومدافعتها بالتغافل والإعراض عنها، والتناسي لها وعدم الالتفات إليها، وإهمالها والتحقير والتسخيف لها، والإصرار على تفاهتها (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين)، فثق بتوفيق الله ورحمته وعونه ما دمت مع الله وتجاهد النفس الأمّارة بالسوء لأجله.
“وجاهد النفس والشيطان واعصهما ** وإن هما محّضاك النصح فاتهمِ”.
– عدم المبالغة في حمل الهم إزاءها أو الشعور بالضيق أو تأنيب الضمير لا سيما وأنت في هذا العمر المبكّر وهو مظنّة الابتلاء بهذه الوساوس الجنسية، وذلك بإدراك أنك معذور (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) (ربنا ولا تحملنا مالا طاقة لنا به) وفي الحديث الحسن بمجموع طرقه: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) (إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم) متفق عليه، والمعنى أنه يشترط عدم التكلم بها بإظهار المحبّة لها والإعجاب بها وإقرارها أو العمل بالتكلّف في استحضار الوساوس والخيالات عبر الأفلام المثيرة اللعينة والقصص الجنسية المشجّعة على الرذيلة، وما دمت – أخي العزيز – على دينٍ وخير فالله حافظك وناصرك ولا شك ولو بعد حين.
– استحضار الأجر بالصبر على هذا البلاء والرضا بالقضاء، واستحضار ثواب مدافعتها بالإيمان، ومجاهدة النفس وخوف الرب تعالى وعدم الاسترسال الفكري معها أو العملي السلوكي إزاءها.
– حسن الظن بالله والثقة به سبحانه ثم بالنفس بتقوية الشخصية وإدراك أنها وساوس شيطانية عابرة وسخيفة وإمكانية العلاج والأمل بالتخلص منها، وأنها مرحلة مؤقتة في طريقها إلى الزوال بإذن الله تعالى، وكما قيل في الحكمة: المرء حيث يضع نفسه،
“وما المرء إلا حيث يجعل نفسه ** ففي صالح الأعمال نفسك فاجعلِ”.
– إدراك أن جهة صدورها وورودها هي الشيطان الرجيم، مما يستلزم معه ضرورة الاستعاذة بالله من همزاته – وساوسه وخطراته، كما قال تعالى: (وقل ربِ أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك ربِ أن يحضرون)، وخير الأذكار والأدعية في ذلك قراءة سورة البقرة وسور الإخلاص والمعوّذتين وأذكار الصباح والمساء.
– الانشغال الفكري والعملي عنها، وذلك بصرف التفكير عن اللذات الشيطانية المحرمة باللذات الإيمانية المشروعة، وبالإكثار من الطاعات والذكر وقراءة القرآن والاهتمام بالدراسة والقراءة والرياضة ولزوم الصحبة الطيبة وممارسة الأنشطة الاجتماعية ونحوها من الأعمال النافعة والمفيدة، وذلك ولا شك يحتاج إلى كثير وكبير عزم وإرادة وثقة بالله سبحانه، وفي الحديث: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز) رواه مسلم، وقال أيضاً: (احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك).
– مقابلة استشاري نفسي صالح في دينه للعلاج الطبي إذا لزم الأمر فحسب، والمبادرة إلى الزواج ما أمكن لقوله صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة – وهي القدرة المالية والجنسية – فليتزوج؛ فإنه أغضٌ للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) متفق عليه.
– اللجوء إلى الله تعالى بكثرة الدعاء، قال تعالى: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم) وقال سبحانه: (وإذا سألك عبادي عنّي فإني قريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعانِ) وقال جل شأنه: (أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء).
أسأل الله تعالى أن يعينك ويفرّج همك ويشرح صدرك وييسر ويتولى أمرك، ويصرف عنك وساوس النفس والهوى والشيطان، ويرزقك التوفيق والسداد ويلهمك الخير والهدى والرشاد.
والله الموفق.