جرت العادة عند تقدم الخاطب الى فتاة ليتزوجها أن يجلس هو وولى أمرها ويتفقا على مقدار المهر وعلى الجهاز الذى يحتاجه منزل الزوجية، وهذا الاتفاق يختلف من بلد لآخر ومن فتاة لأخرى،
وفى النهاية يتم الأمرعلى حسب عُرف المكان الذى يعيشون فيه أو حسب الاتفاق المبرم بينهم ..ولكن إذا نظرنا الى الموضوع من وجهة نظر الشرع فماذا سيكون الحكم؟ وهل الأب أو ولي أمر الفتاة ملزم بتجهيزها من المهر المدفوع؟ وما هو القول في قائمة المنقولات الزوجية التي يشترط بعض الناس كتابتها، والبعض الآخر لا يكتبها؟
الدكتورة آمنة نصير أستاذة الفلسفة الإسلامية والعقيدة وعميدة كلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر سابقاً لها رأي فيما سبق تقول فيه:إن الأصل أن يتقدم مُريد الزواج إلى والد الفتاة فيخطبها، ثم يصدقها، ثم يجهز لها بيتا بما تيسر له بالمعروف، فتملك المرأة صداقها، وهي أولى به من وليها، ويجهز الرجل بيته ويكون ملكا له، قال الله تعالى: «وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً» [النساء 4]،وقد أجمع أهل العلم على ثبوت الصداق للزوجة على زوجها متى تم عقد زواجهما صحيحاً، وعلى وجوبه، وعلى أنه عطية من الله للمرأة بمقتضى هذه الآية، ومن أجل هذا قال جمهور الفقهاء إن المهر حق خالص للزوجة، تتصرف فيه كيف شاءت، وليس عليها إعداد بيت الزوجية ولا أن تشترك في إعداده، إذ لا يوجد نص من مصادر الشريعة يلزمها بأن تجهز منزل الزوجية، كما لا يوجد نص يجبر أب الزوجة على ذلك، فإذا قامت بذلك كانت متبرعة وآذنة للزوج باستعمال جهازها الاستعمال المشروع مع بقاء ملكيتها لأعيانه.
وقالوا إن تجهيز البيت واجب على الزوج، بإعداده وإمداده بما يلزم من فرش ومتاع وأدوات، لأن كل ذلك من النفقة الواجبة على الزوج لزوجته، ولم يخالف أحد في أن إسكان الزوجة واجب على الزوج، ومتى وجب الإسكان استتبع ذلك تهيئة المسكن بما يلزمه، باعتبار أن ما لا يتم الواجب إلا به كان واجباً. وهذا هو اتجاه الأحناف.
أما فقه الإمام مالك فلا يرى أن المهر حق خالص للزوجة، وعليها أن تتجهز لزوجها بما جرت به العادة في جهاز مثلها لمثله بما قبضته من المهر قبل الدخول إن كان حالاً، ولا يلزمها أن تتجهز بأكثر منه، فإن زفت إلى الزوج قبل القبض، فلا يلزمها التجهيز إلا إذا قضى به شرط أو عُرف.
وتقول أستاذة العقيدة: أما بالنسبة إلي منقولات بيت الزوجية فهي تعد بمثابة أمانة عند الزوج ودَيْنًا عليه، ولابد أن تُكتب بها وثيقة تضمن للزوجة حقها كاملًا(قائمة المنقولات)،فهذا يثبت حقها إذا أرادت الخُلع، فلا بد حينئذ من تنازلها عنها باعتبارها مهراً أو بديلاً عنه.
وعن الحلّ إذا طلبت الزوجة الخُلع ولم يكن الزوج موقعاً على قائمة المنقولات، بحجة أن هناك ثقة بين الطرفين، تقول الدكتورةآمنة نصير: الأمر هنا يتوقف على تقوى الله بين الزوجين، واعتراف الزوج بحق الزوجة في ملكية محتويات منزل الزوجية ،فإذا أنكر فاللوم على أهل الزوجة الذين فرطوا وخالفوا أمر الله القائل في الديون: «يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوَاْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىَ أَجَلٍ مّسَمّى فَاكْتُبُوهُ، وَلْيَكْتُب بّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلّمَهُ اللّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الّذِي عَلَيْهِ الْحَقّ وَلْيَتّقِ اللّهَ رَبّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإن كَانَ الّذِي عَلَيْهِ الْحَقّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مّن رّجَالِكُمْ فَإِن لّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشّهَدَآءِ أَن تَضِلّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكّرَ إِحْدَاهُمَا الاُخْرَىَ وَلاَ يَأْبَ الشّهَدَآءُ إِذَا مَا دُعُواْ وَلاَ تَسْأَمُوَاْ أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَو كَبِيراً إِلَىَ أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللّهِ وَأَقْومُ لِلشّهَادَةِ وَأَدْنَىَ أَلاّ تَرْتَابُوَاْ إِلاّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوَاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَآرّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتّقُواْ اللّهَ وَيُعَلّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» آية 282 سورة البقرة.
وتنهي الدكتورة آمنة كلامها بتأكيد اعتماد المسلمين الأوائل على تقوى الله في تعاملاتهم، ومنها الزواج، حيث لم يكن هناك وثيقة زواج وإنما كان يتم بالكلمة، وبالتالي فإن مماطلة الزوج الذي لم يوقع علي قائمة منقولات ومطالبته لزوجته، التي تريد الخُلع، برد مهره نقداً هو نوع من أكل أموال الناس بالباطل، وقد أمرنا الله الحكم بالعدل ورد الأمانات إلى أهلها وعدم استحلال المال الحرام حتى ولو لم يكن مكتوباً، فقال تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا». آية 58 سورة النساء.
وفي النهاية يؤكد نشأت جلال عثمان المحامي بمحكمة النقض أن الأحكام القضائية في منازعات الأحوال الشخصية تتم طبقاً لقوانين الأحوال الشخصية المعمول بها، ويعمل فيما لم يرد بشأنه نص في تلك القوانين بأرجح الأقوال من مذهب الإمام أبي حنيفة.