مرت الدولة الاسلامية منذ تأسيسها بالعديد من الغزوات والفتوحات لنشر الدين الاسلامي الحنيف، حتي اصبح له شأن عظيم بين الامم والقبائل، وقد عاني رسول الله صلي الله عليه وسلم وصحابته الكرام الذين آمنوا به من بطش الكفار ومكرهم، ومن بين هذه المواقف التي تعرض لها الرسول صلي الله عليه وسلم واصحابه الموقف الذي أدي الي عقد صلح الحديبية بين المسلمين والكفار، وقد بدأ الأمر في شهرِ ذي القعدة من العامِ السادس للهجرة النبويّة، إذ أعلن الرسول عليه الصلاةٌ والسلام نيتهُ على أداءِ العُمرة في مكة، وقد خشيَ أن يتعرّض له أهل قُريش هو ومن معهُ من المسلمين، أو يصدوه عن زيارة بيت الله الحرام، خرج الرسول عليه الصلاة والسلام لأداء العمرة بصحبة ألفٍ وأربعمئةٍ من المهاجرين والأنصار، يلبسونَ ملابس الإحرام ليُظهرو أنّهم لا يرغبونَ بقتال المُشركين، وما حملوا سيوفهم إلَّا للحماية، وعندما وصلو إلى منطقة (ذي الحليفة) خارجَ مكة أحرموا للعمرة .. وقد ورد صلح الحديبية في القرآن الكريم في سورة الفتح حيث قال عز وجل: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) [الفتح: 48]
أسباب عقد صُلح الحُديبية
عندما اقترب المسلمون من مكة المكرمة علموا أن قريش قد قام بجمع المقاتلين لمنعهم من دخول مكة، وعندما وصل رسول الله صلي الله عليه وسلم الحديبية ارسل عثمان بن عفان رضي الله عنه الي قريش، ليخبرهم أن المسلمينَ يُريدون أن يعتمروا ولا يريدونَ القتال، فقام الكفار بحبس عثمان، وشاع نبأ قتله بين المسلمين، وبعد ذلك قامت قريش بارسال عُروة بن مسعود الثقفيّ إلى المسلمين، فرجعَ إلى أصحابهِ، فقال لهم: (أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك كسرى وقيصر والنجاشيّ والله ما رأيت ملكاً يعظمه أصحابه كما يعظّم أصحاب محمدٍ محمداً. والله ما انتخم نخامة إلّا وقعت في كفّ رجلٍ منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمر ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلّم خفضوا أصواتهم، وما يحدون إليه النظر تعظيماً له، ثمّ قال: وقد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها)، عندما سمع المشركون هذا الكلام شعروا بالخوف وتمكن الرعب من قلوبهم، فأسرعوا بارسال سُهيل ٍبن عمرو لعقد صلحٍ مع المسلمين وعدم الدخول في حرب معهم .
وقد روى الإمام أحمد أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بدأ يُمْلي شروط الصلح، و علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ يكتب، فأملاه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( بسم الله الرحمن الرحيم، فقال سهيل : أما الرحمن فوالله لا ندري ما هو ولكن اكتب باسمك اللهم، فأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم – عليًّا فكتبها كذلك، ثم أملى ـ صلى الله عليه وسلم ـ : هذا ما صالح عليه محمد رسول الله، فقال سهيل : لو نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت، ولا قاتلناك، ولكن اكتب محمد بن عبد الله، فوافق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقال: والله ، إني لرسول الله وإن كذبتموني، اكتب محمد بن عبد الله ).
شروط صُلح الحُديبية
قررت قريش عقد صلح مع المسلمين فقامت بارسال لعقد الصلح في الحال بعد أن عرفوا ما يكنه اصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم من احترام وتقدير له، وتشاوروا على شروط الصلح، وقد كلَّف الرسول صلَّى الله عليه وسلمَ علي بن أبي طالبٍ رضي اللهُ عنه بكتابته، ومن نتائج صلح الحديبية ما يلي
الاعترافُ بكيانِ الدولةِ الإسلاميَّة.
تحقيق الرهبة والخوف في قلوب الكُفَّار والمشركين .
فرصةً لنشر الدين الإسلامي وتعريف الناس بتشريعاته وأحكامه.
تفرُّغُ الرسول صلى الله عليه وسلم لحرب اليهود وفتح خيبر.
أعطى صلح الحيبة وقتاً كافياً للمسلمينَ للتجهيز من أجل غزوة مؤتة.
نصوص صلح الحُديبية
من أراد ان يدخل في عهد قريش دخل فيه، ومن اراد ان يدخل في عهد محمد دخل فيه .
منع الحرب بين المسلمين وقريش لمدة عشر سنوات، وقد دخلَت قبيلةُ خزاعة في عهد مُحمد صلى الله عليه وسلم، ودخلَ بنو بكرٍ في عهدِ قُريش.
عودة المُسلمين في ذلكَ العام ورجوعهم إلى مكة في العام التالي لأداءِ مناسك العُمرة.
عدم الاعتداء على أيٍ من القبائل مهما كانت الأسباب.
إن اتي الي المسلمون احد من قريش يريد الدخول في الاسلام يردوه دون إذن وليه، بينما لا ترد قريش من يعود إليها من المسلمين .