جاء القرآن الكريم دليل نبوة سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم ومعجزته الخالده ودستور الاسلام، ومصدر تشريعه، كانَ لزاماً عليه أن يَتَّصِفَ بأطيبِ الصِّفاتِ وأصدقِها وأطهَرِها؛ ذلكَ أنَّه كلام الله المُتواتِر بالوحيِ، والمَحفوظ بأمرِهِ إلى يومِ الدِّينِ، وقَد نظَّمَ القرآنُ الكريمُ تعميمَ المعارِفِ والأحكامِ للنَّاسِ بأبدعِ الوسائلِ الإعلاميَّةِ، حيث حقق من خلال آياته الاعجاز في التبان والصدق في النقل والواقعية في الحوار، كما تميز بشموليته وتنوع استعراضه للاحداث والاخبار والتشريعات، ومواجَهتهِ الصَّريحة للواقِعِ، وتنظيم شؤونِهِ، ونَظم مساراتِه، فكانَ من منهاجِهِ تناولُ الأحداثِ والمُجرَياتِ بأسلوبٍ قصَصِيٍّ مُمنهَجٍ، يعتمد على موضوعيَّةِ طرحِ القصَّةِ، وجَلبِها من التَّاريخِ؛ لِتُعرَضَ بأصلها نقيَّةً من التَّشويهِ والتَّغيير .. والاسراء والمعراج معجزة من معجزات رسول الله صلي الله عليه وسلم ووردت احداثها في القرآن الكريم، قال تعالى : “سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ” صدق الله العظيم سورة الإسراء/ الأية رقم (1) ، ومعني الاسراء هو عندما اسري الله سبحانه وتعالي نبيه محمد ليلاً من مكة المكرمة الي المسجد الاقصي، اما المعراج فهو صعود سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم الي السماء العليا علي ظهر دابة تدعي البراق، في ليلة السابع والعشرين من شهر رجب
مسار رحلة الإسراء والمعراج
لقي النبي عليه الصلاة والسلام تعباً ومشقة في الدعوة إلى الدين الإسلامي، ورفض أهل الطائف الاستجابة له، وشعر بالضيق والحزن، فأراد الله أنّ يهوّن عليه، ويريه بعضاً من قدرته، ومصير المؤمنين الصابرين، ومصير الكافرين، فأسرى به برفقة جبريل على البراق حتى وصلا المسجد الأقصى فربط البراق بحلقة في أحد جدران المسجد، وسمي بعد ذلك بحائط البراق، ودخل إلى المسجد، فصّلى بالأنبياء والرسل جميعاً، ثمّ عرج مع جبريل إلى السماوات السبع، وممّا رآه في رحلته:
-
السماء الأولى: رأى آدم عليه السلام، وسلّم عليه، ورأى أرواح الشهداء في ميمنته، والأشقياء في ميسرته.
-
السماء الثانية: رأى كل من عيسى، ويحيى بن زكريا عليهما السلام.
-
السماء الثالثة: رأى سيدنا يوسف عليه السلام.
-
السماء الرابعة: رأى سيدنا إدريس عليه السلام.
-
السماء الخامسة: رأى سيدنا هارون عليه السلام.
-
السماء السادسة:رأى كليم الله، سيدنا موسى عليه السلام.
-
السماء السابعة: رأى خليل الله، سيدنا إبراهيم عليه السلام.
وصل بعد ذلك إلى سدرة المنتهى، وظهر له جبريل حينها على هيئته الحقيقيّة، وفرضت الصلوات الخميسن على المسملين، فلما نزل جبريل بسيدنا محمد سأله سيدنا موسى عمّا فرض الله عليه، فقال له عليه الصلاة والسلام بأنّ الله عزّ وجل فرض خمسين صلاة، فأشار إليه موسى بأن يطلب من الله أن يخفّفها فوضع الله منها عشراً، فعاد إلى سيدنا موسى، فاشار إليه أن يخففها، واستمر كذلك حتى أصبحت خمس صلوات، فعاد موسى عليه السلام وأشار إليه بأن يطلب التخفيف، ولكنّه عليه السلام أجابة بأنه قد استحى من رب العالمين بأن يطلب مزيداً من التخفيف، وبذلك فرضت الصلوات الخمس من ذلك الوقت على جميع المسملين حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
كما أن جبريل اصطحب النبي إلى الجنة والنار، فرأى أصناف الثواب والجزاء للصالحين المؤمنين الصابرين، وأصناف العذاب والشقاء للكافرين الظالمين.
أحداث الإسراء
بدأت حِكايةُ الإسراء كما يرويها صاحِبُها عليهِ أفضَل الصَّلاةِ وأتمُّ التَّسليمِ، بِقدومِ ثلاثةٍ من الملائكةِ الكِرامِ، بينَهم جبريلُ وميكائيلُ، فجعلوا جَسدَ رسولِ اللهِ لِظهرهِ مستقبِلاً الأرضَ وهو نائم، ثمَّ شقُّوا بطنَهُ، فغسَلوا ما كانَ بهِ من غلٍّ بماءِ زمزمَ، ثمَّ ملؤوا قلبَه إيماناً وحِكمةً، ثمَّ عَرَضَ له لبناً وخمراً، فاختارَ الرَّسولُ الكريمُ اللَّبنَ فشَرِبهُ، فبشَّرهُ جبريلُ بالفِطرة، ثمَّ أركبَهُ جبريلُ دابَّةً يُقالُ لها البُراقُ، فانطَلَق بهِ البُراقُ إلى المسجدِ الأقصى يسوقُهُ جبريل، فأنزَلَهُ طيبَةَ، فصلَّى بها، وأخبرهُ ما يكونُ من هجرتِه إليها، ثمَّ أنزلَهُ طورَ سيناءَ حيثُ كلَّمَ الله موسى عليهِ السَّلامُ، فصلَّى بهِ، ثمَّ أنزَلهُ بيتَ لحم مولِدَ عيسى عليهِ السَّلامُ، فصلَّى فيها، ثمَّ دنا بهِ إلى بيتِ المقدِسِ فأنزَلهُ بابَ المَسجِدِ، ورَبَطَ البراقَ بالحلقةِ التي كان يربط بها الأنبياءُ، ثمَّ دخلَ المسجد ليَلتقي أنبياءَ الله المبعوثينَ قبلَه، فسلَّموا عليهِ، وصلّى بهم ركعتَين.
أحداث المِعراج
بدأت أحداثُ المعراجِ بصعودِ الصَّخرة المُشرَّفة؛ إذ سارَ جبريلُ بالرّسول صلّى الله عليه وسلّم إليها، ثمَّ حملَهُ منها على جناحِهِ؛ ليصعَدَ بهِ إلى السَّماءِ الدُّنيا، ويتجلَّى بها بعدَ أن استفتَح واستأذن، فاطَّلعَ الرَّسولُ على بعضِ أحداثِ السَّماءِ الأولى، ثمَّ ارتقى بهِ جبريل إلى السَّماء الثَّانيةِ، فاستفتحَ، فأُذِنَ لهُ، فرأى فيها زكريا وعيسى بن مريمَ عليهم سلام الله جميعاً، ثمَّ ارتقى به جبريلُ إلى السَّماءِ الثَّالثةِ، فرأى فيها يوسف عليه السَّلام، ثمَّ ارتقى به جبريلُ إلى السَّماءِ الرَّابعةِ وفيها إدريسُ، ثمَّ إلى الخامسةِ وفيها هارون، ثمَّ ارتقى بهِ إلى السَّادسةِ وفيها موسى، ثمَّ إلى السّابعة وفيها إبراهيمُ عليهم صلواتُ الله جميعاً وسلامه، ثمَّ انتهى بهِ جبريلُ إلى سدرةِ المُنتهى.
تقدَّمَ جبريلُ بالرّسول صلّى اللهُ عليه وسلّم إلى الحِجابِ وفيهِ مُنتهى الخَلق، فاستَلمَهُ مَلَكٌ، وتخلَّفَ عنه جبريل، فارتقى بهِ المَلَكُ حتَّى بَلَغَ العرشَ، فأنطقَهُ اللهُ بالتَّحيَّاتِ، فقال عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام: (التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ وَالصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ)، وفيهِ فُرِضت الصَّلاةُ خمسينَ صلاةً على النَّبيِّ وأمَّتِهِ كلَّ يومٍ وليلةٍ، ثمَّ صَحِبهُ جبريلُ فأدخلهُ الجنَّةَ، فرأى من نَعيمها ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت، ثمَّ عرضَ عليهِ النَّارَ، فَنَظَرَ في عذابِها وأغلالِها، ثمَّ أخرجَهُ جبريلُ حتَّى أتيا نبيَّ اللهِ موسى، فأرجَعهُ إلى ربِّهِ يسألهُ التَّخفيفَ، فخفَّفَ عنهُ عشراً، ثمَّ أرجَعهُ موسى فسألهُ التَّخفيفَ، فخفَّفَ اللهُ عنهُ عشراً، ثمَّ لم يَزلْ بينَ ربِّهِ وموسى حتَّى جَعلَها الله خمسَ صلواتٍ في اليومِ واللَّيلَةِ، ثمَّ أرجَعَهُ موسى إلى ربِّهِ يسألهُ التَّخفيف، فأعرَض الرَّسولُ عليه الصَّلاة والسَّلامُ عن ذلكَ؛ استحياءً من الله تعالى وإجلالاً، فناداهُ ربُّه: (إنِّي قد فرضْتُ عليكَ وعلى أمَّتِكَ خَمْسِينَ صَلَاةً، وَالْخَمْسُ بِخَمْسِينَ، وَقَدْ أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي)، ثمَّ عادَ بهِ جبريلُ إلى مضجَعِهِ، وكلُّ ذلِكَ في ليلةٍ واحدةٍ.
التّوقيت والمكان
قيلَ في توقيتِ رحلةِ الإسراءِ والمعراجِ قولانِ: فَنُقِلَ أنَّها وَقَعت قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ، وَقِيلَ قبلَها بِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ، وأمَّا موضِعُ بدايَتِها ففيهِ أيضاً قولانِ: أوّلهما من المَسجِدِ الحَرامِ؛ إذ كانَ رسولُ اللهِ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ نَائِمًا فِي الْحِجْرِ، فَكانَت انطلاقةُ الرِّحلةِ من موضِعه، وَثانيِهما من بَيْتِ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ، وثلَّثَ آخرونَ بقولِ: كُلُّ الحرَمِ مسجِد.
الدروس المستفادة من رحلة الإسراء والمعراج
-
تشريف المسجد الأقصى.
-
ربط العقيدة الإسلاميّة بجميع الرسائل السماويّة السابقة.
-
تشريف الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- وعلّو مكانته.
-
فرض الصلاة على المسلمين.
-
وصف العذاب الذي يلاقيه الكافرين، والنعيم الذي ينتظر المؤمنين.