هنالك الكثير من الأحاديث النبوية التي جاءت في ذكر طرق تحصيل الرزق، وأساليب تحصيله، وأسباب منعه، وكيف يمكن استجلاب الرزق إذا ما توقّف أو انقطع، ومن تلك الأحاديث ما يأتي:
يكتب الله للعباد أرزاقهم وهم في بطون أمهاتهم: فإنّ العبد قبل أن يُولَد يُكتَب رزقه وأجله وجنسه هل هو ذكرٌ ام أنثى، وذلك لما روى البخاريّ ومُسلم عن رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- أنّه قال: (إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ قد وَكَّلَ بالرَّحمِ ملَكًا، فيقولُ: أي ربِّ، نُطفةٌ، أي ربِّ، علقةٌ، أي ربِّ، مضغةٌ، فإذا أرادَ اللَّهُ أن يقضيَ خلقًا، قالَ: قال الملكُ: أي ربِّ ذَكَرٌ أم أنثى؟ شقيٌّ أم سعيدٌ؟ فما الرِّزقُ؟ فما الأجلُ؟ فيُكْتبُ كذلِكَ في بَطنِ أمِّهِ).[٥]
الصدقة من أوسع أبواب استجلاب الرزق، والله يرزق المؤمن من حيث لا يحتسب: فقد جاء في الحديث الذي يرويه علي بن الحسين بن علي قوله: (اجتمع عليُّ بنُ أبي طالبٍ وأبو بكرٍ وعمرُ وأبو عبيدةَ بنُ الجرَّاحِ فتمارَوْا في أشياءَ، فقال لهم عليُّ بنُ أبي طالبٍ: انطلِقوا بنا إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نسألُه، فلمَّا وقفوا على النَّبيِّ عليه السَّلامُ قالوا: يا رسولَ اللهِ جِئنا نسألُك، قال: إن شئتم سألتموني وإن شئتم أخبرتُكم بما جئتم له، قالوا أخبِرْنا يا رسولَ اللهِ، قال: جئتم تسألوني عن الصَّنيعةِ لمن تكونُ؟ ولا ينبغي أن تكونَ الصَّنيعةُ إلَّا لذي حسَبٍ أو دِينٍ، وجئتم تسألوني عن الرِّزقِ يجلِبُه اللهُ على العبدِ، اللهُ يجلبُه عليه فاستنزِلوه بالصَّدقةِ، وجئتم تسألوني عن جهادِ الضَّعيفِ، وجهادُ الضَّعيفِ الحجُّ والعمرةُ، وجئتم تسألوني عن جهادِ المرأةِ، وجهادُ المرأةِ حُسنُ التَّبعُّلِ لزوجِها، وجئتم تسألوني عن الرِّزقِ من أين يأتي وكيف يأتي، أبَى اللهُ أن يرزُقَ عبدَه المؤمنَ إلَّا من حيث لا يحتسِبُ).[٦]
الذّنوب سببٌ لمنع الرزق: فقَد يُحرَمُ العبدُ الرزق مع أنّه مكتوبٌ له، بسبب ذنبٍ أذنبه أو معصيةٍ أصابها، فقد روى ثوبانَ مولى رسولِ الله عن الرَّسولِ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أنَّه قال: (إنَّ الرَّجلَ ليُحرمُ الرِّزقَ بالذَّنبِ يُصيبُه)؛[٧] فيكون ارتكاب المعاصي والذُّنوبِ سبباً في حرمان الرزق بناءً على النصّ السّابق، أو أنّ العبد يأخذ رزقه لكنّه يُحرَمُ برَكتَه، فلا يأتيهِ رِزقَهُ الذي كتبه الله له إلَّا مُنغَّصاً لا بركة فيه.[٨] كما أنّ الزّنا كذلك من المعاصي التي تستوجب منع الرزق، فعَن عبد الله بن عمر -رضِيَ اللهُ عنهُ- عن رَسولِ اللهِ -عليهِ الصَّلاة والسَّلامُ- أنَّه قال: (الزِّنا يورِثُ الفقرَ)،[٩] حيث إنّ النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- قَرَن الزِّنا بالفَقر في أكثَرِ من مَوضِعٍ، وفي الحديث السابق خصوصاً ممّا يُشير إلى دور الزّنا في منع الرزق.[١٠]
نَقصُ المِكيالِ والمِيزان: ويَشهَدُ تاريخُ الأمَمِ الغابِرةِ على صِدقِ وبيِّنةِ هذا السَّببِ، وقَد أخبَرَ بِهذا الرَسولُ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- مُحذِّراً أمَّتَهُ الفَقرَ والخَرابَ. رَوى عبد الله بن عُمر: (أقبلَ علينا رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، فقالَ: يا معشرَ المُهاجِرينَ خمسٌ إذا ابتُليتُمْ بِهِنَّ، وأعوذُ باللَّهِ أن تدرِكوهنَّ لم تَظهَرِ الفاحشةُ في قومٍ قطُّ حتَّى يُعلِنوا بِها إلَّا فَشا فيهمُ الطَّاعونُ والأوجاعُ الَّتي لم تَكُن مَضت في أسلافِهِمُ الَّذينَ مَضوا، ولم ينقُصوا المِكْيالَ والميزانَ إلَّا أُخِذوا بالسِّنينَ وشدَّةِ المئونَةِ وجَورِ السُّلطانِ عليهِم، ولم يمنَعوا زَكاةَ أموالِهِم إلَّا مُنِعوا القَطرَ منَ السَّماءِ، ولَولا البَهائمُ لم يُمطَروا ولم يَنقُضوا عَهْدَ اللَّهِ وعَهْدَ رسولِهِ إلَّا سلَّطَ اللَّهُ عليهم عدوًّا من غيرِهِم، فأخَذوا بعضَ ما في أيدَيهِم، وما لَم تَحكُم أئمَّتُهُم بِكِتابِ اللَّهِ ويتخيَّروا مِمَّا أنزلَ اللَّهُ إلَّا جعلَ اللَّهُ بأسَهُم بينَهُم).[١٣]
الرّبا يمنع الرزق وينسف الحلال: فعن عَمرو بن العاصِ -رضِيَ الله عنهُ- عن رَسولِ الله -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- أنَّهُ قال: (ما مِن قومٍ يَظهرُ فيهِمُ الرِّبا إلَّا أُخِذوا بالسَّنةِ وما مِن قومٍ يَظهرُ فيهم الرِّشا إلَّا أُخِذوا بالرُّعبِ)،[١١] حيث إنّ الحديث يُشير إلى أنّ أي قومٍ يتعاملون بالرّبا سيجدون أثر ذلك في نقص الزرع الذي هو الباب الأول للرزق، وستُنسَف البركة من أرزاقهم، وقد قال تعالى في معنى ذلك: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ).[١٢]
صلة الرَّحم تجلب الرّزق، وقطعها سببٌ لمنع الرزق: فمن يصل رحمه يصله الله ويرزقه، ويزيد البركة في ماله ويرزقه من حيث لا يحتسب، قال عليه الصّلاة والسّلام: (مَن أحَبَّ أنْ يُبسَطَ له في رزقِه ويُنسَأَ له في أجَلِه فلْيتَّقِ اللهَ ولْيصِلْ رحِمَه).[١٤] وإنّ من أبرز ما يُصيب قاطع الرحم نتيجةً لما قام به من القطيعةُ لرحمه أن يمنع عنه الرزق، ويُصيبه الهمّ والغمّ، وتُنزَع البركة من ماله.[١٠]