«الزنزانة 54 سجن قرة ميدان..17 يناير 1948»، جملة كتبها الرئيس الراحل أنور السادات بخط يده، ليبدأ فى 4 ورقات، من أوراق رئاسة الجمهورية، الكتابة عن ما وصفه بـ«استقلال نفسه»، لتشكل «20 عهداً» قطعها على نفسه، وتتراص الأوراق إلى جانب بعضها البعض، على حائط متحف الرئيس الراحل فى مكتبة الإسكندرية، نعرض أبرز عهوده إلى نفسه فى السطور التالية..
«تبتدئ حياة الأمم العظيمة من بدء استقلالها.. وكذلك يبدأ الفرد حياته الشريفة من يوم أن يعلن استقلال نفسه.. ها أنا ذا أعلن استقلالى فيما يلى:
«أعلن استقلالى من الجمهور.. فلن أتبع عادة يمارسها ما لم أثق بفائدتها».
«أعلن استقلالى من شهواتى.. فلن أسمح لها بأن تتحكم فى، ولست أجهل أن رغباتى وشهواتى هى منبع قوتى، ولكننى إذا خليتها تسيطر علىّ أتلفتنى، فإذا أنا سيطرت عليها انتفعت بها».
«سأنفى عن نفسى خواطر الخوف.. ولن أذكر الله إلا باعتباره صديقاً لى أحبه ولا أخشاه، يسعفنى ويخلصنى من الورطة، ولن أعتقد البتة أنه عدو جبار منتقم».
«لن أعتقد أن المادة أساس كل شىء فى العالم.. لأن هذا الاعتقاد ينفى الحب والجمال، ويؤكد الشهوة والطمع والقوة والبأس، وما دمت أجهل شيئاً فإننى سأحسن الظن به، ولن أؤمن بشىء يقول بأن هذا العالم قذر سافل، بل سأجعل إيمانى بحيث أعتقد أن الحياة جميلة، جديرة بأن نعيشها».
«سأغرس فى نفسى الإيمان الشامل.. فأؤمن بإله يريد الخير للعالم، وأؤمن بالحب والشرف والوفاء، وفى كل ما يجعل الحياة قوية سليمة، وأؤمن بالحياة بعد الموت، وبأن حياتنا على الأرض جزء من حياة طويلة سنحياها بعد، وأعتقد أن هذا الإيمان يرفع الحياة ويشرفها».
«ضميرى هو الأعلى.. وما يمليه علىّ من الأوامر والنواهى أتبعها، فلا أعمل عملاً مهما كان الربح فيه إذا كان ضميرى لا يقره».
«لست أعترف بسلطة على عقلى.. ولذلك سأجعل عقلى حراً طليقاً من التخرصات والشهوات والرغبات التى تميل إليها نفسى لكى يكون حكمه نزيهاً، وكذلك لن أتبع رأى أحد حتى يقره عقلى».
«إنى أنكر أن فى العالم شىء يدعى الحظ.. لأن ما أظن أنه حظ ليس فى الواقع سوى شىء نجهله، ووراء كل شىء حادث نواميس وأنظمة ومقاصد سامية قد تخفى علينا.. وحياة كل فرد منا هى من ترسيم الله، وأنا فى كل ما يحدث لى من ضروب الفشل والخيبة والمرض والخطأ أسير فى ما رسمه الله لى».
«لن أؤمن أن الخداع والغش يؤديان إلى النجاح.. بل أؤمن أن الكون شريف النزعة والقصد، تصرح حقيقته بأن الشرف والاستقامة يؤديان حتماً إلى النجاح والسعادة، من أجل ذلك فإننى سأتمسك بالفضائل وبالنواميس الروحية».
«لن أؤمن بالهراء القائل بأن الفرصة تسنح مرة ولا تعود.. بل أعتقد أن الفرصة تسنح كل يوم، ولست أعتقد أنه ما دمت قد بسطت فراشى فيجب أن أرقد عليه ولا أحاول تغييره، كلا، فكل يوم يبدأ حياة جديدة وفرص جديدة يجب أن تُغتنم».
«لن أقامر ولن أسير سير المقامر فى الحياة.. ولن أدخل فى عمل يتوقف الربح فيه على القمار بمفهومه الواسع، وإنما سأعمل بإذن الله أعمالاً نافعة.. ولن أعقد صفقة إلا إذا تأكدت أن من يعاملنى فيها يربح مثلى لأن كل عمل شريف يقتضى الربح للطرفين البائع والمشترى.. وكما أرى أن للمطر وللحر والبرد ولاشتعال النار وتكون العفونة أسباباً طبيعية لا تحدث هذه الأشياء بدونها، فكذلك أعتقد أن للعقل والقلب أسبابهما ونوامسيهما، فلا يحدث شىء بالصدفة..من أجل هذا لن أسير سير المقامر فى الحياة بل أفكر وأضع لكل نتيجة أسبابها».
«سأطهر نفسى وعقلى من جميع الخرافات والطيرة والفأل والتخمين.. وأعتمد على عقلى بقدر ما يهدينى والعقل هو أعظم نعم الله على الإنسان.. فالخرافة هى الإيمان بشىء ليس أساسه العقل أو الترجيح وإنما يقوم فقط على التصديق، وجميع الخرافات قاذورات ذهنية يجب كنسها من ذهنى، ولن أترك نفسى يسودها الخوف والجهل».
«مهما خبأت لى الأقدار فإنى سأقابلها بصدر منشرح وأكافحها بهمة الرجال.. ولن آسف ولن أتحسر على نفسى، لأن التحسر حمأة تتمرغ فيها النفوس الضعيفة، فإذا أنا أخفقت فى عمل فسأنظر إلى إخفاقى نظرة الفرقة التى تلعب الكرة وتخسر شوطاً فتعود متحمسة إلى الشوط الثانى.. ولن أحترق ولن أكسر».
«سأعتمد على نفسى دون الاعتماد على الظروف لكى أنجح.. فلن أعلل فشلى بالظروف السيئة لأن الظروف مادة غشيمة يجب أن أستعملها وأستخدمها لمصلحتى، فأنا أعرف أن العامل الذى ينسب خيبته إلى سوء آلته هو عامل عاجز، فكذلك أنا لن أعتمد على ظروفى وأنسب إليها ما أصيب من خيبة أو توفيق.. كلا.. سأدخل ميدان الحياة وأعمل معتمداً على نفسى، فإن توفقت فذاك، وإن أخفقت فسأعاود الجهد وأنتفع بإخفاقى السابق».
«إنى أعرف أننى يمكننى أن أغير أذواقى..عجينة النفس.. فإذا مالت نفسى إلى أشياء سيئة فإنى أعرف أنه يمكننى أن أزجرها عن ذلك وأجعلها تميل إلى أشياء حسنة.. وأعرف أن الثقافة ترفع الذوق وتجعله يسمو إلى الشرف، ولذلك فإننى سأداوم تثقيف نفسى.. يسير عليك أن تزدرى ما يعجزك عن أن تناله».
«لن أعد العمل نكبة لابد منها للربح.. بل أعتقد أن مهمة الإنسان فى الحياة وفى العمل هى خدمة البشر (العمران)، ولن أحتقر عملاً يحتاج إليه الناس ويربح منه صاحبه، فأقوى برهان على منفعة العمل أن يربح، ولن أجعل البطالة غايتى وإنما أعتبرها فترة أحتاج إليها للراحة حتى أعود للعمل».
ويختتم الرئيس الراحل «عهود استقلاله»: «هذا هو إعلان استقلالى ودستور حياتى الذى سأجتهد فى أن أسير عليه حتى أعيش عيشة نافعة لنفسى ولغيرى.. وسواء أنجحت فى عملى أو أخفقت فإننى سأحتفظ بكرامة نفسى حتى إذا طُلب منى أن أقدم حسابى قدمته راضياً عن نفسى مرفوع الرأس».