رغم مرور عقود من الزمن إلا أن ذكرى انتصار حرب أكتوبر لا تزال تشعل حماسة ونشاط العريف «مصطفى محمد عبدالرحمن الحموى»، لتكسر حالة الهدوء، التى تغلب على حياته، برفقة زوجته وابنته بمنزلهم المتواضع بمُحافظة الإسكندرية.
بحلول شهر أكتوبر من كل عام يستعيد ذكرياته خلال العبور وما تلاه من أيام، بدقة وتركيز، لا يغيب عنه اسم زميل مُحارب أو قائد ودود، شجعه وشاركه لحظة الانتصار.
تغلب الدموع صوت الشيخ المُحارب إذ يقول: «المشهد تمام زى ما يكون قدامى دلوقتى، وزمايلى حواليا، مافيش حاجة اتنست، لسه فاكر لحظة إصابتى، الضابط وجه بنقلى لمستشفى السويس، قلت له لأ أنا عاوز أموت وسطكم».
فى الأصل كان «الحموى» جنديا من جنود الدفاع الجوى، تدرب على أيادٍ مصرية، واُختير من بين عشرات، لتقديم عرض أمام قيادة المدرسة على استخدام صواريخ سام 7 وسام 6، أصاب وزميلاه الأهداف كافة، فحصلت المدرسة على عُطلة لـ 72 ساعة جزاء التفوق.
فى أرض المعركة، تمركز «الحموى» على بعد من 6 إلى 7 كيلومترات من معبر «الشلوفة» ويصف الوضع: «وقتها ماحدش مننا كان بينام، وكنا تابعين لقيادة الفرقة السابعة، بعد العبور كنا بنستهدف طائرات العدو اللى بتحاول تعمل مناورات، كانوا بييجوا فى أفواج، أبرزها طائرة سكاى هوك».
يذكر الجندى كيف تمكن وفقًا لحسن إدارة سلاحه من إسقاط 4 طائرات، وحظى بتقدير معنوى فورى لا يُنسى: «العميد أحمد بدوى وقتها، قائد الفرقة السابعة كتب اسمى عنده، وحضنى حضن أبوى عمرى ما هنساه».
لاحقًا وقرب وقوع الثغرة، تلقى «الحموى» إصابة، ثلاث شظايا على وجه الدقة، استقرت واحدة منها على بعد بضعة سنتيمترات من القلب، فنقل على إثر إصابته إلى مستشفى السويس العام، ولاحقًا إلى مستشفى كوبرى القبة العسكرى، حيث خضع لعدد من العمليات الجراحية.
عاد الجندى إلى أرض المعركة، إلا أن قرار وقف إطلاق النار كان قد دخل نطاق التنفيذ، لم يترك رغم ذلك خدمته العسكرية كمجند سوى فى يناير من عام 1975، إذ أمضى فى الخدمة العسكرية ما يزيد على 4 أعوام، لاحقًا زال بريق العسكرية، وتراجع زخم النصر، وعاد «الحموى» موظفًا مدنيا فى شركة «فيليبس» ومنها يتحصل على معاشه اليوم.
حصل «الحموى» على نوط الجمهورية العسكرى، الممنوح لصف الضباط وضباط الشرف والجنود، وفقًا للتكريم من الرئيس الأسبق محمد أنور السادات، وحصل «الحموى» على عائدٍ مادى من النوط، إلا أن الزيادة لم تشمله منذ مدة، على حد قوله، رغم زيادة العائد من الأوسمة الأخرى، كنجمة سيناء، والتى صعد عائدها إلى بضعة آلاف من الجنيهات للدرجة الأولى، وكذلك نجمة الشرف العسكرية.
يتساءل الجندى كيف لم يحظ بتكريم لائق من قيادة الدفاع الجوى إلى اليوم، لم يحظ كذلك بشكل رسمى بـ«كارنيه» جمعية المحاربين القدامى، فقط عائد النوط الثابت رغم تبدل الأحوال الاقتصادية للبلاد: «الرد اللى بنقابله هو أن ميزانية الدولة لا تحتمل، لكن أنا حزين، لو القيادات الحالية كانت عاصرت الحرب بنفسها وشافت الصحراء والإصابة مكانوش عملوا كدا».
بالفعل تقدم «الحموى» للحصول على «كارنيه» جمعية المحاربين، لكن الأمر انتهى به فى معترك قضائى لتوثيق حصوله على نوط الجمهورية العسكرى من الأساس، وعندما أثبت ذلك، نفت الجمعية أن تكون كتيبته قد أرسلت اسمه إلى الجمعية بين قوائم المُصابين.
أمله الأخير تشكل فى أن يلتحق ولده بالكلية الفنية العسكرية، تبدد الأمل ذاك أيضًا عندما رُفض ولده لسبب لم يره مُقنعًا، لذا قرر ولده العمل فى الخارج، وترك البلاد، فيقول الوالد الستينى: «لما ابنى يشوف أنى حاربت وما أخدتش حقى، مش هيتحمس للدفاع عن الوطن، العساكر هم وقود المعركة وهم اللى دافعوا وصمدوا»، يتمسك بأمل أخير يرجو أن يرد له بعضًا من التقدير والدعم والتفهم: «الأمل الأخير فى الرئيس عبدالفتاح السيسى».