سليمان خاطر.. قصائد البطولة ضد «سردية الجنون»- شبكة سبح الاخبارية

مظفر النواب وسليمان خاطر وعبد الرحمن الأبنودي

مظفر النواب وسليمان خاطر وعبد الرحمن الأبنودي


تصوير :
آخرون

«صوتك نشان طالع يقول موجود.. يا أسمر يا أبوعيون سود.. فكيت طلاسم سحرنا المرصود.. وعدلت وش الزمن.. كان لي ولد.. مات»، بتلك الكلمات الساحرة ودع شاعر العامية الكبير عبدالرحمن الأبنودي، سليمان خاطر، على وقع أصوات الطلاب في جامعات مصر تهتف ضد «سردية الجنون»، التي بدت رسمية حينها: «سليمان خاطر مش مجنون.. قولوا عليه مقدرش يخون».

ربما لم يكن الفلاح الشرقاوي، سليمان خاطر، يدرك في اللحظة التي سبقت الضغط على زناد البندقية ليردي 7 إسرائيليين ويصيب 2 آخرين، أنه سيدخل التاريخ من أوسع أبوابه، بين من يعده بطلًا نفذ أول رد شعبي ضد التطبيع مع إسرائيل عقب اتفاقية كامب ديفيد، ومن يراه ثمة جندي متهور «قتل أبرياء»، أو «مجنون»، كما وصفه عصمت عبدالمجيد، الأمين العام الأسبق للجامعة العربية.

بين هذين الرأيين ظلت حادثة «سليمان» شاهدةً على تحول المصريين من أغلبية كاسحة تؤيد الرأي الأول وخفوت أصحاب وجهة النظر الثانية، إلى ارتفاع أصوات «نظرية القتل» وتراجع الحديث عن «نظرية المقاومة»، وما بين العصرين ما زال الكثيرون يعتبرون أن «هذا الهرم الطفل.. احتوى أسرار مصر كلّها»، على حد تعبير الشاعر العراقي الكبير، مظفر النواب.

سليمان، المولود في الشرقية، أول الستينيات من القرن العشرين، كان يقف عصر السبت 5 أكتوبر 1985، في نوبة حراسة بمنطقة رأس برقة، في محافظة جنوب سيناء، فوجئ بعدد من السياح الإسرائيليين يحاولون تسلق هضبة تقع عليها نقطة حراسته، ما دفعه إلى محاولة منعهم، دون جدوى، فأطلق رصاصاته، قبل يوم واحد من احتفالات مصر بذكرى انتصارات أكتوبر المجيدة.

سريعًا، كان التنصل الرسمي من الحادثة، بوصف سليمان بـ«مختل عقليًا» أو بتعبيرات أخرى «مجنون»، فيما تناقض رد الفعل الشعبي مع الموقف الرسمي، بمظاهرات حاشدة في الجامعات المصرية، وأصداء عربية امتدت من الكويت مرورًا ببيروت إلى المغرب، وتفاعل ثقافي لافت من شعراء وكتاب عرب كبار، ما أسبغ على «سليمان» صورة «البطل» في الضمير الجمعي للعرب.

خضع «سليمان» إلى محاكمة عسكرية قضت بسجنه 25 عامًا، وبعد مرور نحو 4 أشهر على الحادثة بالتحديد في 7 يناير 1986، أعلن رسميًا عن انتحاره في محبسه، وللمرة الثانية تتناقض السردية الرسمية مع الموقف الشعبي، إذ اعتبر كثيرون أن ما حدث بمثابة «تنفيذ حكم إعدام»، أو حسب تعبير محافظ الشرقية الأسبق الراحل عزازي على عزازي، «نُحر داخل زنزانته».

ورغم مرور أكثر من 30 عامًا على الواقعة، إلا أن «سليمان» ابن قرية أكياد، في محافظة الشرقية، مازال حاضرًا يغني له مصريون مع الشيخ إمام عيسى من كلمات الشاعر محمود الطويل: «أضمك وجرحي بينزف قُبل.. برغم اللي خانوا.. ورغم اللي هانوا.. ورغم اللي كانوا في غاية الخجل».

Leave a Reply