قال اللواء أركان حرب سعد الدين مرجان، أحد ضباط قوات المظلات خلال حرب أكتوبر، إن قنابل الغضب والغل كانت أقوى أسلحة الجيش المصرى فى الحرب، لأن 70% من قواته كانت شاهدة على هزيمة 1967 التى أطلق عليها مرجان «سرقة فى غفلة».
وأضاف «مرجان»، فى حوار لـ«المصرى اليوم»، أن الشعب المصرى كله رفض الهزيمة، وأن الجيش بدأ يقيم معسكرات تجميع للقوات المسلحة وبدأ يعيد التدريب بعد الهزيمة، مشيراً إلى أن كل الضباط كبارا وصغارا كانوا يعلمون أن مصر ستدخل الحرب خلال أيام لكن لا يعرفون الوقت بالتحديد.. وإلى نص الحوار:
■ متى بدأت خدمتك فى القوات المسلحة؟
– التحقت بالكلية الحربية عام 1961 وتخرجت عام 1964 وكان لى الشرف أن أكون ضمن جنود القوات المسلحة منذ حرب اليمن حتى حرب أكتوبر، وبقيت فى اليمن لمدة عامين ونصف العام ، وهذه الحرب بها معارك كبيرة ولم أقتل يمنياً واحداً، وانتهت حرب اليمن وجئنا إلى مصر فى حرب 1967، ولى رأى فيها، فالجميع أطلق عليها نكسة وهزيمة، لكنى أسميها «حرب على حين غرة» لم يختبر فيها الجندى المصرى وأجبر على الانسحاب دون رغبة منه، وكنت نقيبا فى 1967 فى شرم الشيخ فى موقعى، لم يكن يعلم معظم المصريين أن خليج العقبة وشرم الشيخ تابعين لمصر أصلاً فى هذا الوقت، علم المصريون أن شرم الشيخ تابعة لنا عندما أعلن جمال عبدالناصر إغلاق خليج العقبة، وكنت ضمن القوات التى ذهبت لاحتلال خليج العقبة، ومن القصص الطريفة بالنسبة لى يوم 3 يونيو قبل حرب 67 بيومين كلفت بمأمورية للنزول إلى مصر، والمفترض أن أعود إلى شرم الشيخ بالطائرة يوم 5 يونيو، وأغلقت كل الحدود والطرق، وفجأة دخلت إسرائيل سيناء ولم تتحرك داخلها إلا بعد انسحاب الجيش المصرى لمسافات طويلة، فالجيش لم يتم اختباره بشكل حقيقى فى هذه الحرب.
■ ماذا فعلت بعد فشلك فى العودة إلى شرم الشيخ يوم 5 يونيو 1967؟
– لم أستطع العودة وكانت لنا مؤخرة للقوات فى القاهرة ذهبت إليها، وكان لى 3 أشقاء يشاركون فى الحرب أيضاً، وسلمت نفسى لمؤخرة القوات، ولم أرغب فى التواصل مع أسرتى لتأثرى بما حدث.
■ أين كان أشقاؤك فى مواقع الحرب؟
– كان أخى اللواء محمد يسرى مرجان فى المدفعية، وأحمد مرجان وحسن مرجان مؤهلات عليا مجندين، كانوا فى الحرب على الجبهة، وزوج شقيقتى اللواء إبراهيم صفوت ضمن من حرروا القنطرة.
■ كيف كان إحساس والديك بسبب مشاركتكم جميعاً فى الحرب؟
– كأى أب أو أم مصرية يخافان على أولادهما، ومن حظى السيئ أننى تواجدت فى مصر فى هذا التوقيت وكل إخوتى غير موجودين، فرأيت القلق فى عيونهما، لم أكن أجيب عن أى أسئلة لأبى وأمى فى يوم 5 يونيو أو بعدها.
■ متى أدرك الرأى العام المصرى أننا بالفعل انهزمنا فى 5 يونيو 1967؟
– يوم 6 يونيو أدرك الناس أننا بالفعل انهزمنا بسبب عودة الضباط والمجندين إلى منازلهم ومشى الجيش فى الشوارع، وبدأ الناس يسبوننا فى الشارع، لذلك كنا نرتدى اللبس الميرى فى هذا الوقت، ولحسن حظى أننى لم أقابل كثيرا من المواطنين فى هذه الفترة، وكنت أنزل الإجازات بالزى الملكى.
■ كيف استعددتم لحرب أكتوبر بعد نكسة 1967؟
– كنا ندرك جيداً أننا كضباط لم نحارب لكى يتم تقييمنا، فكان داخلنا غل كبير ضد العدو، لو وقفنا فى مواقعنا الدفاعية كما كنا لما تمكن اليهود من الدخول، وإلى حد كبير كنا ناقمين وغاضبين من قادة الجيش المصرى الذين أصدروا قرار الانسحاب من سيناء، وكنا نرفض الانسحاب من شرم الشيخ إلى أن قالوا لنا من لم ينسحب ستتم محاكمته، وطبيعى أن ننهزم لأن ظهرنا كان للعدو أثناء الانسحاب ونحن عائدون، وبالتالى ضربونا من الخلف، وأرفض وصفها بنكسة أو هزيمة ولا أحب أن أكون مبالغاً إذا قلت إنها «خيانة» وعبدالناصر «انضحك عليه» و«غُرر به»، لأن الروس قالوا له لا تضرب الضربة الأولى ولكن عليك استقبالها، هناك أخطاء كبيرة من القيادات، وأول من يتحمل سبب الهزيمة هو جمال عبدالناصر وليس عبدالحكيم عامر، لأنه رئيس الدولة والقائد الأعلى للقوات المسلحة وهو المسؤول وصاحب القرار، ولكن الشعب المصرى كله رفض الهزيمة، والجيش بدأ يقيم معسكرات تجميع للقوات المسلحة، وبدأ يعيد التدريب، واجتمع معنا بعدها عبدالحليم أبوغزالة فى الكلية الفنية العسكرية وقال: «يا جماعة الروس لن يمنحونا أسلحة نبهوا على أسركم فى البيوت أن يجهزوا أغطية الأوانى للمحاربة بها، فضحكنا وصفقنا له بحماس، ومن 1967 إلى 1973، تدربنا على مهمات انتحارية فى قوات المظلات، وكنا نغير على العدو خلف خطوطه نحدث أكبر خسائر به وننسحب، فإما أن نضرب من قوات العدو أو نعود سالمين حسب حظنا.
■ ما أصعب ما فى حرب أكتوبر؟
– كانت هناك موانع شبه مستحيلة، مثل عبور قناة السويس التى من الممكن أن تتحول إلى كتلة نار عبر أنابيب «النابالم» لو فكرنا فى العبور، ثم حينما تعبر تجد ساترا ترابيا ضخما بانحدار حاد يصعب تسلقه خصوصاً إذا كنت تحمل معدات أو أسلحة، ثم النقاط القوية الحصينة للعدو على طول الشاطئ الشرقى للقناة التى كانت مثل القرى السياحية فيما كل ما تشتهى الأنفس من أسلحة ومعدات حديثة وكذلك وسائل ترفيه للجنود، ونحن فى الغرب لا نملك إلا سلاحنا الشخصى والحفرة التى نجلس فيها، ورغم ذلك تغلبنا على كل الصعوبات وكنا قادرين على التغلب عليهم فى حرب 1967 لولا أنه تمت «سرقة الجيش المصرى» فى غفلة، ولكن التخطيط للحرب كان جيداً والإعلام هيأ الجبهة الداخلية بشكل جيد.
■ ما الركائز والعقائد التى زرعها القادة فى نفوسكم أثناء الإعداد للحرب؟
– 70 % ممن حاربوا فى 1967 شاركوا فى حرب أكتوبر، لذلك كان بداخلنا قنابل من الغضب والغل وأقسمنا أن ننتقم ونعيد أرضنا هذا هو الوقود الأكبر للمعركة.
■ هل كنتم تعلمون أن هناك حرباً ستندلع؟
– نعم كنا نعلم سواء ضباط كبار وصغار أننا سندخل الحرب خلال أيام لكن لا نعرف الوقت بالتحديد، كل المؤشرات كانت تنبئ باقتراب ساعة الصفر، وكنا مصرين على الشهادة لدرجة أن القيادات كانت تكبح جماحنا بكل قوة لضبط النفس، ونفذنا مئات عمليات الإنزال خلف خطوط العدو وأسرنا عددا من جنود العدو أثناء حرب الاستنزاف، وفى كثير من المرات كان العدو يكتشف عملياتنا عبر عملية «خيانة» وكنا نقاوم عندما يكتشفنا العدو حتى نعبر إلى الضفة الغربية للقناة ومعنا الأسرى.
■ من كان يبلغ عنكم العدو؟
– كان هناك جاسوس من قواتنا هو فاروق الفقى، كنت أعرفه جيداً وأحبه كثيراً، ولكنه كان جاسوساً لدرجة أننا كلما نهم بتنفيذ عملية يتم إجهاضها، وكان قائد قوات المظلات الفريق سعد الدين الشاذلى وقت الاستنزاف، وتم اكتشاف «الفقى» والقبض عليه، عندما أحس الفريق الشاذلى بالخيانة وأن هناك جاسوساً لكن لا نعرفه، حيث أمر «الشاذلى» بوقف كل العمليات التى تنفذها قوات المظلات خلف خطوط العدو، وفى أحد الأيام أمر بعقد مؤتمر للضباط فى مدرسة الصاعقة، فذهبنا لمنازلنا على أن المؤتمر سيعقد صباحاً فى المدرسة، ولكن وصل كل منا خطاب «سرى وشخصى» فى الواحدة صباحاً بتغيير مكان المؤتمر من المدرسة إلى قيادة قوات المظلات، وذلك لكى لا يتاح الوقت للجاسوس الذى لا نعرفه أن يبلغ العدو عن مكان المؤتمر، وفى هذا اليوم فاروق الفقى قام بمأمورية لكى لا يحضر المؤتمر وأبلغ إسرائيل عن مكان عقد المؤتمر، وإذ نحن نتحدث فى المؤتمر فوجئنا بالطيران الغاطس يدمر المكان حولنا، فقال الفريق سعد الدين الشاذلى لنا: «يا جماعة فيه جاسوس بيننا لدرجة إنى شاكك فى نفسى» ومن هنا كان خيط مراقبة فاروق الفقى والقبض عليه وإعدامه هو وحبيبته هبة سليم، وبعد القبض عليه سارت العمليات بشكل صحيح ونفذنا مئات العمليات الناجحة.
■ أين كنت يوم 6 أكتوبر 1973؟
كنت برتبة رائد فى قيادة اللواء 182 اقتحام جوى الذى كان يقوده العقيد أركان حرب إسماعيل عزمى محمد، من القيادات العظيمة، وكان له الفضل فى عدم دخول العدو إلى الإسماعيلية ثم التقدم إلى بورسعيد، وكانت هناك خطة ولها أكثر من خطة بديلة، وكانت مهمتنا الإبرار والإغارة لكن تدربنا تدريبا عاليا على التعامل مع العدو مثل زملائنا من قوات المشاة، وفوجئنا بالطائرات المصرية فوق رؤوسنا متجهة إلى سيناء فى الثانية ظهراً، وهنا كانت كلمة «الله أكبر» تزلزل مصر كلها، كنا «قاعدين على نار» نريد تنفيذ أى مهمة فى أقرب وقت، وكان أول تحرك لنا يوم 16 أكتوبر لكى نشتبك فى الثغرة، وقابلنا اللواء عبدالمنعم خليل قائد الجيش الثانى على الطريق وأعطانا الأوامر، ودخلنا إلى المنطقة وبدأنا عملية قتال العدو على أنهم 7 دبابات، لكن فوجئنا أنها قوات كبيرة معها إدارة عمليات فقاتلناهم بأسلحتنا الخفيفة والمتوسطة مثل «آر بى جى» ومدافع الهاون، حتى وصلت لنا القوات الرئيسية، وحققنا معجزة بإيقاع أكبر الخسائر بهم.
■ هل قابلت أى إسرائيلى وجها لوجه أثناء الحرب؟
– كثيراً ما حدث ذلك، فى إحدى المرات أسرنا ضابط إسرائيلى برتبة ملازم، واكتشفنا أنه يهودى عراقى يتحدث العربية بطلاقة، وقال لنا: «أنا طالب فى السنة النهائية فى كلية التجارة فى إسرائيل، وإسرائيل توفر لنا كل وسائل الرفاهية وعندما حدثت الحرب تم تجنيدى برتبة ملازم»، واكتشفنا أن جده تاجر ذهب مصرى، وكنا نعامل الأسرى دون أذى وفق القوانين والمواثيق الدولية.
محمد البحراوى