حرب أكتوبر المجيدة علامة مضيئة في تاريخ العسكرية المصرية العريقة فلقد تبارت فيها جميع التشكيلات والقيادات في أن تكون مفتاحا لنصر مبين، وأثناء الفترة التحضيرية لمعركة العبور التي خاضتها الوحدات المقاتلة في 6 أكتوبر عام 1973، كان ثمة تخطيط علمي دقيق لاستخدام وحدات الإبرار الجوى في العملية الهجومية الاستراتيجية لتحرير سيناء، بالإضافة إلى الاستعداد للقيام بتأمين الأهداف الحيوية أثناء التمركز ضمن قوات المنطقة المركزية العسكرية، مع تواجد وحدة لها في مطار شرق القاهرة، للعمل كاحتياطي لتنفيذ أى مهام بالإسقاط، إلى جانب قيام إحدى الوحدات بالإبرار في المنطقة الحتمية للهجوم وتدمير العدو ومنعه من التقدم.
لقد كان لوحدات المظلات دور مهم في خطة الخداع الاستراتيجي للعدو الإسرائيلي للإعداد لعملية العبور، كما كانت هناك العديد من التحركات للوحدات المنفذة لتأكيد هذا الخداع، هذا بالإضافة إلى مهام التأمين ضد أى ردود فعل عدائية أثناء عبور قواتنا من سيناء، بالتزامن مع تواجد كتيبة هاون وأخرى فهد في القنطرة غرب وفي منطقة الفردان، بما يعكس أن القيادة العامة للقوات المسلحة ارتأت أهمية تأمين كل الجبهات والمناطق الحدودية قبل وأثناء سير المعركة، كما تولت وحدات مظلية أخرى عمليات الهجوم وتدمير قوات العدو في مضيقي متلا والجدي، والاستيلاء عليهما وتأمينهما لتسهيل تقدم قواتنا ومنع تقدم العدو من خلالهما.
واحتلت الوحدات الفرعية الصغرى المصاطب الموجودة غرب القناة، ودأبت على معاونة الوحدات المدعومة عليها في الاستيلاء على النقط القوية وتأمين رؤوس الكباري ضد هجمات العدو المضادة، واستمرت في تنفيذ مهامها القتالية لصالح تشكيلات ووحدات شرق القناة، لتأمين الموجات الأولى للعبور، ثم عبرت وفتحت خطا للنيران على الضفة الشرقية للقناة وقامت بعدة دوريات ناجحة ونصبت كمائن للدبابات المعادية، بالإضافة إلى معاونة التشكيلات والوحدات في تحقيق مهامها واحتلال رؤوس الكباري، ووزعت أطقم المظلات على قواعد الصواريخ التي كانت مهددة بهجوم دبابات العدو، وكذا على منطقة تفيشة، وكان هذا التوزيع هدفه السعي وراء حصار الثغرة ومنع انتشار دبابات العدو في اتجاه العاصمة ومدينة الإسماعيلية.
ولعبت عناصر المقذوفات لوحدات المظلات دوراً محورياً في صد الهجمات المضادة المعادية بعد عبور القوات ممن عبروا ضمن الموجات الأولي بنطاق الجيشين الثاني والثالث الميدانيين، وحتى الثامن عشر من أكتوبر، فقد تولت وحدات المقذوفات، صد وتدمير ما يزيد على 118 دبابة للعدو الإسرائيلي، حيث كان من ضمن تلك القوات فردان مقاتلان ممن عرفوا بصائدي الدبابات، حيث دمر كل منهما أكثر من 30 دبابة معادية.
واستمرت ملاحم البطولات لرجال وحدات المظلات حتى بعد أن أحدث العدو الثغرة غرب القناة، حيث استطاعت عناصر المظلات والقوات المتواجدة غرب القناة من حصر العدو ومنعه من تطوير الهجوم غرباً، وكان لها أدوار بطولية في معارك ضارية ومتتالية في أبوسلطان ومطار الدفرسوار– سرابيوم وغيرها من مناطق العمل المؤثرة في أعمال القتال، كما لعبت دوراً بارزاً في أعمال الاحتواء والحصر للقوات المعادية غرب القناة بمنطقة عتاقة، واستمرت في تنفيذ مهامها بالدفاع الإيجابي النشط مع استمرار استطلاع أوضاع العدو ومنعه من تحصين دفاعاته غرب القناة، ونجحت وحدات المظلات في إرهاق واستنزاف العدو في مواجهتها وكبدته خسائر كبيرة في العدد والعتاد، كما لم تمكنه من تثبيت أوضاعه وتحسين مواقعه الدفاعية غرب القناة، حتي تمكنت مفاوضات الكيلو 101 من تنفيذ إجراءات الفصل بين القوات.
دور الكتيبة الفهد
في صباح السادس من أكتوبر 1973 كانت إحدى كتائب الفهد ملحقة على الجيش الثاني الميداني وموزعة في منطقة الفردان وقطاع بورسعيد.
ومع الموجة الأولى للعبور انتقلت الوحدات الفرعية الصغرى للكتيبة مع الوحدات الملحقة عليها لمعاونتها في الاستيلاء على النقط القوية وتأمين رؤوس الكباري ضد هجمات العدو المضادة واستمرت الكتيبة في تنفيذ مهامها القتالية لصالح التشكيلات ووحدات شرق القناة إلى أن حدثت الثغرة وأعيد تجميع الكتيبة في قيادة الجيش الثاني للعمل مع الصاعقة بمهمة تدمير دبابات العدو التي تحاول التقدم في مدينة الإسماعيلية ولقد كان لأطقم الكتيبة أدوارها البطولية في كل موقع وكان أقواها في سيناء وكانت خسائر العدو من الدبابات من جراء صواريخهم ومن واقع بلاغات القتال للتشكيلات والوحدات التي كانت تعمل معها (58 دبابة) ذلك العدد الذي كان عزاء لمصر في استشهاد قائد الكتيبة الرائد صلاح حواش حامل وسام نجمة سيناء ومعه عشرة من خيرة رجاله.
فقد كان لكل لواء من ألوية المظلات دوره المتميز الجدير بالتسجيل كما أن أوضاعهم ومهامهم في هذه المرحلة أكدت أنهم وحدات المهام الصعبة.
دور لواء الاقتحام الجوي
كلما تحدثنا عن حرب أكتوبر تذكرنا الثغرة والبلاغات القتالية للعدو عن خسائر قواته نتيجة للمقاومة العنيفة من رجال المظلات المصرية هؤلاء الرجال الذين كان لهم دورهم البطولي منذ أن بدأت هذه الثغرة إلى أن تم الفصل بين القوات وانسحاب إسرائيل من غرب القناة والحديث عن دور أحد ألوية قحم جو بصفة خاصة لابد وأن نتحدث عن الوحدات الفرعية التي كان لكل منها دورها المتميز.
وكانت قد أعطيت المهمة لكتائب اللواء سعت 1000 يوم 8 أكتوبر بالهجوم على المصاطب المحاذية للقناة وتأمينها والوصول إلى مطار الدفرسوار على طريق القناة كما تحرك باقي اللواء على الطريق الترابي المحاذي للترعة الحلوة في اتجاه سرابيوم إلى محطة الفتح لتأمينها بالتعاون مع الأدلاء من أبناء سيناء الشرفاء.
وقامت احدي كتائب قحم جو بالتحرك بمحاذاة القناة وطهرت المصاطب حتى وصلت إلى المصطبة الأخيرة، والتي كان العدو قد جهزها هندسيا وكثف الألغام حولها وأنشأ بها نقطا شبه حصينة وبذلت محاولات شتى للاستيلاء على هذه المصطبة وكانت كل محاولة يسقط فيها عشرات من الشهداء إلى أن طلب قائد السرية القائم بالمحاولة الأخيرة قصف الموقع بالمدفعية رغم وجوده على اتصال قريب منه ثم صدرت الأوامر بتعديل أوضاع الكتيبة لتحتل أحد الخطوط الحيوية في العمق.
وصدرت الأوامر سعت 1400 يوم 16 أكتوبر بتحرك كتيبة قحم جو للجيش الثاني للعمل مع احدي الفرق الميكانيكية ودفعت الكتيبة إلى منطقة مطار الدفرسوار بمهمة القضاء على العدو هناك والتي كانت تقدر بسبعة دبابات ولكنها فوجئت بقوة العدو حوالي 50 دبابة في منطقة المطار فاشتبكت مع أعداد منها فقام العدو بتركيز نيرانه عليها فتم سحبها وأعيد تجميعها بعد حصر العدو وتطويق الثغرة، في حين قامت كتيبة قحم جو أخرى تابعة للواء باحتلال مواقعها جنوب محطة سرابيوم ودفعت دورية الاستطلاع أكدت وجود تجمعات للعدو مدرعة أمام الكتيبة وأبلغت عنها.
وفي صباح 19 أكتوبر سنة 1973 قام العدو بالهجوم على موقع الكتيبة فأسقطت فصيلة الد. جو طائرتي ميراج، فقام العدو بقذف مركز بالمدفعية على موقع الكتيبة تبعه هجوم بدبابات العدو من عدة اتجاهات وكانت معركة ضارية تكبد فيها العدو 11 دبابة و6 عربات مدرعة بالإضافة إلى خسائر كبيرة في الأفراد والمعدات في معركة غير متكافئة وقاتلت الكتيبة بشراسة إلى أن استشهد قائدها المقدم فطين عبدالوهاب ومعه 8 ضباط وعشرات الصف والجنود بالإضافة إلى أعداد من الجرحى خلال التمسك بالأوضاع الدفاعية للكتيبة، حتى تم إمداد الوحدات الفرعية بالذخائر والاحتياجات تحت ضغط العدو الجوي والبري واستمرار الدفاع على اتصال قريب بالعدو.
تلك كانت ملحمة اللواء 182 قحم جو، الذي فقد في قتاله في المعركة شهداء بررة ضحوا بأرواحهم فداء لمصر وحماية لترابها وكانت دماؤهم حجر عثرة أمام العدو منعه من تنفيذ أهدافه في الوصول إلى الإسماعيلية ومنح قائده العقيد عبدالرحمن بهجت نوط الجمهورية من الطبقة الأولى.
دور لواء المظلات:
في 19 أكتوبر سنة 1973 كانت كتيبة مظلات في مطار شرق القاهرة مستعدة لتنفيذ أي مهام بالإسقاط، فصدرت الأوامر بوضع وحدات من اللواء في منطقة الانتشار بمهمة الاشتراك الدفاع تحت قيادة الجيش الثالث مع استمراره في منطقة تمركزه بالقاهرة مع استعداده للتحرك فور صدور الأمر بذلك وظهرت بوادر استخدامه في اتجاه بير عريب فقام اللواء بدفع مجموعة إلى منطقة ميناء الأدبية ونفذت مهامها بكل دقة وكانت المعلومات التي حصلت عليها أساسية في وضع القرار للتحرك والاحتلال.
وفي سعت 1830 يوم 8 نوفمبر سنة 1973 تحركت مجموعات من اللواء برا إلى الجيش الثالث بمهمة احتلال جبل عتاقة ومنع العدو من توسيع ثغرة الاختراق جنوبا في منطقة الأدبية ولتحقيق سرية الاحتلال ومفاجأة العدو ثم تقدم الوحدات الفرعية من خلال الوديان الجبلية دون مركبات معتمدين على لياقتهم العالية وتدريبهم الجيد في نقل أسلحتهم ومعداتهم وفوجئ العدو برجال المظلات يحتلون السلسلة الجبلية غرب الأدبية مما حقق الاهتزاز في دفاعاته.
كما تقدمت مظلات واحتلت منطقة الفنجري على اتصال قريب به واستكملت التكديسات من الذخائر والاحتياجات بجهود بشرية مضيئة رغم الاشتباكات النيرانية والقصف الجوي ومزيد من تخفيف العبء البدني على الأفراد في نقل الاحتياجات فقد تم إنشاء مدق صالح للحملات بالجهود الذاتية ووصول إلى اعلي قمة في جبل عتاقة.
واستمرت الوحدات في تحسين مواقعها الدفاعية والتدريب والتخطيط على تنفيذ الخطة لتصفية الثغرة حيث كانت المهمة للواء فيما بعد تدعيم كتيبة دبابات لتدمير العدو في المنطقة الأدبية والاستيلاء عليها ثم تطوير الهجوم في اتجاه السويس، بالإضافة إلى تدمير العدو في الجزء المحتل من جبل عتاقة ولكن حالت مباحثات فصل القوات دون تنفيذها، تلك المباحثات التي كثيرا ما تعثرت نتيجة للاشتباكات التي كان يقوم بها اللواء من مواقعه الحاكمة لتخفيف الضغط على جانب الجيش الثالث الميداني في شرق القناة بناء على طلب القوة المحاصرة، واستمر اللواء في نشاطه الدفاعي إلى أن عاد إلى القاهرة بعد حصوله على خطاب شكر من القائد العام للقوات المسلحة بالإضافة إلى تكريم العديد من الضباط والصف والجنود وفى مقدمتهم العقيد أركان حرب طلعت حرب، حيث منح نوط الجمهورية من الطبقة الأولى.
دور لواء اقتحام جوي
في 20 أكتوبر سنة 1973 صدرت الأوامر بدفع اللواء إلى وصلة أبوسلطان للعمل مع احدي فرق المشاه، وفي 23 أكتوبر تسلم قائد اللواء مهمة الدفاع عن وادي العشرة لاستكمال حصار العدو في الثغرة ومنعه من الاختراق وتم احتلال كتائب لموافاتها وبدأ النشاط الدفاعي ودفع دوريات اللاستطلاع لمتابعة نشاط العدو في الثغرة.
وفى 25 أكتوبر كلف اللواء بدفع عناصر لتلغيم بعض قواعد الصواريخ القريبة وتلغيم بعض المدقات التي يستخدمها العدو داخل الثغرة كما كان لعناصر القناصة والأسلحة المضادة للدبابات دور فعال في إيقاع الخسائر بالعدو وأثناء الدفاع عن القتال به وأعيد للتجميع استعدادا لتنفيذ خطة التعامل مع الثغرة وألغيت المهمة بانتهاء مباحثات السلام وفصل القوات، وتقديرا لما حققه رجاله من بطولات تم تكريم العديد من رجاله كما حصل قائدة العقيد نبيل سالم على نوط الواجب العسكري.
تلك هي المصاعب والمهام التي فرضتها ظروف القتال على وحدات المظلات وبرغم المصاعب التي واجهتها فقد أثبتت النتائج أنهم رجال المهام الصعبة وخير دليل على ذلك ما قام به الرئيس القائد الأعلى للقوات المسلحة الرئيس محمد أنور السادات أثناء منحه وسام نجمة الشرف العسكري لقائدهم العميد أركان حرب محمد حسن عبدالله حيث قال: لقد قامت وحدات المظلات بمهام قتالية من أمجد معارك الحرب، كل معركة تحتاج إلى مجلدات لتسجيلها.