في الذكرى الـ44 لانتصارات حرب أكتوبر المجيدة، تنشر «المصري اليوم» النص الكامل لخطاب الرئيس الراحل محمد أنور السادات، والذي ألقاه في افتتاح الدورة الاستثنائية لمجلس الشعب في ١٦أكتوبر ١٩٧٣، والذي اشتهر بـ«خطاب النصر» الذي عرض فيه تفاصيل الحرب مع إسرائيل واجتياز قواتنا المسلحة خط بارليف المنيع في 6 ساعات.
«بسم الله، أيها الإخوة والأخوات، كان بودي أن أجيء إليكم قبل الآن، ألتقي بكم وبجماهير شعبنا وأمتنا، لكن مشاغلي كانت كما تعلمون وكما تدرون، وأثق أنكم تقدرون، ومهما يكن فلقد أحس بكم وبشعبنا وأمتنا معا فيما أخذت على مسؤوليتي تعبيرا عن إرادة أمة، وتعبيرا عن مصير شعب، مناسبا أن أجيء إليكم اليوم أتحدث معكم ومع جماهير شعبنا ومع شعوب أمتنا العربية وأمام عالم يهمه ما يجري على أرضنا لأنه وثيق الصلة بأخطر القضايا الإنسانية، وهي قضية الحرب والسلام، ذلك لأننا لا نعتبر نضالنا الوطني والقومي ظاهرة محلية أو إقليمية لأن المنطقة التي نعيش فيها بدورها الإستراتيجي والحضاري في القلب من العالم وفي الصميم من حركته ولأن الحوادث كبيرة ولأن التطورات متلاحقة ولأن القرارات مصيرية.
وأضاف: «فإنني أريد أن أدخل مباشرة فيها أريد أن أتحدث معكم وسوف أركز على نقطتين: الحرب والسلام، أولا: الحرب لست أظنكم تتوقعون مني أن أقف أمامكم لكي نتفاخر معا ونتباهى بما حققناه في أحد عشر يوما من أهم وأخطر بل وأعظم وأمجد أيام تاريخنا، وربما جاء يوم نجلس فيه معا لا لكي نتفاخر ونتباهى ولكن لكي نتذكر وندرس ونعلم أولادنا وأحفادنا جيلا بعد جيل، قصة الكفاح ومشاقه ومرارة الهزيمة وآلامها وحلاوة النصر وآماله، نعم سوف يجيء يوم نجلس فيه لنقص ونروي ماذا فعل كل منا في موقعه، وكيف حمل كل منا الأمانة وكيف خرج الأبطال من هذا الشعب وهذه الأمة في فترة حالكة ليحملوا مشاعل النور وليضيئوا الطريق حتى نستطيع أن نعبر الجسر ما بين اليأس والرجاء، ذلك كله سوف يجيء وقته وأظنكم توافقونني على أن لدينا من المشاغل والمهام ما يستحق أن نكرس له وقتنا وجهدنا».
وتابع: «وإذا جاز لي أن أتوقف قليلا وأنا أعلم أنني أتوق شوقا إلى سماع الكثير فإنني أقول ما يلي: أولاً: فيما يتعلق بنفسي فقد حاولت أن أفي بما عاهدت الله وما عاهدتكم عليه، حاولت أن أفي بما عاهدت الله وما عاهدتكم عليه قبل ثلاث سنوات بالضبط من هذا اليوم، عاهدت الله وعاهدتكم أن قضية تحرير التراب الوطني والقومي هي التكليف الأول الذي حملته ولاء لشعبنا وللأمة، عاهدت الله وعاهدتكم على أن لن أدخر جهدا ولن أتردد دون تضحية مهما كلفني في سبيل أن تصل الأمة إلى وضع تكون فيه قادرة على دفع إرادتها إلى مستوى أمانيها، ذلك أن اعتقادنا دائما كان ولا يزال أن التمني بلا إرادة نوع من أحلام اليقظة يرفض حبي وولائي لهذا الوطن أن تقع في سرابه أو في ضبابه».
وواصل: «عاهدت الله وعاهدتكم على أن نثبت للعالم أن نكسة ١٩٦٧ كانت استثناء في تاريخنا وليست قاعدة وقد كنت في هذا أصُر عن إيمان بأن التاريخ يستوعب (٧٠٠٠) سنة من الحضارة ويستشرف آفاقاً أعلم علم اليقين بأن نضال شعبنا وأمتنا لا يعلو عنها وللوصول إليها وتأكيد قيمها وأحلامها العظمى، عاهدت الله وعاهدتكم على أن جيلنا لن يسلم أعلامه إلى جيل سوف يجيء بعده منكسة أو ذليلة، وإنما سوف نسلم أعلامنا مرتفعة هاماتها عزيزة صواريها قد تكون مخضبة بالدماء، لكننا ظللنا نحتفظ برؤوسنا عالية في السماء وقت أن كانت جباهنا تنزف الدم والألم والمرارة».
وأردف: «عاهدت الله وعاهدتكم على ألا أتأخر عن لحظة أجدها ملائمة ولا أتقدم عنها لا أغامر ولا أتلكأ، وكانت الحسابات مضنية والمسؤولية فادحة، لكنني أدركت كما قلت لكم وللأمة مرارا وتكرارا أن ذلك قدري، وأني حملته على كتفي، عاهدت الله وعاهدتكم وحاولت مخلصا أن أفي بالوعد ملتمسا عون الله وطالبا ثقتكم وثقة الأمة، وإني لأحمد الله. ثانيا: لقد كان كل شيئا منوطا بإرادة هذه الأمة، حجم هذه الإرادة وعمق هذه الإرادة، وما كنا نستطيع شيئا، وما كان أحد ليستطيع شيئا لو لم يكن هذا الشعب، ولو لم تكن هذه الأمة، لقد كان الليل طويلا وثقيلا ولكن الأمة لم تفقد إيمانها أبدا بطلوع الفجر وإني لأقول بغير ادعاء إن التاريخ سوف يسجل لهذه الأمة أن نكستها لم تكن سقوطا، وإنما كانت كبوة عارضة وأن حركتها لم تكن فورانا وإنما كانت ارتفاعا شاهقا لقد أعطى شعبنا جهدا غير محدود وقدم شعبنا تضحيات غير محددة وأظهر شعبنا وعيا غير محدود وأهم من ذلك كله أهم من الجهد والتضحيات والوعي، فإن الشعب احتفظ بإيمان غير محدود، وكان ذلك هو الخط الفاصل بين النكسة والهزيمة».
وتابع: «ولقد كنت أحس بذلك من أول يوم تحملت فيه مسؤوليتي وقبلت راضيا بما شاء الله أن يضعه على كاهلي، كنت أعرف أن إيمان الشعب هو القاعدة، وإذا كانت القاعدة، سليمة فإن كل ما ضاع يمكن تعويضه، وكل ما تراجعنا عنه نستطيع الانطلاق إليه مرة أخرى، وبرغم ظواهر عديدة بعضها طبيعي وبعضها مصطنع من تأثير حرب نفسية وجهت إلينا، فقد كان سؤالي لنفسي ولغيري في كل يوم يمر: هل القاعدة سليمة؟ وكنت واثقاً أنه ليس في قدرة أية حرب نفسية مهما كانت ضراوتها أن تمس صلابة هذه القاعدة، ومادامت القاعدة بخير فإن كل شيء بخير، وغير ذلك لن يكون إلا زوبعة في فنجان كما يقولون، لست أنكر إننا وُجهنا بمصاعب جمة، مصاعب حقيقية مصاعب في الخدمات، مصاعب في التموين مصاعب في الإنتاج، مصاعب في العمل السياسي أيضا. وكنت أعرف الحقيقة، ولكنني لم أكن في موقف يسمح لي بشرحها كنت أعرف إننا نحاول نجعل الحياة مقبولة للناس وفي نفس الوقت فإن علينا أن نحتاط لما هو منتظر وكنت واثقا إنه سوف يجيء يوم تظهر فيه الحقيقة لغيري كما كانت ظاهرة لي، وحين تظهر الحقيقة فإن الناس سوف يعرفون وسوف يقدرون».
وواصل: «وأحمد الله. ثالثا: لقد كانت هناك إشارة واضحة إلى وجود تمزق في ضمير الأمة العربية كلها، وكنت أرى ذلك طبيعيا لأسباب اجتماعية وفكرية وزادت عليها مرارة النكسة، كان هناك من يسألونني ويسألون أنفسهم هل تستطيع الأمة أن تواجه امتحانها الرهيب وهي على هذه الحالة من التمزق في ضميرها. كنت أقول أن هذا التمزق فضلا عن أسبابه الطبيعية يعكس تناقضا بين الواقع والأمل وليس في ذلك ما يخيف بل كنت أعتقد أنه ليس هناك شفاء لضمير الأمة ولا راحة له إلا عندما تواجه الأمة لحظة التحدي ولم أكن في نفس الأوقات على استعداد للدخول في مناقشات عقيمة، هل نعالج التمزق قبل مواجهة التحدي؟ وكان رأيي أن الأمم لا تستطيع أن تكشف نفسها أو جوهرها إلا من خلال ممارسة الصراع وبمقدار ما يكون التحدي كبيرا بمقدار ما تكون يقظة الأمة واكتشافها لقدراتها كبيرة، لست أنكر وجود خلافات اجتماعية وفكرية فذلك مسار حركة التاريخ، لكنني في نفس الوقت كنت أعرف أن الأمم العظيمة عندما تواجه تحدياتها الكبرى فإنها قادرة على أن تحدد لنفسها أولوياتها بوضوح لا يقبل الشك، كنت مؤمنا بسلامة وصلابة دعوة القومية العربية وكنت مدركا للتفاعلات المختلفة التي تحرك مسيرة أمة واحدة، لكنني كنت واثقا أن وحدة العمل سوف تفرض نفسها على كل القوى وعلى كل الأطراف وعلى كل التيارات، لأننا جميعا سوف نعي أن هذا الظرف ليس مساواة بين الاجتهادات وإنما هو الصراع بين الفناء والبقاء لأمة بأسرها وأحمد الله.»
وواصل: «رابعا: ولقد كنت أعرف قواتنا المسلحة ولم يكن حديثي عنها رجما بالغيب ولا تكهنا، لقد خرجت من صفوف هذه القوات المسلحة وعشت بنفسي تقاليدها وتشرفت بالخدمة في صفوفها وكنت في ألويتها. إن سجل هذه القوات كان باهرا، لكن أعداءنا الاستعمار القديم والجديد والصهيونية العالمية، ركزت ضد هذا السجل تركيزا مخيفا لأنها أرادت أن تشكك الأمة في درعها وفي سيفها، ولم يكن يخامرنا الشك في أن هذه القوات المسلحة، كانت من ضحايا نكسة سنة ١٩٦٧ ولم تكن أبدا من أسبابها. كان في استطاعة هذه القوات سنة ١٩٦٧ أن تحارب بنفس البسالة والصلابة التي تحارب بها اليوم لو أن قيادتها العسكرية في ذلك الوقت لم تفقد أعصابها بعد ضربة الطيران التي حذر منها عبدالناصر أو لو أن تلك القيادة لم تصدر قرارا بالانسحاب العام من سيناء بدون علم عبدالناصر، إن قواتنا لم تعط الفرصة لتقاتل عام ١٩٦٧ أن هذه القوات لم تعط الفرصة لتحارب دفاعا عن الوطن وعن شرفه وعن ترابه، لم يهزمها عدوها ولكن أرهقتها الظروف التي لم تعطها الفرصة لتقاتل، إن القوات المسلحة المصرية قامت بمعجزة على أعلى مقياس عسكري، ولقد شاركت مع جمال عبدالناصر في عملية إعادة بناء القوات المسلحة ثم شاءت الأقدار أن أتحمل مسؤولية استكمال البناء ومسؤولية القيادة العليا لها أن القوات المسلحة قامت بمعجزة على أعلى مقياس عسكري استوعبت العصر كله تدريبا وسلاحا بل وعلما واقتدارا حين أصدرت لها الأمر أن ترد على استفزاز العدو وأن تكبح جماح غروره فإنها أثبتت نفسها أن هذه القوات أخذت في يدها بعد صدور الأمر لها زمام المبادرة وحققت مفاجأة العدو وأفقدته توازنه بحركاتها السريعة».
وتابع: «إن التاريخ العسكري سوف يتوقف طويلاً أمام عملية يوم ٦ أكتوبر ١٩٧٣ ولست اتجاوز اذا قلت أن التاريخ العسكري سوف يتوقف طويلاً بالفحص والدرس أمام عملية يوم ٦ أكتوبر ٧٣ حين تمكنت القوات المسلحة المصرية من إقتحام مانع قناة السويس الصعب واجتياز خط بارليف المنيع وعبور الضفة الشرقية من القناة بعد أن أفقدت العدو توازنه لقد كانت المخاطرة كبيرة والتضحيات عظيمة لمعركة ٦ أكتوبر خلال الساعات الست الأولي من حربنا كانت هائلة فقد العدو توازنه إلى هذه اللحظة وإذا كنا نقول ذلك اعتزازاً وبعض الاعتزاز إيمان فان الواجب يقتضينا أن نسجل من هنا وبإسم هذا الشعب وبإسم هذه الأمة ثقتنا المطلقة في قواتنا المسلحة ثقتنا في قياداتها التي خططت وثقتنا في شبابها وجنودها الذين نفذوا بالنار والدم، ثقتنا في إيمان هذه القوات المسلحة في قدرتها على استيعاب هذا السلاح أقول باختصار أن هذا الوطن يستطيع أن يطمئن ويأمن بعد خوف إنه قد أصبح درع وسيف أريد من هنا أن أشد انتباه حضراتكم معي إلى الجبهة الشمالية حيث يحارب الجيش السوري العظيم معركة من أمجد معارك الأمة العربية تحت القيادة المخلصة والحازمة للأخ الرئيس حافظ الأسد، وأريد أن أقول لإخوتنا في الجبهة الشمالية إنكم عاهدتكم وكنتم الأوفياء للعهد وصادقتكم وكنتم أشرف الأصدقاء وقاتلتم وكنتم أشجع المقاتلين، إنكم حاربتم حرب رجال وصمدتم صمود الأبطال ولم يكن في مقدورنا أن نجد رفقة سلاح أكثر مدعاة للطمأنينة والفخر من هذه الرفقة التي تشرفنا بالقتال فيها معكم ضد عدو واحد لنا هو عدو أمتنا العربية كلها».
وتابع: «لقد كنا من طلائع المعركة، تحملنا ضراوتها ودفعنا معاً أفدح تكاليفها من دمائنا ومن مواردنا، ولسوف نواصل القتال، ولسوف نتحدى الخطر، ولسوف نواصل مع إخوة لنا، تنادوا إلى الساحة صادقين مخلصين سوف نواصل جميعاً دفع ضريبة العرق والدم حتي نصل إلى هدف نرضاه لأنفسنا وترضاه أمتنا لنضالها في هذه المرحلة الخطيرة من مراحله المتصلة المستمرة».
وتابع: «أيها الإخوة والأخوات كل ذلك عن الحرب والآن ماذا عن السلام؟ عندما نتحدث عن السلام فلابد لنا أن نتذكر ولا ننسي كما لابد لغيرنا ألا يتناسي حقيقية الأسباب التي من أجلها كانت حربنا وقد تأذنون لي أن أضع بعض هذه الأسباب محددة قاطعة أمام حضراتكم أولاً: اننا حاربنا من أجل السلام، حاربنا من أجل السلام الوحيد الذي يستحق وصف السلام، وهو السلام القائم على العدل، إن عدونا يتحدث أحياناً عن السلام ولكن شتان ما بين سلام العدوان وسلام العدل، إن دافيد بن جوريون هو الذي صاغ لإسرائيل نظرية فرض السلام والسلام لا يفرض والحديث عن فرض السلام معناه التهديد بشن الحرب أو شنها فعلاً والخطأ الكبير الذي وقع في عدونا إنه تصور أن قوة الإرهاب تستطيع ضمان الأمن ولقد أثبت عملياً اليوم وفي ميدان القتال عقم هذه النظرية السلام لا يفرض وسلام الأمر الواقع لا يقوم ولا يدوم، السلام بالعدل وحده، والسلام ليس بالارهاب مهما أمعن في الطغيان ومهما زين له غرور القوة أو حماقة القوة ذلك الغرور وتلك الحماقة اللتين تمادي فيها عدونا ليس فقط خلال السنوات الست الأخيرة بل خلال السنوات الخمس والعشرين، أي منذ قامت الدولة الصهيونية باغتصاب فلسطين ولقد نسأل قادة إسرائيل اليوم: أين ذهبت نظرية الأمن الإسرائيلي التي حاولوا اقامتها بالعنف تارة وبالجبروت تارة أخرى، طوال خمس وعشرين سنة؟ لقد انكسرت وتحطمت، قوتنا العسكرية تتحدي اليوم قوتهم العسكرية وها هم في حرب طويلة ممتدة وهم أمام إستنزاف نستطيع نحن أن نتحمله بأكثر وأوفر مما يستطيعون وها هم عمقهم معرض إذا تصوروا أن في استطاعتهم تخويفنا بتهديد العمق العربي وربما أضيف كي يسمعوا في إسرائيل أننا لسنا دعاة إبادة كما يزعمون أن صواريخنا المصرية العربية عابرة سيناء من طراز ظافر موجودة الآن على قواعدها، مستعدة للانطلاق بإشارة واحدة إلى الأعماق في إسرائيل، ولقد كان في وسعنا منذ الدقيقة الأولي للمعركة أن نعطي الإشارة ونصدر الأمر خصوصاً وأن الخيلاء والكبرياء الفارغة أوهمتهم بأكثر مما يقدرون على تحمل تبعاته لكننا ندرك مسئولية استعمال أنواع معينة من السلاح ونرد أنفسنا بأنفسنا عنها، وإن كان عليهم أن يتذكروا ما قلته يوما ومازلت أقوله العين بالعين والسن بالسن والعمق بالعمق ثانياً: إننا لم نحارب لكي نعتدي على أرض غيرنا وإنما حاربنا ونحارب وسوف نواصل الحرب لهدفين اثنين الأول: استعادة أراضينا المحتلة بعد سنة ١٩٦٧ الثاني: إيجاد السبل لاستعادة واحترام الحقوق المشروعة لشعب فلسطين، هذه هي أهدافنا من قبول مخاطر القتال ولقد قبلناها رداً على استفزازات لا تحتمل ولا تطاق ولم نكن البادئين إنما كنا فيها ندافع عن أنفسنا وعن حرياتنا وعن حقنا في الحرية والحياة إن حربنا لم تكن من أجل العدوان ولكن ضد العدوان ولم نكن في حربنا خارجين على القيم ولا القوانين التي ارتضاها مجتمع الدول لنفسه وسجلها في ميثاق الأمم المتحدة الذي كتبته الشعوب الحرة بدمائها بعد انتصارها على الفاشية والنازية بل لعلنا نقول ان حربنا هي استمرار للحرب الإنسانية ضد الفاشية والنازية، ذلك لأن الصهيونية بدعواها العنصرية وبمنطق التوسع بالبطش ليس إلا تكراراً هزيلاً للفاشية والنازية يثير الازدراء ولا يثير الخوف ويبعث على الاحتقار أكثر مما يبعث على الكراهية إننا في حربنا كنا نتصرف وفق نص روح وميثاق الأمم المتحدة وليس مجافاة للروح ولا للنص وإلي جانب الميثاق نفسه فقد كنا نتصرف تقديراً واحتراماً لقرارات المنظمة الدولية سواء على مستوي الجمعية العامة للأمم المتحدة أو على مستوي مجلس الأمن».
وتابع: «أيها الإخوة والأخوات لقد شهد العالم كله لنا بالحق وأشاد بشجاعتنا دفاعاً عن هذا الحق أدرك العالم إننا لسنا البادئين بالعدوان ولكننا المبادرون بواجب الدفاع عن النفس، لسنا ضد قيم وقوانين مجتمع الدول ولكننا مع قيم وقوانين مجتمع الدول لسنا مغامري حرب وانما نحن طلاب سلام أدرك العالم ذلك كله وكان يتعاطف من قبل ذلك مع قضيتنا واليوم زاد على تعاطفه معنا إحترامه لتصميمنا على الدفاع عن هذه القضية ولقد كنا نطمئن بعطف العالم ونحن الآن نعتز بإحترامه وأقول لكم بصدق وأمانة إنني افضل إحترام العالم ولو بغير عطف على عطف العالم اذا كان بغير احترام وأحمد الله أيها الإخوة والأخوات إن دولة واحدة اختلفت مع العالم كله ولم تختلف معنا فقط انما مع العالم كله كما قلت، وهذه الدولة هي الولايات المتحدة لقد فوجئت كما تدعي بأننا حاولنا رد العدوان ولسنا نفهم كيف ولماذا فوجئت هذه الدولة، لم تكتف كما تقول بأنها فوجئت وإنما أفاقت من المفاجأة دون أن تعود إلى الصواب، ومن المؤسف والمحزن أن يكون هذا موقف واحدة من القوي الأعظم في هذا العصر لقد كنا نتوقع أو ربما نتمني ضد الشواهد والتجارب كلها أن تفيق الولايات المتحدة الامريكية من المفاجأة إلى الصواب لكن ذلك لم يحدث ورأينا الولايات المتحدة تخرج من المفاجأة إلى المناورة والعودة إلى خطوط ما قبل ٦ أكتوبر وكان يمكن أن نغضب من هذا المنطق المعكوس ولكننا لم نغضب لأننا نثق في أنفسنا من ناحية ومن ناحية أخرى لأننا بالفعل نريد أن نساهم في سلام العالم إن العالم يدخل في عصر من الوفاق بين القوتين الأعظم ونحن لا نعارض سياسة الوفاق، كان لنا تحفظ واحد عليها ومازال تحفظناً قائماً، إذا كنا نريد أن يدخل العالم بعد استحالة الحرب العالمية إلى عصر من السلام فإن السلام ليس معني مجرداً أو مطلقاً السلام له معني واحد هو أن تشعر كل شعوب الأرض إنه سلام لها وليس سلاماً مفروضاً عليها واني لأقول أمام حضراتكم وعلي مسمع من العالم: نحن نريد ان تنجح وان تتدعم سياسة الوفاق ونحن على استعداد للمساهمة في إنجاحها وتدعيمها إن أي نسيان لهذه الحقيقة البديهية ليس تجاهلاً فحسب وإنما هو إهانة لا نرتضيها لأنفسنا ولا للعالم الذي يعرف أهمية وقيمة المنطقة التي نعيش فيها وعليه أن يعرف الآن أن هذه المنطقة قادرة على أن تمنح وأن تمنع».
وتابع: «أيها الإخوة والأخوات إن الولايات المتحدة بعد المناورة التي رفضنا مجرد مناقشتها خصوصاً بعد ان فتحنا طريق الحق بقوة السلاح إندفعت إلى سياسة لا نسطيع أن نسكت عليها ٠٠ لا نستطيع أن نسكت عليها أو تسكت عليها أمتنا العربية ٠٠ ذلك إنها أقامت جسراً سريعاً تنقل به المعونات والمساعدات العسكرية لإسرائيل لم يكف الولايات المتحدة أن سلاحها هو الذي مكن إسرائيل من تعطيل كل محاولات الحل السلمي لأزمة الشرق الأوسط فاذا هي الآن تتورط فيما هو افدح، فيما هو أخطر في عواقبه بينما نحن نقاتل العدوان وبينما نحاول إزاحة كابوسه عن أراضينا المحتلة إذ هي تسارع إلى العدوان تعوضه عما خسره وتزوده بما لم يكن لديه إن الولايات المتحدة تقيم جسراً بحرياً وجوياً تتدفق منه على إسرائيل دبابات جديدة وطائرات جديدة ومدافع جديدة وصواريخ جديدة واليكترونيات جديدة ونحن نقول لهم إن هذا لن يخيفنا ولكن عليكم وعلينا قبل أن تصل الأمور إلى نقطة اللاعودة أن نفهم إلى أين وإلي متي وأين ونحن خريطة الشرق الأوسط وليست إسرائيل، إلى أين ومصالحكم كلها عندنا وليست في إسرائيل؟ إلى اين والي متي؟ أيها الإخوة والأخوات لقد فكرت في أن أبعث إلى الرئيس ريتشارد نيكسون بخطاب أحدد فيه موقفنا بوضوح ولكنني ترددت خشية إساءة التفسير ولذلك قررت ان استعيض عن ذلك بتوحيد رسالة مفتوحة إليه من هنا، رسالة لا يمليها القول ولكن تمليها الثقة، رسالة لا تصدر عن ضعف ولكن تصدر عن رغبة حقيقية في صون السلام ودعم الوفاق، أريد أن اقول إنه بوضوح إن مطلبنا في الحرب معروف لا حاجة بنا لإعادة شرحه».
وواصل: «وإذا كنتم تريدون معارضة مطلبنا في السلام فإليكم مشروعنا للسلام اولاً: إننا قاتلنا وسوف نقاتل لتحرير أرضنا التي أمسك بها الإحتلال الإسرائيلي سنة ٦٧ ولإيجاد السبيل لاستعادة واحترام الحقوق المشروعة لشعب فلسطين، ونحن في هذا نقبل إلتزامنا بقرارات الأمم المتحدة في الجمعية العامة ومجلس الأمن ثانياً: إننا على استعداد لقبول وقف إطلاق النار على أساس إنسحاب القوات الاسرائيلية عن كل الأراضي المحتلة فوراً وتحت اشراف دولي إلى خطوط ما قبل ٥ يونيو١٩٦٧ ثالثاً: إننا على استعداد فور إتمام الإنسحاب من كل هذه الأراضي أن نحضر مؤتمر سلام دولي في الأمم المتحدة سوف أحاول جهدي أن اقنع به رفاقي من القادة العرب المسئولين مباشرة عن إدارة الصراع مع العدو كما إنني سوف أحاول جهدي أن أقنع به ممثلي الشعب الفلسطيني وذلك لكي يشارك معنا ومع مجتمع الدول في وضع قواعد وضوابط السلام في المنطقة يقوم على احترام الحقوق المشروعة لكل شعوب المنطقة، رابعاً: إننا على استعداد في هذه الساعة من هذه الدقيقة أن نبدأ في تطهير قناة السويس وفتحها أمام الملاحة الدولية لكي تعود أداء دورها في رخاء العالم وازدهاره ولقد أصدرت الأمر بالفعل إلى رئيس هيئة قناة السويس بالبدء في هذه العملية غداة إتمام تحرير الضفة الشرقية للقناة وقد بدأت بالفعل مقدمات للاستعداد لهذه المهمة خامساً: إننا لسنا على استعداد في هذا كله لقبول وعود بمهمة أو بمبادرات مضللة تقبل كل تفسير وكل تأويل وتستنزف الوقت مما لا جدوى منه وتعيد قضيتنا إلى جمودها لم نعد نقبل به مهما كانت الأسباب لدي الغير أو تضحيات بالنسبة لنا، ما نريده الآن هو الوضوح، الوضوح في الغايات والوضح في الوسائل».
وتابع: «أيها الإخوة والأخوات لقد قلنا كلمتنا وأدعو الله مخلصاً أن يفهمها الجميع في إطارها الصحيح وأن يضعوها على الخط المستقيم وأن يحسنوا تقدير الأمور إن هذه المسألة تتطلب شجاعة الرجال وعقل الرجال ومن جانبنا فإننا نواجه هذه الساعات بخضوع الصادقين مع الله ومع أنفسهم ومع أمتهم ومع إنسانيتهم هذه ساعات تدور فيها معارك أكبر مما دار من أسلحة تقليدية حتي في حروب العمالقة، هذه ساحات تتقرر فيها مصائر وتتحدد فيها علاقات سوف تفرض نفسها على المستقبل وهي تؤكد نفسها في الحاضر هذه ساعات يتقدم فيها أبطال، وهذه ساعات يسقط بل يرتفع فيها شهداء هذه ساعات حافلة بمشاعر متباينة تمتزج فيها صيحة الفرح بمشاعر عميقة أخرى ذلك إننا كنا ولازلنا نريد الحق ولا نريد الحرب لكننا كنا ولانزال نريد الحق حتي إذا فرضت علينا الحرب وحين كانت نشوة الانتصار تملأ كل القلوب فانني كنت فيما بيني وبين ربي أعرف مدي العناء الإنساني الذي ندفعه في سبيل النصر ولقد كنت أتتبع أنباء انتصارنا في خشوع لإنني أعرف الحرب ولقد كان أعز القائلين هو الذي علمنا (كتب عليكم القتال وهو كره لكم)، أيها الإخوة والأخوات هذه ساعات نعرف فيها أنفسنا ونعرف فيها الأصدقاء ونعرف فيها الأعداء، ولقد عرفنا انفسنا ولقد عرفنا اصدقائنا وكانوا بأصدق وأخلص ما نطلب من الأصدقاء ولقد كنا نعرف عدونا دائماً ولسنا نريد أن نزيد من أعداءنا بل اننا لنوجه الكلمة بعد الكلم والتنبيه بعد التنبيه، والتحذير بعد التحذير لكي نعطي للجميع فرصة يراجعون ولعلهم يتراجعون لكننا بعون الله قادرون بعد الكلمة وبعد التنبيه وبعد التحذير أن نوجه الضربة بعد الضربة ولسوف نعرف متي وأين وكيف إذا أرادوا التصاعد فيما يفعلون، الأمة العربية كلها وأسمح لنفسي أن أعبر عنها، لن ننسي مواقف هذه الساعات أن الأمة العربية لم تنس أصدقاءها هذه الساعات الذين يقفون معها ولن ننسي أعداء هذه الساعات الذين يقفون مع عدونا «ربنا كن لن عونا وهدي.. ربنا وبارك لنا في شعبنا وأمتنا ربنا انك وعدت ووعدك الحق» ان تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم «والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته».