قبل أيام قليلة من بداية شهر أكتوبر، وفى هذا التوقيت من كل عام، يجىء موعد الحنين، وتدق ساعة الذكريات، يستخرج الفنان سامى رافع، أحد أشهر الفنانين التشكيليين، من مواليد عام ١٩٣١، صندوق الماضى، بما يحويه من صور وصحف وتصميمات خاصة جداً مر عليها نحو ٤٢ عاماً، يشاهدها وكأنها للمرة الأولى، يبتسم وهو يتذكر تفاصيل التقاط هذه الصور والشخصيات الموجودة بها ويسرح.
عدة مشاهد تحضر في ذهن «رافع»، أولها ذكريات النصر وملامح الأبطال، ثم أهم مشهد لا يغيب عن باله أبداً عندما فاز في مسابقة لتصميم النصب التذكارى لحرب أكتوبر، وتحديداً في عام ١٩٧٥، ويروى «رافع» حكاية فوزه، فيقول: «كانت هناك مسابقة في عام ١٩٧٥ نظمتها وزارة الإسكان، نُشرت في الصحف القومية، وشارك فيها ٧٥ متسابقا، وتقدم المتسابقون بأربعين عملاً، واستغرق فرز المشاركات نحو ستة أشهر، وكانت قيمة الجائزة ثلاثة آلاف جنيه، وتم إسناد التنفيذ إلى وزارة الإسكان، التي كان على رأسها المهندس عثمان أحمد عثمان».
وقت إعلان المسابقة، سافر «سامى» مع زوجته النمساوية إلى النمسا، ويضيف «رافع»: «سافرت مع زوجتى لأعكف لأيام على إنجاز مجسمات للنصب التذكارى المطلوب للمشاركة في مسابقة النصب التذكارى، وهناك طلبت من والدها أن يبحث لى عن ورشة أو أتيلييه لأعكف على إنجاز الفكرة، فإذا بوالد زوجتى يعطينى مفتاحا ويقول لى: هذا مفتاح بدروم البيت، افتح، وستجد ما تبحث عنه، وفوجئت بأن كل الأدوات والمعدات اللازمة موجودة في تلك الورشة، وعكفت على رسم اسكتشات، وظللت أجرب على مدى أسبوع، ثم أنجزت مجسمات خشبية للنصب التذكارى كما تصورته ورسمته وأربعة أهرامات، وعرضت النماذج الأربعة على الأسرة، فاجتمعوا على هذا النموذج».
وتابع: «بعد حصولى على الجائزة استعنت بنجار وصممت مجسما خشبيا للنصب التذكارى بارتفاع متر».
وعن الكتابات الموجودة على النصب التذكارى، حيث يظن البعض أنها آيات قرآنية أو أسماء شهداء حرب أكتوبر، يوضح: «المكتوب على النصب أسماء رمزية، مثل محمد ومحمود وأحمد وبطرس ويعقوب وجورج، ما يجسد وحدة هذا الشعب في الدفاع عن الوطن، كما أن هناك أسماء أشخاص مشتقة من أسماء مدن ومحافظات».
وعقب فوز «سامى» بالجائزة بدأت أولى محطات التنفيذ، وهو ما يرويه وهو يضحك مسترجعاً تفاصيل هذا اليوم، فيقول: «جاءنى للبيت اثنان بهوات قالوا: عايزين الأخ (سامى)، وقالوا لى: سيادة الوزير عايزك، ظننت أنهم سيستردون قيمة الجائزة، والبهوات دول حطونى في سيارة فخمة، وإذا بى أجد نفسى أمام عثمان أحمد عثمان، الذي قال لى إن السادات يريد تنفيذ النصب التذكارى، وقتها حسيت إنى مهم». ويوضح: «عثمان أحمد عثمان قال لى إنه يبعث بمهندسين إلى ألمانيا للتزود بمعرفة إنشاء الكبارى، وجلست مع بعضهم، وشرحت لهم فكرة النصب، لكن لم تتلاقَ أفكارنا أنا والمهندسين الأربعة، الذين أرادوا إنشاء النصب من الرخام وتزيينه بالموزايك، وطلبت منهم أن يكون النصب بالخرسانة على اللون الأصلى، والكتابة البارزة بالخرسانة أيضا، حتى لا تسقط منه أجزاء، ثم اقتنعوا بوجهة نظرى».
وخلال أكثر من ٥ شهور، هي فترة تنفيذ النصب التذكارى، يتذكر «رافع» ويؤكد: «المهندس عثمان أحمد عثمان زارنا مرتين في موقع العمل، وفى إحدى زياراته لموقع العمل وجدته يضع يده على كتفى وبيقولى: تحب نسهر عند الرئيس السادات؟! وذهبنا بالفعل، وقال لى السادات: إيه يا عم سامى جبت الملف بتاع الرسومات والصور بتاعة النصب التذكارى ولا إيه؟، وطلب منى تفسير الكتابة على النصب، وأعجبته الفكرة، وسألنى: كيف نفذتها لتكون بهذا الثبات؟!، وفى هذه الجلسة كان يوجد حسنى مبارك، والمشير الجمسى، وكان الاجتماع في أحد أيام شهر رمضان، وفى الجلسة علمت أن السادات كان يمر علينا سريعا في الثالثة صباحا بسيارته دون أن ندرى ويلقى نظرة علينا، وفى نهاية الجلسة طلب منا الرئيس أن نأخذ صورة تذكارية».
النصب التذكارى لم يكن العمل الوطنى الوحيد الذي صممه ونفذه «سامى»، فيُعد الفنان سامى رافع واحداً من الراسخين في الفن التشكيلى، فقد صمم جداريات نحو ٢٢ محطة مترو. مسيرة طويلة مليئة بالنجاحات، يحكى عنها «رافع»، فبين المعارض والفعاليات الفنية الدولية شارك في نحو ٢٠ معرضا فرديا أو مشتركاً، فضلا عن مجموعة من النصب التذكارية الأخرى التي صممها في أكثر من محافظة ومدينة، ويتحدث: «حصلت على ١٧ جائزة مصرية وعربية ودولية، بالإضافة إلى ١٤ جائزة أولى عن تصميمات لطوابع بريد تذكارية، كما صممت أغلفة أربعين كتابا و١٥ ملصقا جداريا و٤٠ شعارا، وعملة تذكارية فئة الجنيه، بمناسبة العيد الماسى لكلية الفنون، وعملة فضية تذكارية فئة خمسة جنيهات، بمناسبة مرور مترو الأنفاق تحت النيل.