عريف مجند فوزى محمود حسن القزاز، 67 سنة، هو أحد أبطال معركتى الاستنزاف وأكتوبر ضد العدو الصهيونى، وأحد مصابيهما، حيث أصيب فى الأولى بشظية فى كتفه اليمنى وعولج منها، وفى الأخيرة بطلقة صاروخ إسرائيلى فأصيب بالطرش والعمى وبتر بذراعه اليمنى وإصابات كثيرة بجسده ولم يشعر بنفسه إلا وهو بمستشفى القصاصين، حيث تم إسعافه وترحيله لعدة مستشفيات انتهت بمستشفى المعادى التابع للقوات المسلحة حيث تم علاجه.
يقول «القزاز»، لـ«المصرى اليوم»: «بعد تجنيدى ألحقت بالمدفعية بالدفاع الجوى، وكان ذلك الوقت بعد نكسة عام 1967 المريرة وكنا فى حرب الاستنزاف التى أرادت من خلالها قواتنا المسلحة الثأر لكرامتها الجريحة»، وأضاف أنه فى ذلك الوقت تم إلحاقه فوراً بكتيبته بأنشاص ليتم تدريبه بها على سلاحه، وهو مدفع للتصدى لطائرات العدو ضمن القوات الجوية، ثم بعد أن تم تدريبه وزملائه المستجدين تم نقله بعدة مواقع إلى أن تم نقله لمنطقة الزعفرانة بالبحر الأحمر من خلال طريق الكريمات، وذلك مع قوات الدفاع الجوى حيث نشبت معركة شرسة مع العدو الإسرائيلى استمرت 9 ساعات بين قوات الدفاع الجوى المصرى وقوات العدو الإسرائيلى وذلك عام 1969 ضمن حروب الاستنزاف التى قامت بها القوات المسلحة.
وعن تلك المعركة يقول القزاز: «فوجئنا بدبابات إسرائيلية مكتوب عليها (منظمة فتح) وأظن أن ذلك كان بقصد الوقيعة مع الأشقاء الفلسطينيين إلا أننا دمرنا العديد منها فاضطر العدو الإسرائيلى لسحب قواته، وصدرت تعليمات لنا بالبقاء بنفس الموقع ويوم 15 رمضان من نفس العام صدرت لنا الأوامر بتقسيم المجموعة لعدة مجموعات إحداها للتوجه لرأس غارب، وأخرى لسفاجا والثالثة للغردقة ما عدا سريتنا ظلت مكانها، وأثناء التحرك فى آخر ضوء هذا اليوم، وكنا فى شهر رمضان المبارك، كنت جالساً على مدفعى أترقب أى تعليمات من رئاستى، وفى 17 رمضان عام 1969 جاءتنا أوامر بالتحرك للبحر الأحمر ولا نعلم لأى جهة وفوجئنا أننا بمحطة الجيزة للسكة الحديد، وكنا نعيش على المعلبات والبسكويت، واستغللناها فرصة لصيانة معداتنا وقمت بفك مدفعى بكامل أجزائه وصيانته، وفوجئت برئيس عمليات سريتى، النقيب محمود فوزى، أثناء مروره للاطمئنان علينا وتعجب منى وأعجب بى، وقال (فعلا أدى العساكر اللى عاوزة تحارب وتخدم بلدها) وأشاد بى وقام بترقيتى فوراً لرتبة العريف».
وأضاف: «بعد ذلك تحركنا إلى القنطرة غرب بمنطقة الأخارصة على حافة قناة السويس، وشنت عدة معارك شرسة مع الإسرائيليين وأسقطنا يومها 3 طائرات إسرائيلية وصرفت لنا القيادة العسكرية مكافأة نتيجة ذلك، وفى ليلة القدر فى شهر رمضان من عام 1969 وفى نفس الموقع تحركنا لمنطقة القنطرة شرق وأقيمت معركة بين قواتنا المسلحة «المشاة والمظلات» إضافة للقوات الجوية، مع العدو الإسرائيلى وعلى الصيحات المدوية «الله أكبر» التى ما زالت ترن فى أذنى حتى الآن وحملنا العدو خسائر فادحة، وفى ثانى أيام عيد الفطر المبارك فوجئنا بهجوم عنيف للقوات الإسرائيلية مع صباح اليوم ثأراً مما تعرضت له من خسائر وفوجئنا بالطائرات الإسرائيلية الحديثة تغطى سماء المنطقة وتلقى بالقذائف فى كل مكان وتحيل المنطقة لجحيم، واستشهد الكثيرون من أبطالنا وتحولت المنطقة لدماء وجثث، وفى محاولة من الجنود المصريين الأحياء الهروب منهم دفنا أنفسنا فى الرمال حتى تبعد عنا تلك الطائرات، وجاءتنا تعليمات بالانسحاب للخلف إلى أبوصوير حيث نشبت معركة شرسة مع العدو الإسرائيلى وأسقطنا له 17 طائرة فى تلك المعركة، ولقناه درساً لن ينساه».
وتابع: «فى يوم 29 مايو 1970 من خلال الطائرات الإسرائيلية تم تدمير موقعنا الذى أذاقهم الويل وأصبت بشظية فى كتفى اليمنى واستشهد قائد الكتيبة النقيب محمد جودة، وعولجت بمستشفى الجلاء بالإسماعيلية، وأعطونى إجازة ثم عدت لكتيبتى، ثم كانت الصدمة بوفاة الزعيم جمال عبدالناصر، ملهب حماسنا وحبيبنا، وتحركنا لمنطقة أبوسلطان، وداومنا على تدريباتنا حيث فوجئنا بقرار الثأر وحرب أكتوبر المجيدة وفوجئنا بسيناء كلها مشتعلة، ودخلنا عمقها بأكثر من 8 كيلومترات واستمرت أشرس المعارك مع العدو الإسرائيلى ستة أيام وهاجمنا العدو الإسرائيلى بالطائرات والصواريخ، وبسبب شراستنا استهدفوا موقعى بصاروخ وذلك كان يوم 11 أكتوبر، وأصابنى هذا الصاروخ بعدة شظايا تسببت فى بتر ذراعى اليمنى وإصابتى بالعمى والطرش وإصابة أجزاء كثيرة من جسدى، وكنت أظننى قد نلت الشهادة لأننى فوجئت بأننى لا أرى ولا أسمع ولم أجد أحداً يحملنى وأنا مصاب فناديت ربى قائلا أشكرك ربى على هذه الميتة وأرجوك أن تصبر أمى ونطقت بالشهادتين، ولم أشعر إلا وأنا فى مستشفى رأس التين بعد أن تم تحويلى إليه من مستشفى القصاصين، ثم تم ترحيلى للقاهرة بمستشفى القوات المسلحة بالمعادى».
ومن جهته يقول المهندس صابر نجل البطل فوزى القزاز: «أشعر بالفخر لأننى ابن هذا البطل ولست وحدى بل مصر كلها والأجيال القادمة سعداء بهؤلاء الأبطال، وأطالب الدولة بألا تنساهم لأنهم ضحوا بحياتهم من أجل الوطن».
أما أمنية، ابنة القزاز، فأشادت بوالدها وقالت إنها فخورة به وتربى أبناءها على حب الوطن وتحكى لهم قصص بطولات والدها، وقالت مريم، الحفيدة، إنها طالبة بالصف الثالث الابتدائى بمدرسة أبوبكر الصديق بدسوق وفخورة بجدها البطل، وتحكى لزملائها بالمدرسة عن جدها وبطولاته وما قدمه للوطن.
كثيرون من أبطال أكتوبر يعتبرون ما قاموا به واجبا، ومن العيب أن يتباهوا على بلدهم بما قدموه، من هؤلاء عادل العاطفى، قائد أول مركبة برمائية تعبر قناة السويس الساعة الثانية ظهر يوم ٦ أكتوبر، من منطقة سرابيوم بالقطاع الأوسط للجيش الثانى الميدانى، وهو يحمل رأس الكوبرى لتثبيته فى الضفة الشرقية أمام تحصينات العدو وتحت القذف، تمهيداً لنصب أول كوبرى لعبور المركبات والقوات للضفة الشرقية.
«٤٤ سنة مرت لكنى فاكر كويس جدا التفاصيل الدقيقة لأعظم أيام حياتى، عارف يعنى إيه واحد بقاله على الجبهة تلات سنين وأسرته مهجرة بعيد عن بورسعيد بسبب الهزيمة وجاله الأمر إنه يعبر ويحارب»… قالها عادل وهو يزفر تنهيدة وعلى وجهه كل تعبيرات الفرح.
وأضاف: «ما بحبش أتكلم عن دورى فى المعركة وباعتبر ده واجب أديته وعيب أتفاخر على بلدى، لغاية دلوقت ما اتكتبش على الحرب العظيمة دى وآلاف الأبطال لم ترو حكاياتهم الأسطورية، وأنا التحقت بالقوات المسلحة فى ٢٨ نوفمبر ١٩٧١ بعد انتهاء دراستى فى معهد المعلمين ودخلت سلاح المهندسين وتلقيت دورة فى الألغام تفوقت فيها فتم تكليفى كمعلم فى مركز تدريب سلاح المهندسين، بعد حوالى شهرين اختارونا مجموعة علشان الخبراء الروس يدربونا على قيادة مركبات برمائية، وبعد انتهاء التدريب تم نقلنا إلى كتيبة مركبات فى قرية المرازيق أمام حلوان، ولما سألت القائد إحنا ليه مش على الجبهة، قال لى لأن لازم المركبات تشتغل باستمرار وتنزل المياه وده ما ينفعش فى القناة والعدو على الضفة الشرقية لذلك هنستمر هنا على النيل وقرب المعركة هننقلكم للجبهة».
وتابع: «فضلنا حوالى سنتين فى تدريبات شاقة على قيادة المركبات وعبور مياه النيل بها فى منطقة فى القناطر الخيرية تشبه تضاريس القناة، كل يوم تدريب وخطط والقادة يتابعونا ويصححوا أخطاءنا، حتى يوم ٢٦ سبتمبر ١٩٧٣ الموافق الأول من رمضان جاءت لنا الأوامر بالتحرك ليلا إلى مدينة التل الكبير، وحملنا المركبات على تريلات وفهمت أن المعركة هتبدأ، وصلنا التل الكبير وعسكرنا فى صحرا وما فيش حوالينا أى شىء، يوم ٤ أكتوبر سلمنى قائد الكتيبة رأس الكوبرى اللى هحمله على المركبة وأعبر بيه القناة، كان نقيب من إسكندرية واسمه سيد العزاوى، النقيب سيد خدنى وزحفنا على بطونا حتى شط القناة وأشار لى على المصطبة اللى هننطلق منها للضفة الشرقية وكانت المصطبة حولها ألغام والقائد فهمنى أن سلاح المهندسين هيزيل الألغام قبل العبور».
وأكمل العاطفى حديثه قائلا: «طلب منى القائد الإبحار من المصطبة فى خط مستقيم تماما حتى الضفة الشرقية لإنزال رأس الكوبرى وطاقم أفراد سلاح المهندسين الذين سيقومون بنصبه ليتم تركيب باقى أجزاء الكوبرى عليه بعد تجميعنا فى الضفة الغربية، وقال لى القائد: عبور القوات والمركبات متوقف عليك يا عادل لازم توصل الضفة الشرقية وتنفذ المهمة، يوم ٦ أكتوبر الساعة ١٠ صباحا قال لى القائد يلا جهزوا نفسكم وطلعوا المركبات من الحفر، فكرته بيقول كلام وخلاص خصوصا إننا متدربين إن العبور هيتم ليلا، الساعة ١ ظهرا كنت نايم تحت المركبة بقرأ مقال لأنيس منصور فى أخبار اليوم، مر عليا القائد مرة أخرى وكان لابس الشدة كاملة والخوذة وفى إيده سلاحه وقال انت لِسَّه ما جهزتش، فخرجت المركبة من الحفرة ومحمّل فيها رأس الكوبرى وطاقم الجنود وجهزت وأعطيت تمام للقائد».
وعن المهام التى تم تكليف العاطفى بها قال: «القائد قال لى أول ما تسمع صوت طيران فوقك تدوس بنزين وتنزل القناة، وقالى لى أول مهمة ليك توصل رأس الكوبرى وترجع تحمل مضخات المياه اللى هتهدم الساتر الترابى وترجع تشيل شكاير المياه اللى هتتحط فى روبة الطين قدام الكوبرى وبعدها اتحرك حر مع القوات، فجأة وجدت حولى مشهدا مهيبا، تجمعات كبيرة حولى من القوات تقف فى نظام وكل مجموعة جنود وضباط بتصلى».
واستطرد: «الضابط قال لى يلا يا عادل اتيمم وصلى ركعتين الشهادة، وعمرى ما صليت ولا هصلى زى الركعتين دول، كأنى رأيت الله وامتلأت بالقوة، أنهيت صلاتى وجلست فى المركبة ومعى الملاحين وطاقم جنود سلاح المهندسين، دقايق والطيران حلق فوق رؤوسنا دست بنزين وتوكلت على الله ونزلت القناة، ما أقدرش أصور لك شعورى وأنا بقود المركبة وسط أصوات القذف والانفجارات وهدفى الوحيد أوصل الضفة الشرقية، ولقيت نفسى فى المعركة أكثر كفاءة مما كنت عليه فى التدريبات، وصلت رأس الكوبرى والرجالة نزلوا ينصبوه، ورجعت أحمل المضخات على الضفة الشرقية، كان المشهد مهيبا ما تعرفش الضابط من العسكرى، كله بيجرى وبيشتغل وكل واحد عارف مهمته بدقة».
وأضاف العاطفى: «وصلت الطلمبات ورجعت حملت شكاير الرمل، كنت حاسس أنى أقل واحد لما شفت عساكر شايلة على ظهرها مدافع وبتطلع ساتر ترابى ارتفاعه ٢٢ مترا، إيه ده ومنين جابوا القوة دى، فضلت رايح جاى بالمركبة فى مياه القناة مش حاسس لا بجوع ولا بعطش ولا بتعب، انتهى نصب الكوبرى الساعة ١٢ بالليل، كان أول كوبرى يتنصب على القناة وبدأت الدبابات والمدرعات وناقلات الجنود تعبر على الكوبرى وأفراد سلاح المهندسين واقفين مستعدين لتعويض أى جزء يقصف من الكوبرى، خرجت من المياه الساعة ٧ صباحا يوم ٧ أكتوبر بأمر القائد بتاعى، ما كنتش والله عايز أخرج، نمت ساعتين وصحيت أكمل، مش قادر أصور لك المشهد العظيم للعبور ولا شعورى، شفت بطولات خارقة عملها العساكر والظباط ما كنش هاممنا الموت، بالعكس كنّا بنتمنى الشهادة، وكانت بترن فى دماغى كلمة القائد ليا (كده كده هنموت يا عادل بس يا بخت اللى يموت شهيد)».
مجدى أبوالعينين