أرشيف «صحف الحلفاء» فى معركة «روميل الأخيرة»:«العلمين».. نهاية أسطورة «ثعلب الصحراء»

قوات الحلفاء الاسكتلندية فى معركة العلمين «صحيفة إلستراشن لندن نيوز»

قوات الحلفاء الاسكتلندية فى معركة العلمين «صحيفة إلستراشن لندن نيوز»


تصوير :
المصري اليوم

اتسمت تغطية الصحف الأمريكية والبريطانية فى بداية معركة العلمين الأولى بالارتباك، إذ كانت تنشر أنباء الخسائر فى صفوف «الحلفاء»، لكنها حاولت فى الوقت نفسه إعطاء وميض من الأمل والحلول البديلة للانتصار على «المحور». واحتل خبر تحطيم الأسطول البريطانى لقاعدة عسكرية فى مطروح الصدارة فى الصفحة الأولى من عدد 14 يوليو 1942 فى «واشنطن بوست». وأوضحت أن القاعدة المستخدمة فى الإمدادات لـ«المحور»، على بعد 100 ميل من الجبهة، التهمتها النيران بعد الهجوم بحراً وجواً، بجانب إغراق قاربين محملين بالذخائر.

الصفحة الأولى من صحيفتى «واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز» خلال المعركة

نبرة الصوت المتفائلة، التى اعتمدتها الصحف الأمريكية فى بداية الحرب، تغيرت مع الخسائر الضخمة لـ«الحلفاء» طوال معركة العلمين الأولى. وجاء المانشيت الرئيسى لـ«نيويورك تايمز»، فى 16 أغسطس، بعنوان «وضع بريطانيا فى مصر خطير». وأوضحت ارتباك الجانب البريطانى على الجبهة المصرية، مبرزة خطورة تقدم «روميل» على قواعد «الإمبراطورية» فى مصر، وفرض سيطرته على وادى النيل. وأعزت الصحيفة هزيمة البريطانيين فى مرسى مطروح إلى الخسائر العسكرية الكبرى لـ«الحلفاء» فى مدينة طبرق فى ليبيا، إذ أسر «المحور» 33 ألف شخص من الجيش البريطانى. وأشارت إلى أن القوات الجوية الأمريكية بدأت ضرباتها للمرة الأولى فى الشرق الأوسط ضد «المحور» على مدار 3 أيام متواصلة.

الصفحة الأولى من صحيفتى «واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز» خلال المعركة

ومع ورود أنباء عن تحقيق تقدم ملحوظ من جانب «الحلفاء» فى معركة العلمين الثانية، فى أكتوبر 1942، بدأت الصحف تبنى وجهة نظر متفائلة، مستخدمة مصطلح «الرهانات مرتفعة»، مؤكدة على قدرة «الحلفاء» على الانتصار وطرد «المحور» من الشرق الأوسط.

فى أكتوبر 1942، بدأت الصحافة الأمريكية والبريطانية إبراز مكاسب الحلفاء أمام المحور. وفى 3 أكتوبر أعلنت «ذا تايمز» عن «مكاسب بريطانية جديدة فى مصر» على المحور. وأشارت إلى أن القوات الجوية الملكية البريطانية هاجمت طرق النقل الخاصة بالعدو فى دير المنصب بالمنطقة المركزية للجبهة المصرية للحرب، التى شهدت معارك طاحنة بين الجانبين منذ شهر يوليو. وأوضحت أن بريطانيا صدَّت هجوماً مضاداً من «المحور»، ما عزز مواقع الجيش الثامن البريطانى فى منتصف الجبهة، وألحقته ببيان قيادة القوات البريطانية بالقاهرة عن المكسب الجديد للحلفاء، الذى أبرز دور الدبابات فى المعركة، وفشل هجوم قوات المحور خلف خطوط القوات البريطانية المتمركزة شرق العلمين مع وقوع خسائر كبيرة فى صفوف سلاح جو المحور.

الدور الأمريكى أبرزته «نيويورك تايمز»، فى 15 أكتوبر، فى حديثها عن معركة بين الطيارين الأمريكيين والجنوب أفريقيين ضد المحور، وأوضحت أن الطيارين الأمريكيين نفذوا أول ضربة لهم على جبهة العلمين، وأسقطوا طائرتين ألمانيتين من طراز «يونكرز» و«ماسرشميت»، ودمَّروا شاحنات، وعربات نقل، ومراكب شراعية، ومقطورات محملة بالوقود.

مذكرات «مونتجمرى» فى «واشنطن بوست»

ونشرت «إلستراشن لندن نيوز» صوراً لاستعدادات الجيش الثامن البريطانى قبل انطلاق معركة العلمين، فى عدد 31 أكتوبر 1942، وأشارت إلى أن المارشال النيوزيلندى، أرثر كونينجهام، قائد القوات الجوية فى معركة الصحراء، استقبل المراسلين الصحفيين فى خيمته صباح 23 أكتوبر قائلاً: «الليلة ستبدأ المعركة، تحت ضوء القمر ستبدأ، سنخوض معركة كبيرة، ستكون رائعة. خلال 3 سنوات، حاولنا فتح ثغرات حول العالم، والآن حمداً لله، الانتظار انتهى». وأثنى «كونينجهام» على معنويات رجاله، مؤكداً وحدة القوات «نعمل معاً كرجل واحد».

وأوضحت الصحيفة أن فرقاً من أسكتلندا وأستراليا ونيوزيلندا وجنوب إفريقيا والهند واليونان تشارك بفاعلية فى المعارك الدائرة حول حقول الألغام التى زرعها الجيش الألمانى على طول الجبهة.

وفى العدد نفسه أظهرت المجلة صوراً للفرق الأسكتلندية خلال عزف القِرَب، وأوضحت أن الفرقة تم اختيارها من قبل «مونتجمرى» للقتال فى مقدمة المعركة مع الألمان.

«خلل فى صفوف قوات المحور» كان المانشيت الرئيسى لـ«نيويورك تايمز»، فى 25 أكتوبر، موضحة أن أوامر بريطانيا لقواتها فى مصر هى «تدمير روميل». ونقلت عن التقارير الحربية قولها إن قوات الحلفاء بدأت تتدفق من خلال ثغرة أنشأتها فى الجو فى الوقت الذى تغلق فيه الدبابات الطريق، كما سلطت الضوء على وحدات القوات اليونانية المشتركة فى حرب العلمين التى كان منوطاً بها دور شديد الأهمية، وذلك نقلاً عن رئيس الوزراء اليونانى حينها، بانياتيس كانيلوبولوس. وصاحب التقرير خريطة توضح سير المعارك بغرب البلاد.

بينما أبرزت «واشنطن بوست»، على صفحتها الرئيسية، فى اليوم نفسه، الدور الأمريكى فى المعركة، موضحة أن الولايات المتحدة منحت الحلفاء دفعة قوية فى الحرب بإرسالها أسطولاً أمريكياً وآلاف الطائرات أمريكية الصنع، التى سارت مسافة 6 آلاف كيلو متر متجهة إلى الإسكندرية فى مصر.

انسحاب المحور فى «نيويورك تايمز»

وفى مقال بـ«واشنطن بوست» قال الكاتب بارنيت نوفر، فى 27 أكتوبر، إنه على مدار سنتين من الحرب والكر والفر بين الحلفاء والمحور لم يستطع أى منهما إثبات تفوقه على الآخر، لكن العلمين هى «المعركة الحاسمة» التى يمكن فيها للحلفاء إثبات تفوقهم النوعى والعسكرى، خاصة للحفاظ على قناة السويس والشرق الأوسط، ولإثبات أن أسطورة «روميل» يمكن تحطيمها.

وبعنوان «حرب شمال أفريقيا: الهجوم الذى قد يُغيِّر مجرى الحرب» ذكرت «واشنطن بوست»، فى 28 أكتوبر، أن «الهجوم الذى وقع قبل أسبوع بين قوات الحلفاء والمحور يعتبر من أقوى الحملات الحربية، مثنية على أداء برنارد مونتجمرى فى قيادة الجيش الثامن البريطانى فى مواجهة قوات المحور بقيادة روميل».

وأوضحت أن فرص بريطانيا جيدة جداً، وإذا نجحت فى قهر قوات المحور إلى طرابلس فى ليبيا، ومن ثم طردها من شمال أفريقيا بأكملها، ستسيطر قوات الحلفاء جواً وبحراً على البحر المتوسط.

وذكرت أنه «إذا تقهقر الحلفاء خلف الإسكندرية، التى تبعد 80 ميلاً فقط عن العلمين، سيخسرون موقعهم فى البحر المتوسط، وإذا تقهقروا أكثر سيخسرون مصر بأكملها وقناة السويس، وستسيطر قوات المحور على القطن والوقود، ما سيمكِّنهم من التوجُّه إلى المحيط الهندى والاتحاد مع القوات اليابانية، وستكون هذه النهاية بالنسبة لقوات الحلفاء».

وأوضحت أن طائرات المحور تعانى من نقص إمدادات وقود الطائرات، بسبب الحرب المستمرة طوال الصيف بقيادة الطيارين الأمريكيين على جبهة المحور فى مالطا ومصر والغواصات فى البحر المتوسط.

انضمام 4 قوات من دول الحلفاء لوقف زحف دول المحور فى مصر أعلنته «نيويورك تايمز» فى 30 أكتوبر، وأشارت إلى جهود القوات البريطانية فى إخلاء الألغام من أمام قوات الحلفاء بالاستعانة بسلاح المهندسين والمشاة. كما نشرت خبر اختباء أفراد من وحده للقوات الإيطالية داخل حفرة صغيرة فى الأرض بجانب أماكن تمركز القوات الإيطالية المنسحبة، لكنها أكدت أن تحصينات القوات الألمانية كانت أعمق ومجهزة للدفاع. ولفتت الصحيفة إلى تفوق الحلفاء الجوى، بجانب أعداد الأسرى الألمان والإيطاليين الكبيرة التى تؤكد موقف بريطانيا القوى فى المعركة.

«مونتجمرى» يتابع سير المعركة

وبعنوان «معركة الدبابات فى صحراء ينيرها القمر» نشرت «ذا تايمز»، فى 31 أكتوبر، تقريراً عن معركة دبابات كبيرة بين الحلفاء والمحور، روى مراسل الصحيفة تفاصيلها الدقيقة، من أصوات المدافع ونيران المعركة التى أضاءت الصحراء وانتهت بتقدم القوات البريطانية.

ونقلت «نيويورك تايمز» تغطية الصحف الألمانية للحرب فى 8 نوفمبر، موضحة أن التعزيزات العسكرية الجوية والبحرية التى طلبها «روميل» وصلت إلى مطروح أمس، وعلى الفور اشتبكت فى المعركة. وانتقدت الصحف الألمانية للمرة الأولى فى تاريخها أداء قوات المحور فى المعركة، وقالت إنه بدلاً من الاشتباك مع العدو فى الجبهة استهدفت قوات المحور أماكن إمدادات الجيش البريطانى.

بداية استسلام قوات المحور أمام الحلفاء أبرزتها «نيويورك تايمز»، فى 10 نوفمبر، فى تقرير بعنوان «العدو فى مطروح يستسلم للبريطانيين»، موضحة أن الطريق إلى ليبيا أُغلق بقاذفات الطائرات، والوحدات الإيطالية أُسِرت بأكملها.

كما نشرت خريطة بعنوان «البريطانيون يسعون جاهدين للضربة القاضية فى الصحراء»، أوضحت محاصرة الحلفاء قوات المحور فى الطريق بين السلوم وليبيا. وذكرت أنه بفضل القوات الجوية الملكية البريطانية تم قصف الطريق الوحيد المؤدى إلى ليبيا.

وذكرت أن الرئيس الأمريكى الأسبق، فرانكلين روزفلت، أعلن أن التبرعات الأمريكية للجيش البريطانى فى مصر بلغت 636 مليون دولار خلال سبتمبر فقط، بالإضافة إلى أكثر من ألف طائرة ومئات الدبابات.

«الاستيلاء على مطروح» هكذا أعلنت «ذا تايمز» انتصار الحلفاء، 11 نوفمبر، فى صدارة صفحتها الأولى نقلاً عن مراسلها فى مدينة سيدى برانى. وجاء العنوان الفرعى للمانشيت «سقوط سريع». وأكدت تقدُّم القوات البريطانية 100 ميل على طول الساحل، وأوضحت صعوبة موقف «روميل»، لافتة إلى الانسحاب السريع للقوات الألمانية نحو الغرب.

وفى 12 نوفمبر، نشرت صحيفة «ذا تايمز» إعلان رئيس الوزراء البريطانى، وينستون تشرشل، فى مجلس العموم البريطانى فى العلمين تحت عنوان «انتصار من الدرجة الأولى»، موضحة أنه تم استقباله بالهتاف والتصفيق.

وأثنى «تشرشل» فى الخطاب على أداء القوات البريطانية فى الحرب قائلاً: «أكبر مكسب هو سحب قوة العدو بعيداً عن روسيا». وأكد أنه خلال زيارته لمصر، فى أغسطس، زار جميع الوحدات البريطانية، وتأكَّد من ارتفاع مستوى التدريب والتسليح للقوات البريطانية، مثنياً على القوات الجوية البريطانية.

«نهاية الأسطورة» هكذا احتفت «واشنطن بوست» بانتصار الحلفاء على المحور فى 15 ديسمبر. وأوضحت أن «أسطورة روميل» التى كانت محفورة فى أذهان الألمان والبريطانيين على حد سواء باتت من الماضى، وأن «ثعلب الصحراء» انتهى. وذكرت أن «روميل» حقق بالفعل انتصارات واضحة، لكن الأزمة بدأت عندما انتظر أكثر من شهر فى «العقيلة» للحصول على الإمدادات فى الوقت الذى استطاع فيه «مونتجمرى» تقوية جيشه استعداداً للهجوم.

بعد أقل من شهر على انتهاء معركة العلمين كشفت كل من «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست»، فى 19 ديسمبر 1942، عن مدفع أمريكى حديث الصنع مضاد للدبابات، وُصِفَ بأنه «مفاجأة الحرب الكبرى»، الذى كان السر فى هزيمة «روميل»، وقلب موازين الحرب لصالح الحلفاء. والسلاح الذى قالت الصحيفتان إنها لا تستطيع نشر المزيد عن تفاصيل صنعه اخترعه ضابط أمريكى فى أثناء وجوده فى مهمة بالشرق الأوسط.

وبعد مرور 16 عاماً على الحرب نشرت «واشنطن بوست» عدة حلقات لكتاب مذكرات «مونتجمرى». وفى 10 أكتوبر 1958، نشرت الصحيفة الأمريكية الحلقة السادسة بعنوان «الانتصار على روميل»، التى شرح فيها «مونتجمرى» تعديل خطته فى 6 أكتوبر، أى قبل أسبوعين فقط من المعركة الثانية، ما غيَّر مسار الحرب لصالح الحلفاء.

وأوضح «مونتى» أن خطته الأولى كانت تعتمد على تدمير مدرعات العدو فى البداية، ثم القضاء على باقى الجيش، لكنه أدرك أن قوة الجيش الثامن لن تقوى على فعل المطلوب منها، لذلك عكس الخطة، على أن يصد هجوم القوات المدرعة، ويهاجم بالطائرات القوات غير المدرعة من الجوانب والخلف، ويقطع عنهم الإمدادات، وكان نجاح الخطة يتوقف على قدرة أن يخترق 30 فيلقاً صفوف قوات المحور لإنشاء ممرات، على أن يتم الهجوم بحلول صباح 23 أكتوبر على مدرعات قوات المحور بـ10 فيالق فقط.

Leave a Reply