محافظ البنك المركزى الأسبق: التضخم سيتراجع.. والأموال الساخنة «مقلقة» (حوار)

د. محمود أبو العينين محافظ النبك المركزي الاسبق

د. محمود أبو العينين محافظ النبك المركزي الاسبق


تصوير :
المصري اليوم

قال الدكتور محمود أبوالعيون، محافظ البنك المركزى الأسبق، إنه مقتنع تماما بأن البنك المركزى لا يتدخل حاليا في إدارة سعر الصرف بأى شكل، مؤكدا أن سوق الإنتربنك بالنقد الأجنبى تضم 39 بنكا خاصا وحكوميا، متسائلا: «كيف يمكن إجراء تحالف مع 39 لاعبا».

وأَضاف أبوالعيون، في حوار لـ«المصرى اليوم»، أن تحرير سعر الصرف من أشجع وأجرأ القرارات التي تم اتخاذها منذ عام 1990، وأن وراءه بالتأكيد إرادة وقناعة رئاسية بعدم جدوى المسكنات في علاج أزمات الاقتصاد.

وأشار إلى أن التعويم أغلق باب الارتزاق على حساب أزمة العملة ومنح المستثمرين ثقة كبيرة في الاقتصاد، مؤكداً أن برنامج الإصلاح المصرى طموح، معبرا عن تفاؤله لما سيكون عليه الاقتصاد المصرى في السنوات المقبلة، لأن التوجهات الحالية تعنى لأى اقتصادى محترف أن اقتصادنا يتجه إلى طريق الاستقرار والقضاء على الاختلالات الكلية.. وإلى نص الحوار:

■ ما تقييمك لقرار تعويم الجنيه وآثاره بعد مضى عام عليه؟

– قرار تغيير «أسلوب إدارة سوق الصرف الأجنبى»- وهكذا أحب أن أصفه للدقة- وما ترتب عليه من تفعيل قوى العرض والطلب عند تحديد سعر الجنيه المصرى أمام العملات الأجنبية هو من أشجع وأجرأ القرارات التي تم اتخاذها منذ عام 1990، عندما شرعت الحكومة آنذاك في تنفيذ برنامجها للإصلاح الاقتصادى. وسبق أن قلت إنه جاء متأخراً عن موعده خصوصاً بعدما انخفض احتياطى النقد الأجنبى لدى المركزى إلى مستوى حرج بعد ثورة يناير 2011، وبعد هروب الأموال دون رادع، واستخدام جزء كبير من أموال الاحتياطى في دعم سعر الصرف دون داع ودون علم بجدوى هذا الدعم، وبعد التخوف مؤخراً من عدم القدرة على مواجهة تحدى سداد الالتزامات الخارجية.

■ وإلى من يعود الفضل فيه.. إلى الظروف أم القيادات؟

– للحق يرجع الفضل أساساً في اتخاذ هذا القرار إلى «الإرادة السياسية» وقناعة الرئاسة بعدم جدوى أي حلول وقتية أو مسكنات أخرى، وبأهمية- بل وحتمية- الإصلاح الاقتصادى جذرياً، وهى الإرادة التي لم نر وجودا لها منذ عقود طويلة ظل فيها استخدام المسكنات هو الأسلوب النمطى لنظام إدارة الاقتصاد المصرى، ويجب أيضاً تقدير المجموعة الاقتصادية ومن وراءها من مستشارين، وكذلك رفع يد البنك المركزى عن إدارة سوق النقد الأجنبى وترك إدارتها لبنوك بلغ عددها 39 بنكاً تمارس معاملات النقد الأجنبى بيعاً وشراء بحرية منذ عقود طويلة بدلا من ترك أمر تحديده للشارع وللمقامرين.

■ وما أهم نتائج القرار؟

– تدفق النقد الأجنبى بعشرات المليارات على البنوك، ففى رأيى يعتبر ذلك أهم نتيجة ملموسة، لأن سوق الصرف الأجنبى أصبحت سوقا واحدة ذات سعر واحد لكل عملة.

وللقرار آثار إيجابية أخرى تمثلت في غلق أبواب الارتزاق على حساب أزمات نقص العملة، وفى إعطاء ثقة كبيرة للمستثمر الأجنبى سواء كان من المستثمرين في الأوراق المالية وأدوات الدين أو كان من أصحاب الاستثمار الأجنبى المباشر في جودة إدارة الاقتصاد المصرى. ولعل استقرار السوق في الشهور الخمسة الأخيرة سعرياً هو مؤشر للنضج والواقعية في تفاعل قوى العرض والطلب على النقد الأجنبى، كذلك لقد قوبل القرار بالثناء من كل المنظمات والمؤسسات المالية الإقليمية والدولية ومن مؤسسات التصنيف الائتمانى الكبرى على مستوى العالم، وما كان لمصر أن تجد تلك المساندة القوية من صندوق النقد الدولى أن أبقت على سوق الصرف على حالته المرضية التي شهدناها منذ يناير 2011، وما كان لمصر أن تجد هذا التصنيف الائتمانى الحالى (رغم عدم قناعتى بانخفاض مستواه) بدون هذا التوجه الحميد.

■ ماذا عن أثره على مكونات ميزان المدفوعات والاحتياطى الأجنبى؟

– في ضوء بيانات ميزان المدفوعات في 30 يونيو 2017، فقد انخفض عجز ميزان التجارة من 38.7 مليار دولار أمريكى إلى 35.4 مليار دولار بسبب زيادة الصادرات ونقص الواردات، وبالنسبة للصادرات والواردات الخدمية فزاد الفائض المحقق في ميزان الخدمات من 6.5 مليار دولار إلى 6.8 مليار دولار رغم القيود المفروضة على السياحة الوافدة من روسيا وبريطانيا وغيرها والتحذيرات المتكررة التي تتبناها دول وبعض الإذاعات والتليفزيونات العالمية من الأوضاع الأمنية في مصر.

وبالنسبة لميزان العمليات الجارية ورغم التحسن الضئيل في عجز ميزان الدخل من الاستثمارات، وبسبب زيادة تحويلات المصريين العاملين بالخارج (بحوالى 681.1 مليون دولار) حقق الميزان التجارى انخفاضا كبيرا في مستوى عجزه المزمن بنحو 4.3 مليار دولار بمعدل تحسن بلغ 21.5% خلال عام مالى واحد.

وبالنسبة للميزان المالى والرأسمالى فقد تدفقت أموال أجنبية بلغ صافيها 29 مليار دولار أمريكى خلال السنة المالية 2016/2017 سواء بسبب الاستثمارات الأجنبية المباشرة أو استثمارات الحافظة أو بسبب صافى الاقتراض من الخارج.

وقد انعكس كل ما تقدم في شكل زيادة في صافى الأصول الاحتياطية لدى البنك المركزى في نهاية يونيو الماضى بحوالى 13.7 مليار دولار بالمقارنة بنقص في تلك الأصول بحوالى 2.8 مليار دولار في نهاية السنة المالية 2016/2015.. كل هذا مفرح لكن ما يؤرقنى هو تدفقات استثمارات الحافظة قصيرة الأجل.

■ لماذا يظل سعر الدولار مرتفعاً؟

– سعر صرف الجنيه المصرى في حالة استقرار نسبى في الشهور القليلة الماضية، واعتقاد البعض أنه ما زال مرتفعا مرجعه «ذكريات الماضى» وما كان عليه، ويخطئ من يعتقد أن أسعار الصرف ستنخفض إلى مستواها الذي كان يحدد فيه إداريا بالدعم الذي كان يقدمه البنك المركزى للتثبيت المصطنع للأسعار.

■ وهل صحيح أن هناك إدارة ما لسعر الصرف؟

– هذا غير منطقى، لأنه يشكك فيما كتب عن إدارة سوق الصرف من قبل مفتشى وخبراء صندوق النقد الدولى مؤخراً، فسوق الإنتربنك بالنقد الأجنبى فيه، كما ذكرت 39 بنكا (خاصا وحكوميا).. فهل ترى أن هناك تحالفا بين 39 لاعبا لكل منهم حاجته سواء كان بائعا أم مشتريا للنقد الأجنبى؟ لا أشك في نظام إدارة السوق حالياً، ولو تعلم دور المتعاملين في السوق ومكاتبهم الأمامية والخلفية وتنظيمات العمل في البنوك لصرفت النظر عن الشك الذي ساورك.

■ وهل يمكن أن يتخلى البنك المركزى عنه؟

– سميت القرار الذي سميتموه «التعويم» بقرار «تعديل أسلوب إدارة سوق الصرف الأجنبى» في مصر، لأن البنك المركزى قد تخلى فعلا عن التدخل في إدارة السوق. ولو أن البنك المركزى يتدخل في سوق الصرف «فرضا» هل كانت احتياطياته من النقد الأجنبى قد زادت إلى ما يزيد على 36 مليار دولار أمريكى في أقل من 9 شهور من نوفمبر 2016؟ ونحن «كمحافظين سابقين» كنا نسعى لزيادة الاحتياطى ببضعة مئات الملايين طوال سنوات عملنا، نعم تخلى البنك المركزى المصرى تماما عن التدخل بائعاً أو مشترياً للنقد الأجنبى من السوق.

■ ما تقييمك لبرنامج الإصلاح الحكومى الاقتصادى، وشروط صندوق النقد الدولى للحصول على القرض؟

– برنامج الإصلاح الاقتصادى بوجه عام هو برنامج «متوازن وطموح». متوازن بمحاولته علاج مختلف الفجوات الكلية الداخلية والخارجية وسعيه لاستعادة التوازنات الاقتصادية المفتقدة مع مراعاة الاهتمام بشبكة الأمان الاقتصادى لتوفير أقصى حماية ممكنة للطبقات الفقيرة ومحدودة الدخل. وطموح لأنه ضيق على متخذ القرار فترة إصلاح فساد السياسات الذي استمر أكثر من 30 سنة في 3 سنوات فقط، ولقد سبق أن كتبت أنه لا مفر من الاتفاق مع صندوق النقد الدولى إن أردنا إصلاحاً حقيقياً، وأكدت أنه لا يمكن أن توجد حكومة مصرية تستطيع تحمل عبء ونتائج الإصلاح بمفردها دون مساندة من الصندوق. لذلك أحيى الحكومة الحالية على تبنيها مبدأ الإصلاح، وعلى جرأتها في اتخاذ قراراته، وأتمنى أن تلتزم بكل ما أوردته في خطاب النوايا الذي قدمته لصندوق النقد الدولى دون تردد أو تأخير.

■ ما رأيك في استمرار تحصيل الضرائب والرسوم وعدم البحث عن حلول غير تقليدية أو إيرادات غير ضريبية؟

– برنامج الإصلاح المعتمد ينظر إلى إصلاح «مالية الدولة» كعنصر أساسى من عناصره، فلا يعقل في دولة زاد عدد سكانها بالداخل والخارج على 104 ملايين نسمة أن تستمر في تقديم خدماتها لهؤلاء اعتمادا على الاقتراض والديون المحلية، وجميعنا يشكو من تدنى مستوى وعدم كفاءة وبطء تقديم الخدمات التي يقدمها الكثير من أجهزة الدولة، والكثير من هذه الخدمات يقدم بأقل من تكلفته، فكيف نطلب الأفضل ولا ندفع كمواطنين المقابل، وحتى أكون منصفاً، فإن الاعتماد على الضرائب والرسوم كأساليب تقليدية للإيرادات العامة هو منحى يجب أن تتم إعادة النظر فيه. وكما تعلمنا في علوم المالية العامة فإن دخل الدولة من إدارة ممتلكاتها يشكل عنصرا مهما من عناصر ومكونات الإيرادات العامة للدولة، فبيع أراضى الدولة غير مرغوب فيه، لأنه يحقق الحصيلة لمرة واحدة بينما تأجير أراضى الدولة «بحق الانتفاع» دون «حق الرقابة» أكثر إدرارا للمال للخزانة العامة بشكل مستمر وقابل للزيادة، لذلك أرفض تماما نظام بيع الأراضى المتبع بواسطة هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة ووزارة الإسكان، كما يمكن للدولة أيضا الدخول في المشروعات الخاصة المدرة للربح بحصة تعادل قيمة الأرض بما يضمن لها عائدا سنويا من ربح المشروعات الخاصة، ويمكن للدولة أيضا أن تطرح زيادات رؤوس أموال شركات وبنوك القطاع العام المملوكة لها للاكتتاب العام بما يزيد من درجة عدم اعتمادية هذه الجهات على تمويل الدولة لأنشطتها وهكذا، وقد تم عمل إصلاحات مالية واقتصادية جيدة ومع ما ننتظره من قوانين جديدة لتنظيم العمل الاقتصادى في الدولة ستكون بيئة الضرائب والرسوم ودخل الدولة أفضل من قبل، بعد إعادة النظر في الرسوم الجمركية على السلع الترفيهية أو شبيهة المنتج المحلى الجيد.

■ كيف ترى آثار زيادة أسعار السلع بالأسواق؟

– الحكومة وبعض المواطنين مسؤولون عن ارتفاع الأسعار، وليس لكل الارتفاعات أسباب موضوعية، فبعض الارتفاعات سببها سياسة المحاكاة «الكل زود اشمعنى أنا…»، وبعض الارتفاع سببه الجشع والرغبة في الربح السريع. وفى غياب جمعيات حماية المستهلك، وغياب المنافسة الحقيقية في الكثير من الأسواق المصرية تحل السلوكيات الاحتكارية محل سلوكيات المنافسة.

وهنا يجب أن أذكر برامج الأمان الاقتصادى التي وفرتها الحكومة مثل برنامج تكافل وكرامة، وآليات ضمان وصول الدعم لمستحقيه من خلال ميكنة البطاقات التموينية ونظام البقال التموينى، ومن خلال زيادة قيمة الدعم على البطاقة التموينية وعدم تخصيص الدعم لسلعة معينة، ومثل زيادة المعاشات وغيرها، ورغم كل ذلك لا يمكن لأى دولة أن تجرى إصلاحا اقتصاديا يمتد أثره لزيادة مستويات الأسعار أن توفر حماية بنسبة 100% للمتضررين من الإصلاح.

■ هل كانت هناك حلول أخرى غير التي تم اتخاذها لإصلاح ملف الدعم والعجز بالموازنة العامة للدولة؟

– ما زلت مقتنعا بمدرسة «الدعم النقدى أفضل من الدعم العينى»، وسأظل أنادى الحكومة بأن تطلق للأسواق حرية تحديد الأسعار، وأن تضمن دعم المواطنين المستحقين للدعم فقط، عندما كنا طلابا ندرس بالخارج كنا نرى كيف أن رعاية الطفل الوليد يقدم لها كوبونات تمكن من شراء الألبان وأغذية الأطفال بالمجان أو بتخفيض في السعر الفعلى المعلن من متاجر البيع، إن الدعم (نقدا أو عينا) لا بد أن يكون له هدف خاص إلى جانب هدفه العام، وبعض أشكاله الحالية غير مجدية وتسبب التشوهات في الأسواق، فما الداعى مثلا لدعم التعليم الجامعى رغم ما يخلقه من تشوهات في سوق العمل؟ لماذا لا يوجه الدعم للتعليم الفنى في المرحلتين الإعدادية والثانوية بدلا من دعم جميع الطلاب في كل المراحل؟ وما الداعى لدعم النقل بالسكك الحديدية رغم المديونية المهولة للهيئة وصعوبة إصلاح هيكلها المالى؟ ولماذا لا ندعم النقل النهرى الأرخص؟ كلها مجالات يمكن للدولة النظر فيها لتحسين منظومة الدعم وربطه بهدف خاص.

■ كيف يتحقق الشمول المالى في ظل عدم انتشار البنوك في الأقاليم؟

– تحسين معدلات الشمول المالى في رأيى لا يرتبط فقط بانتشار البنوك، لأنه لابد أن يبدأ بنشر الثقافة المالية بين أفراد المجتمع بما يساعدهم على تقبل فكرة التعامل مع البنوك، فالبعض يدعى أن البنوك ربوية، فيقرر عدم التعامل معها، والبعض الآخر يقول إن البنوك تغالى في عمولاتها، هذا ناهيك عن حب تجنب التعاملات المسجلة رسميا لأسباب التهرب الضريبى، أو للخوف من الحسد.. كل هذا يمكن التغلب عليه تدريجيا بمرور الوقت، بنشر الوعى وزيادة ميكنة المعاملات المالية والبنكية وتقليل الرسوم للمعاملات والإصدارات وتطوير البنية التحتية الإلكترونية لمنع تداول الكاش عند نطاق معين.

■ ماذا عن التضخم وعلاجه؟

– قبل البحث في العلاج لابد من تشخيص سبب التضخم ومصدره، فالذى لا جدال فيه أن ارتفاع معدلات التضخم في مصر في العام الحالى قد بدأ بسبب تصحيح أسعار الوقود ومشتقاته في البداية، وتزايدت أيضاً بسبب انخفاض سعر صرف الجنيه المصرى أمام العملات الأجنبية منذ نوفمبر 2016، وتأثرت بسبب استحداث ضريبة القيمة المضافة بواقع 14% على العديد من السلع والخدمات. كل ذلك تم لتصويب نمط التدخل الحكومى المكروه في الاقتصاديات الحرة في آليات عمل الأسواق وتدخلها المصطنع في تحديد أسعار أدت إلى خلل كبير في سلوكيات الطلب، وزيادة في الاستهلاك غير الضرورى، ناهيك عن الإسراف في استخدام السلع المدعمة بشكل كبير، فإذا كان تصويب الأسعار ومعالجة قضايا الدعم من أسباب ارتفاع معدلات التضخم، فإن سلوكيات أصحاب الأجور الخاصة ومنتجى السلع ومقدمى الخدمات أيضا كانت سببا فيه، فالعامل الحرفى رفع أجره، والأطباء رفعوا أجورهم، والحكومة رفعت رسوم استخدام الطرق السريعة، فالحكومة والمواطنون شركاء في رفع الأسعار، لكن لا يجب أن ننسى أيضا أن كمية النقود المتداولة في المجتمع كانت من مسببات التضخم.. وكل ذلك لا يقلقنى كاقتصادى، طالما استمر البنك المركزى المصرى في التحكم في معدلات نمو المعروض النقدى، وتعقيم أثر الزيادة التي تحققت في الأصول الأجنبية، فمعدلات التضخم ستأخذ في الانخفاض التدريجى شهرا بعد آخر بسبب تلاشى الأثر الأولى تدريجيا. وقد توقع صندوق النقد الدولى في أحدث تقاريره أن يعود معدل التضخم إلى حدود مقبولة خلال عام 2018، وربما يقل إلى حدود تقل عن 10% سنوياً ما لم تكن هناك إجراءات تصويبية لبعض الأسعار المدعمة خلال العام المالى الجارى أو القادم.

ولعل التدرج في رفع أسعار الفائدة منذ قرار 3 نوفمبر 2016 بُنى على جس نبض السوق وعلى أهمية تحليل توجهات التضخم، وبعد أن كان هدف التعديل الأول لسعر الفائدة هو مساندة سوق الصرف الجديد بخلق أوعية ادخارية وصلت الفائدة عليها – وما زالت في البنوك العامة- إلى 20% على الشهادات ذات أجل 18 شهراً. فإن تغييرات سعر الفائدة اللاحقة للتعديل الأول كانت موجهة لاحتواء التضخم وتوقعاته بشكل أو بآخر، لكننا لم نر انعكاساً لتغييرات سعر الفائدة اللاحقة على أسعار الأوعية الادخارية متوسطة الأجل وهى الأحق بأن ترتفع جذبا للسيولة من السوق، وكما أن لارتفاع أسعار الفائدة أثرا إيجابيا للجم التضخم الذي يواجهه الاقتصاد ولتقييد توقعات التضخم المستقبلى، إلا أن له آثاراً جانبية غير مرحب بها بسبب التأثير السلبى على خطط خفض العجز الموازنة العامة للدولة، والتأثير السلبى على قدرة المقترضين السابقين على خدمة ديونهم المستحقة للبنوك، وعلى رغبة المستثمرين الجدد في تمويل استثماراتهم أو عملياتهم بقروض مصرفية جديدة مرتفعة التكلفة.

وأتوقع مع استقرار سوق الصرف وانخفاض معدلات التضخم أن تعيد لجنة السياسات النقدية النظر في أسعار الفائدة الحالية في وقت ليس ببعيد.

■ ما علاج تزايد الدين الخارجى وأعباء خدمته؟

– معدل الادخار للناتج المحلى الإجمالى يقل عن معدل الاستثمار للناتج في مصر، وهذا ليس بالشىء الجديد، ناهيك عن أن تدخل الدولة في تنفيذ الاستثمارات الهائلة في البنى التحتية كمستثمر عام ضرورة قصوى في ظل عدم إقبال القطاع الخاص على الاستثمار في هذا النوع من الاستثمارات، ومع رغبة الدولة في حفز الاستثمار الخاص بإيجاد بيئة وبنية تحتيه قوية قادرة على حمل عبء النمو، ونقص الادخار الوطنى فلا مفر من التداين، ولعلى أُذَكر بأنه حتى يكون الاقتراض الخارجى «ميسرا» لا بد أن تتوافر فيه شروط أهمها سعر فائدة منخفض وفترة سماح طويلة وأجل سداد ممتد.

ووفقا لآخر البيانات المنشورة سنلاحظ أن الدين الخارجى وصل إلى نحو 79 مليار دولار في نهاية يونيو 2017، منه نحو 66.8 مليار دولار (أى حوالى 84.5%) دين متوسط وطويل الأجل، وهو أمر مريح نسبيا لأن آجال السداد ممتدة لسنوات بعضها يصل إلى 30 عاما مقبلة.

والشىء المطمئن حتى الآن أن مؤشرات الدين المتعارف عليها دوليا ليست في مستوى خطر، فالدين الخارجى للناتج المحلى الإجمالى في نهاية يونيو بلغ 33.6% (ووفقا لبيانات البنك الدولى بلغت هذه النسبة 35.5% في الأرجنتين و70.7% في الأردن و67.9% في لبنان و84.8% في موريتانيا و83% في بيلاروسيا بنهاية عام 2016) إذن فإن وضع الدين الخارجى جيد وآمن ولا يلفت نظر المؤسسات الدولية لمعقوليته، كما أن نسبة خدمة الدين للصادرات السلعية والخدمية بلغت 18.8%، وهى نسبة ضئيلة لتوفر الموارد المالية لخدمة الدين من سداد لأقساط أو لفوائد.

■ كيف ترى مستقبل الاقتصاد المصرى عام 2018؟

– أنا متفائل لما سيكون عليه الاقتصاد المصرى في السنوات المقبلة لأن التوجهات الحالية تعنى لأى اقتصادى محترف أن اقتصادنا يتجه إلى طريق الاستقرار والقضاء على الاختلالات الكلية وتحقيق الانضباط المالى في الموازنة العامة للدولة بكل ما له من أثر على بيئة الادخار والاستثمار والتمويل، كما أن السياسة النقدية المحتوية لمعدلات التضخم الحالية بممارسة أكبر لعمليات السوق المفتوحة والتى تمتص الآثار التوسعية في الأصول المقابلة للسيولة المحلية بكفاءة، ستؤدى لاحتواء أهم أسباب التضخم ذى المنشأ النقدى والناتج عن زيادة صافى الأصول المحلية وصافى الأصول الأجنبية، وهو ما يمكن أن يؤدى إلى انخفاض أسعار الفائدة التي رفعت لتدعيم الجنيه المصرى وسعر صرفه، واستقرار سعر الصرف وكفاءة إدارة سوق الإنتربنك من قبل البنوك سيؤدى إلى سيادة الأسعار الحقيقية للسلع المستوردة بما قد يحد من معدلات استيرادها، كما أنه من الممكن أن يشجع على زيادة الصادرات، وأؤكد أن اختفاء العجز الجارى ليس مستحيلا إن عادت السياحة، وإن بدأ انحسار استيراد المواد البترولية والمحروقات واستعادة مصر مكانتها بين الدول المصدرة للبترول والغاز.

■ وأين يكمن الخطر أو التحدى؟

– أحذر من أمر يقلقنى كثيرا ناشئ من تتبع وتحليل مكونات الحساب المالى وما فيه من رصد كبير للأموال الساخنة التي جاءت للاستثمار في أذون، وما تشكله هذه الأموال من ضغوط على قيم الأصول الاحتياطية في حالة خروجها من الخزانة، لأنها قد تضع قيداً على لجنة السياسة النقدية في حالة سعيها لخفض أسعار الفائدة، وهى الميزة التي جذبت هذا النوع من الأموال الساخنة.

Leave a Reply