«إيقاف 11 أميراً وعشرات الوزراء السابقين، و4 وزراء حاليين في السعودية، في إطار تحقيق واسع النطاق لمكافحة الفساد تجريه لجنة مشكلة برئاسة ولى العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان»، خبر أثار جدلًا واسعًا على مستوى العالم وتناقلته وسائل الإعلام الغربية، باعتباره «زلزالًا على المستوى السياسي» خاصة أن القائمة ضمت مليارديرا مشهورا يمتلك حيازات واسعة في الشركات الغربية، في خطوة وصفتها صحف ومواقع غربية عدة بأنها «تعزز سيطرة ولي العهد الشاب، محمد بن سلمان».
في تقرير لها حاولت وكالة «أسوشيتد برس» توضيح ملابسات القرارت المفاجئة داخل المملكة، ونقلت عن موظف رفيع المستوى في الشركة القابضة المملوكة للأمير الوليد بن طلال، الاسم الثاني في القائمة التي ضمت وزراء ورجال أعمال معروفين، واتهمته للجنة مكافحة الفساد بـ«غسيل الأموال»، قوله إن «بن طلال» كان من بين المعتقلين، مساء السبت.
وأضاف الموظف الذي طلب عدم الكشف عن هويته بسبب الخوف من العواقب، إنه تلقى مكالمات من عدة أجهزة أمنية تبلغه أن «بن طلال»، الذي يعتبر أكثر أفراد العائلة المالكة صراحة ودفاعا عن حقوق المرأة، محتجز داخل فندق خمس نجوم، ولم يتضح بعد الوقت الذي سيجري فيه التحقيق مع الأمير «بن طلال» أو غيره.
وقال مسؤول حكومي سعودي له علاقات وثيقة بالأمن لـ«أسوشيتد برس»، رفض الإفصاح عن اسمه، إن 11 أميرًا و38 من وزراء الحكومة السابقين ونواب ورجال أعمال محتجزون في «ريتز كارلتون» أحد فنادق الـ5 نجوم في الرياض، الذي استضاف قبل أيام فقط مؤتمر الاستثمار الرئيسي في المملكة. وتم إيقاف رقم الهاتف الخاص بالفندق عن العمل، صباح الأحد، ولم تستجب المتحدثة باسم الفندق، والمسؤولين بالمقر الأساسي لسلسلة الفنادق في دبي لطلب التعليق الوكالة.
ووقعت عمليات الاعتقال خلال ساعات من إعلان الملك سلمان بن عبدالعزيز تشكيل لجنة جديدة لمكافحة الفساد برئاسة ابنه، ولي العهد، البالغ من العمر 32 عاما. وترى الوكالة أن حجم الاعتقالات لم يسبق له مثيل في المملكة العربية السعودية، حيث ينظر إلى كبار المالكين وشركائهم في الأعمال التجارية منذ فترة طويلة على أنهم فوق المساءلة، وأقوى من القانون.
واشتكى السعوديون منذ فترة طويلة من الفساد المتفشي في الحكومة، والأموال العامة التي تتبدد أو يساء استخدامها من قبل المسؤولين في السلطة.
ووفقا لـ«أسوشيتد برس»، فإن هذه التحركات تأتي بعد أسبوعين من استضافة السعودية لعقد مؤتمر استثماري كبير. ويرى المحللون أن تحقيق الفساد الذي استهدف أفراد من الأسرة المالكة هو عرض للقوة من قبل ولي العهد يهدف إلى تقويض أي منافسين محتملين.
وبصفته قائدا سيبقى في السلطة لعقود من الزمن، يعيد «بن سلمان» تشكيل المملكة في صورة تناسبه، تشير إلى احتمال أن يتحول بعيدا عن التوازن التوافقي للمصالح المتنافسة التي اتسم بها الحكم السعودي في الماضي.
وكالة أنباء «رويترز» ذكرت أنه بجانب «بن طلال»، ضمت القائمة 2 من أبناء عم ولي العهد، هما الأمير تركي بن ناصر، حاكم الرياض السابق، وشقيقه الأمير متعب بن عبدالله، الذي ولد عام 1953، وطرد من منصبه كرئيس للحرس الوطني، إذا كان يعتبر من أقوى المنافسين للعرش.
ووفقا للوكالة، فإن الحرس الوطني السعودي الذي كان يترأسه الأمير «متعب»، تأسس كقوة أمنية داخلية من قوات خاصة على أساس وحدات قبلية تقليدية أدارها والده على مدار 5 عقود.
ولأنه كان الابن الأقرب إلى قلب والده، وكان من المعتقد في فترة من الفترات أنه مرشح لاعتلاء العرش.
وكان الأمير متعب خريج كلية «ساندهيرست» العسكرية هو آخر من كان يحتفظ بمنصب رفيع في هيكل السلطة السعودية من فرع شمّر، الذي ينتمي له والده وذلك بعد إعفاء أخويه «مشعل، وتركي» من منصبيهما كأمراء على محافظات عام 2015.
وتعزز مركز الأمير متعب في عام 2013 عندما أصبح للحرس الوطني وزارة وشغل منصب الوزير.
وشكل «الحرس الوطني» قاعدة قوة للملك عبدالله على مدار عشرات السنين، وأصبح أشبه بجيش مواز يمثل حصنا في وجه أي محاولة انقلاب محتملة وهمزة الوصل الرئيسية بين القبائل ذات النفوذ في البلاد والحكومة.
ويمكن تتبع أصول الحرس الوطني إلى الملك عبدالعزيز آل سعود مؤسس المملكة الذي قاد مجموعة من المحاربين القبليين (الإخوان) فتح بهم معظم شبه الجزيرة العربية في العقود الثلاثة الأولى من القرن العشرين.
وبعد وفاة الملك عبدالعزيز حولت السلطات السعودية مكتب الجهاد والمجاهدين الذي كان يدير شؤون الإخوان وغيرهم من القوات القبلية إلى الحرس الوطني.
ولا يزال الحرس الوطني يختلف إداريا عن الفرعين الآخرين في الهيكل الأمني السعودي المتمثلين في وزارتي الداخلية والدفاع.
ويدير الحرس الوطني في الوقت الحالي أكاديميات عسكرية ومشروعات إسكان ومستشفيات كما أنه مصدر دخل هائل للمتعاقدين العسكريين الأمريكيين الذين يتولون تدريب أفراده العاملين وعددهم نحو 100 ألف فرد والمتطوعين غير النظاميين فيه وعددهم 27 ألفا.
ولشركة «فينيل كوربوريشن» التابعة الآن لشركة «نورثروب جرومان» تعاقدات لتحديث الحرس الوطني منذ ما يقرب من 4 عقود.
وكتب الباحث جوزيف كشيشيان في كتابه Power and Succession in Arab Monarchies (السلطة وتعاقب الحكم في الممالك العربية) أن «متعب محبوب لدى القيادات القبلية والأهم من ذلك لدى المجندين الذين يستفيدون من سخائه في العطاء».
وأضاف «في أقل من 50 عاما غير الحرس حال قطاع من سكان المملكة من عناصر قبلية معدمة إلى مجندين ميسوري الحال مسلحين تسليحا جيدا ومدربين تدريبا عاليا».
ومن المعتقد أن مصالح الأمير متعب الاقتصادية تشمل ملكية فندق «أوتيل دي كريون» الراقي في وسط باريس، الذي ذكرت صحيفة «لو فيجارو» الفرنسية، أنه اشتراه عام 2010 بمبلغ 354 مليون دولار.
ويقول «كشيشيان» في كتابه إن والد الأمير متعب أوعز إليه بصفة خاصة أن ينأى بنفسه عن الإفراط في النشاط التجاري.
وأصدرت حسابات «تويتر السعودية» عدة أسماء أخرى للمعتقلين، أبرزهم الوليد الإبراهيم، رجل أعمال سعودي قوي له علاقات بالأسرة المالكة التي تدير مجموعة الأقمار الصناعية «العربية مبك»، وعمرو الدباغ، الرئيس السابق لهيئة الاستثمار العامة السعودية، وإبراهيم عساف، وزير المالية السابق، وبكر بن الدين، رئيس مجموعة «بن لادن» السعودية، وهي مجموعة أعمال كبرى.