أستاذة اجتماع بجامعة جنوب فلوريدا: الختان والتحرش أسوأ مشاكل المصريات (حوار)

 باربرا ريدل أستاذة علم الاجتماع بجامعة جنوب فلوريدا

باربرا ريدل أستاذة علم الاجتماع بجامعة جنوب فلوريدا


تصوير :
المصري اليوم

قالت الدكتور باربرا ريدل، أستاذ علوم الاجتماع فى جامعة جنوب فلوريدا، إن هناك حركة تغيرات عاصفة تجاه حقوق المرأة فى منطقة الشرق الأوسط.

وأعربت عن أملها، فى حوارها مع «المصرى اليوم»، أن تسهم التغيرات الأخيرة فى المملكة العربية السعودية، سواء بالسماح للمرأة بالانتخاب فى الانتخابات البلدية، أو السماح لهن بقيادة السيارات، لتغيير وجه الحياة فى الشرق الأوسط بالنسبة لحقوق النساء، التى لطالما اُعتبرت منطقة شديدة التحفظ.

وقالت «ريدل» إن مصر تشهد هى الأخرى صراعاً مثل ذلك الذى شهدته أوروبا فى أواخر العصور الوسطى، بين تيار الحداثة الذى يريد تحرير المرأة، وهو ما يسهم فى تطور المجتمع، والتيار المحافظ الذى مازال يريد للمرأة أن تستمر وفق القيود المجتمعية المفروضة المحافظة.

ودعت الفتيات المصريات إلى محاولة تجربة الدراسة أو العمل فى إحدى الدول الأوروبية أو الولايات المتحدة الأمريكية لمدة عام على الأقل، حتى تتغير مفاهيمهن عن شكل الحياة وشكل الحقوق التى يجب أن يحصلن عليها.. وإلى نص الحوار.

* ما موضوع روايتك «فتاة تتظاهر بقراءة ريلك»؟

– هى رواية تستند إلى أحداث حقيقية عن فتاة أمريكية نشأت فى ظروف محافظة بين أسرة تقليدية ومجتمع محلى شبه مغلق، واتسمت بالنبوغ فى سنوات دراستها الأولى، وكانت تميل لقراءة الأعمال الأدبية العميقة، وقراءة أعمال الشاعر والأديب الألمانى ريلك، الذى كان مشهوراً فى أوساط المثقفين الأمريكيين، وكانت دائماً متهمة باعتبارها فتاة أنها تتظاهر بقراءة ريلك ولا تفهم حقاً مدى عمق أعماله، وظل هذا الاتهام يطاردها حتى أصبحت زوجة وأماً وامرأة عاملة، كما حُتم عليها الاختيار أكثر من مرة بين مشوارها العلمى والمهنى ومشوارها العاطفى والأسرى، مثلها فى ذلك مثل أغلب فتيات جيلها اللاتى ولدن فى الستينيات، حيث كانت تسود فى أمريكا أفكار مختلفة بين التيار الحداثى والتيار المحافظ.

وأستطيع أن أجزم أن نماذج كثيرة من بطلة الرواية مازالت تحاصرها الخيارات الصعبة بين مستقبلها المهنى والعلمى ومستقبلها الأسرى والعاطفى فى دول الشرق الأوسط.

* ما رأيك فى أوضاع المرأة بمنطقة الشرق الأوسط؟

– المنطقة تمر بتغيرات عاصفة، ففى أعقاب ثورات الربيع العربى، وانتشار الفوضى، تأثرت أوضاع النساء بشدة، فعانين من غياب الأمن وانعدام الاستقرار، وبالطبع كانت المناطق التى تسيطر عليها داعش، فى العراق وسوريا، بمثابة كابوس ليس للمنطقة بل للبشرية كلها، واستقبلنا فى الولايات المتحدة الأمريكية مئات القصص البشعة التى رصدت معاناة النساء والفتيات خلال اجتياح التنظيم الإرهابى لمناطق مدنية كان يقطنها الآلاف.

وبنظرة أولية أستطيع أن أقول لك إن أوضاع النساء تدهورت بشدة فى كل من العراق وسوريا واليمن وليبيا.

* وماذا عن مصر؟

– فى مصر أيضاً تأثرت أوضاع النساء سلباً فى أعقاب الاحتجاجات العارمة التى اندلعت فى 25 يناير2011، و30 يونيو 2013. ومصر بالتحديد حالة خاصة جداً فى منطقة الشرق الأوسط حول حقوق النساء، فهى تقع فى المنتصف تماماً بين دول الخليج المحافظة ودول المغرب العربى الأكثر انفتاحا، لكن الجديد هذه المرة أن هناك رياح تغيير إيجابية تأتى من الخليج العربى.

ولديكم فى مصر تراث كبير فى المساواة بين حقوق المرأة والرجل، وحتى وقت قريب كانت تعد القاهرة مصدر إشعاع تحررى وحضارى فى المنطقة برمتها، وكانت تتفوق حتى على المغرب العربى فى حرية المرأة، لكنها منذ عدة عقود أصابها تراجعاً كبيراً وتفوقت عليها دول المغرب العربى، مثل تونس والمغرب، فى مدى مساهمة النساء فى العمل العام ومشاركتهن فى الحياة السياسية، ومن الواضح أن مصر تأثرت بشدة بالأفكار المحافظة القادمة لها من دول الخليج العربى، لكن من المؤكد أن مصر تستطيع أن تعود إلى سابق عهدها إذا ما توافرت إرادة سياسية قوية للتصدى لكل معوقات حرية المرأة.

* فى تقديرك ما أهم المشاكل التى تواجه الفتاة المصرية؟

– نسمع هنا فى الولايات المتحدة الأمريكية عن حوادث مرعبة للتحرش الجنسى بالنساء فى شوارع القاهرة، وأغلب التقديرات تشير إلى أن مصر أحد أسوأ الدول فى العالم فى هذا المضمار، وأظن أنها أكبر مشكلة تواجه المصريات، فمن المؤكد أن التحرش يعوق عملهن ومدى مساهمتهن بفاعلية فى كل مناحى الحياة.

ثانى أهم المشاكل هى «تشويه الأعضاء التناسلية» أو ما يعرف بـ«ختان النساء»، وصحيح أن الحكومة، بالتعاون مع المنظمات النسوية، قطعت شوطاً كبيراً فى مجال مواجهة هذه المشكلة التى تؤثر على الصحة النفسية والجنسية للفتيات المصريات، فى المجال القانونى والتشريعى، لكن رصد الظاهرة فى المجتمعات المحلية يشير إلى استمرار المشكلة بنفس الكم الذى كانت عليه فى السابق، وهو ما يحتاج من المنظمات النسوية والحكومة لاستراتيجيات بديلة، ومصر من أسوأ دول العالم فى هذا الشأن.

* بِمَ تنصحين المصريات؟

– أنصح كل فتاة مصرية بمحاولة الحياة عاماً على الأقل للدراسة أو العمل فى إحدى دول غرب أوروبا أو الولايات المتحدة الأمريكية لتغير مفاهيمهن عن الحقوق التى يجب أن يتمتعن بها لممارسة حياتهن بطبيعية.

* وماذا عما يجرى فى السعودية؟

– هى تغيرات كبيرة بلا شك، قد لا ترضى غالبية الناس فى المملكة الذين يميلون للأفكار المحافظة بطبيعة الحال، لكن من المؤكد أنها خطوة على الطريق الصحيح للمستقبل، ودعنى أؤكد لك أن القادة الذين يطرحون رؤى مختلفة لتغيير مجتمعاتهم نحو الأفضل، برغم رفض غالبية المجتمع لمثل تلك التغيرات، هم قادة من المؤكد أنهم شجعان حقاً، ببعض المثابرة والجهد يستطيعون تحقيق ما يصبون إليه من تغيير المجتمع للأفضل.

وهذه التغيرات السعودية لن تؤثر إيجاباً على أوضاع النساء فى الشرق الأوسط ومصر فقط، بل فى كل أنحاء العالم الإسلامى، فالمملكة إحدى أهم الدول الإسلامية فى العالم، وكان البعض يعتبرها معقلاً من معاقل المحافظين، ولذلك فإن أى تغيير إيجابى فى المملكة يصب فى كل أنحاء الدول الإسلامية من إندونيسيا إلى قلب أفريقيا.

* ماذا عن أوضاع المرأة فى الولايات المتحدة الأمريكية؟

– جيدة بالطبع مع مقارنتها بالشرق الأوسط، لكن فى الحقيقة المرأة الأمريكية مازالت تعانى مشاكل عدة، أهمها الحق فى التحكم بالإنجاب، ففى ولايات عديدة تمنع الأم بقوة القانون من ممارسة الإجهاض، الذى هو عملية بغيضة بالفعل، لكن بعض النساء قد لا يكن مستعدات لتربية أطفال أو مواجهة الحياة بطفل بعد، ففى أحيان كثيرة يتخلى الأب عن ممارسة مهامه الأبوية ويترك الأم بمفردها مع الجنين بمجرد اكتشاف الحمل، ويُحكم على الأم التى قد تكون لم تتجاوز عامها العشرين بعد أن تصبح أماً مسؤولة عن طفل وهى مازالت بحاجة إلى رعاية وعناية، والجمهوريون فى هذا الشأن يقفون حائط صد بقوة بأفكارهم المحافظة لإجهاض أى مشروع قانون يتيح للنساء ممارسة حقهن فى الإجهاض، وفى الوقت نفسه لا يريدون تعزيز ميزانيات مساعدة النساء فى وسائل منع الحمل والتحكم فى الإنجاب، وبعد هذا كله يقفون أيضاً بضراوة ضد التوسع فى برامج المساعدات الاجتماعية الحكومية لمثل هؤلاء اللاتى تخلى الأب عنهن ولذلك قد يكون الإجهاض أو مساعدة الفتيات فى التحكم بالإنجاب خيارات إيجابية.

* ماذا عن استمرار التفوق الأوروبى على الولايات المتحدة على صعيد انخراط المرأة بالسياسة؟

– صحيح لم تتقلد أى امرأة رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية حتى الآن، لكن لدينا أرقام عالية عن مشاركة النساء فى الحياة العامة، قد تكون أوروبا افضل حالاً طبعاً لإرثها الكبير فى معركة تحرير المرأة، وأمريكا كانت قريبة للغاية من انتخاب أول رئيسة للولايات المتحدة العام الماضى، بل بالفعل أغلب الناخبين اختاروها فعلاً، لكن لمشاكل فى نظام الانتخاب تم اختيار الرئيس الحالى، دونالد ترامب، لكن دعنى أؤكد لك لم يكن كون هيلارى امراة السبب الرئيسى لخسارتها الانتخابات، وعادة لا نصوت فى الانتخابات الأمريكية تصويتاً نوعياً، وأظن أن تقلد المرأة منصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية قادم لا محالة.

Leave a Reply