صحة عامة | “دخّن عليها تنجلي”.. المقولة المسمومة



لا بد أنك سمعت هذه المقولة الكثير من المرات، سواء كنت من المدخنين الذين ينتظرون “جلاء الهم وزوال الحزن” بالسيجارة، أو ممن يتلقون الدعوات للشروع في هذه العادة غير الصحية. ولكن هذا الوصف الأخير ربما لا يوفي الدخان أضراره، بل يغمطه الكثير من “آثامه”.

واللافت في الأمر أنه رغم الارتفاع المضطرد في أعداد المدخنين في الدول النامية، ومنها دولنا العربية، فهناك تراجع واضح في أعداد المدخنين في العالم الغربي والدول المتقدمة. وهو أمر يرى فيه البعض نوعا من المؤامرة التي تحيكها شركات التبغ التي تلقى التضييق في الدول المتقدمة فتهرع لتسكب سخمها في دولنا وبين شعوبها.

ولكن الأمر لا يحتاج إلى الغوص في نظريات المؤامرة لمعرفة أن التبغ مضر بالصحة، وأنه يتآمر على متعاطيه سواء كان غنيا أو فقيرا، غربيا أو شرقيا. ومن المتوقع أن توجه شركات التبغ جهودها واستثماراتها للأسواق التي ترى فيها تطورا وازدهارا، سواء كان ذلك ناجما عن قلة الوعي أو ضعف التشريعات.

• أسماء متعددة لسمّ واحد:
التبغ هو المادة الذي تصنع منها منتجات التدخين كالسجائر، وهو نبتة جميلة
المظهر، خضراء فاقع لونها، تسر الناظرين، ولا يوحي مظهرها أبدا بما تخبئه
من سموم. ويتم جمع أوراق نبات التبغ وتجفيفه لتصنع منه السجائر و”معسّل”
الشيشة و”الأرغيلة” وغيرها من المنتجات، ويتم تعاطيها عن طريقة التدخين
(الإشعال ثم الاستنشاق)، أو المضغ أو الاستنشاق المباشر “زعوط”.

ويحتوي التبغ على مكونين أساسيين:

• النيكوتين، وهو مادة تسبب التعود والإدمان، وتلعب دورا كبيرا في الإدمان على التدخين، ويفرزها النبات كوسيلة دفاعية لحمايته من الحشرات، ولذلك فهو يدخل في تصنيع بعض المبيدات الحشرية.
• مجموعة من المواد المسببة للسرطان (مسرطنة) يبلغ عددها 19 مادة، ويطلق على معظمها اسم القطران.

عدة وكما أن في الاتحاد قوة فإن في تعاون النيكوتين والقطران أضرارا على الصحة تشمل مستويات :
• الفرد المدخن نفسه:
• نقص في التروية الدموية للساقين.
• مشاكل في الانتصاب لدى الذكور، وذلك بسبب نقص وصول الدم للقضيب.
• مشاكل في الحيوانات المنوية.
• العقم.
• أمراض القلب، مثل مرض الشرايين التاجية والذبحة الصدرية والسكتة القلبية.
• ازدياد احتمال تكوّن الجلطات في القدم والرئة، وارتفاع مخاطر السكتة الدماغية.
• ارتفاع ضغط الدم.
• تراجع قدرة الجروح على الالتئام.
• السرطان، وخاصة سرطانات الفم والحنجرة والرئة والكلى والمريء والمثانة والبنكرياس وعنق الرحم.
• التهاب القصبات الهوائية والأزمة التنفسية.
• التنكس البقعي في العين.
• التهابات اللثة.
• تسوس الأسنان.
•  ظهور التجاعيد في الجلد.
• انخفاض القدرة على التذوق والشم.

 • الحامل المدخنة وجنينها:
• ازدياد احتمال الإجهاض.
• ارتفاع مخاطر الولادة المبكرة.
• انخفاض وزن الطفل عند الولادة.
• زيادة احتمال ولادة الطفل بشق في الشفة (cleft lip).

• الأطفال والرضع الذين يتعرضون للتدخين السلبي:
• الأزمة التنفسية (الربو).
• التهابات الرئة والأذن.
• مشاكل في الرئة ووظائفها.
• متلازمة موت الرضع المفاجئ، وهو وفاة الرضيع بشكل غير مفسر ومن دون سبب طبي معروف.

• الأشخاص المحيطون بالمدخن “التدخين السلبي”:
• أمراض القلب.
• سرطان الرئة.
• تفاعلات مفاجئة وحادة مع التبغ، تشمل المجاري التنفسية السفلية والعين والأنف والحلق.

• القاتل الأول:
ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية فإن التبغ هو أول مسبب منفرد للوفيات التي يمكن منعها في العالم. وتقدر المنظة أن التبغ قتل في القرن العشرين مائة مليون إنسان على وجه الأرض. ويعتقد أنه في القرن الواحد والعشرين قد يقتل مليار إنسان.

وحاليا يقتل التبغ 5.4 ملايين إنسان سنويا، وفي عام 2030 سوف يتطور العدد ليصل 8 ملايين. كما يعتقد أنه في ذلك الوقت ستكون أكثر من 80% من وفيات التبغ في البلدان النامية. وتؤكد منظمة الصحة العالمية على أهمية وضع سياسات للتصدي لهذا الارتفاع المضطرد في معدلات استهلاك التبغ ووفياته.

• حجة مكررة:
وهناك حجة جاهزة لطالما استعملها المدخنون: “جدي كان يدخن ثلاث علب من السجائر وعاش حتى التسعين”. وبغض النظر عن مدى صدقية هذه القصة التي تكاد تكون متكررة بين المدخنين، فإن هذا حتى لو حدث مع شخص فإنه قد يرجع إلى عوامل أخرى سمحت للمدخن بأن يعيش فترة طويلة، مثل صحته وقلة قابليته للإصابة بالمرض، لذلك على الأرجح فإن هذا الجد كان محظوظا للغاية مما جعله يعيش حتى هذا السن لا بسبب الدخان، بل رغماً عنه.

بالمقابل فإن الدراسات الإحصائية قد أثبتت بشكل لا يدع مجالاً للشك الدور الذي يلعبه التبغ في تقصير متوسط عمر الفرد المتوقع، وفي تقليل نوعية حياته نتيجة الأمراض ومضاعفاتها.

ومع أن لون نبات التبغ الأخضر قد يدغدغ عينيك بجماله، إلا أن مظهر رئة المدخن تحول هذا السرور اللحظي إلى صدمة مرعبة. وبعد استنشاق الدخان وإنهاء السيجارة فإن الشيء الذي سينجلي هو الحقيقة شديدة الظلمة كقطران السجائر، والتي تُنبئك بأن الدخان ليس حلاً للهموم، بل هو مرض غير بعيد وهمّ جديد.

Leave a Reply