حمام عمومى لكل 757 ألف مواطن.. «المحافظات مزنوقة»

دوارت المياة العمومية الغير ادامية

دوارت المياة العمومية الغير ادامية


تصوير :
فاضل داوود

.smsBoxContainer-v1{
display: block;
text-align: center;
}
#NewsStory .news_SMSBox {

display: inline-block;
height: 50px;
padding: 0 15px;
text-align: center;
overflow: hidden;
border: 1px solid #c5c5c5;
width: auto !important;
margin: 10px auto 0;
background-color: #efefef;
}

.article .news_SMSBox {
margin-top: 45px;
padding: 0 10px;
overflow: hidden;
}

.news_SMSBox > p {
color: #cb0000;
margin-left: 5px;
max-width: 290px;
min-width: 50px;
font-size: 70% !important;
overflow: hidden;
margin: 0;

height: 50px;
line-height: 50px !important;
display: inline-block;
float:right;
}

.news_SMSBox > iframe {
float: none;
width: 275px;
display: inline-block;
height: 49px;
}

اشترك لتصلك أهم الأخبار

لم يكن أمام سكان شارع الميرغنى بمنطقة مصر الجديدة وسيلة سوى وضع كاميرات مراقبة فى الشوارع، لردع بعض المواطنين الذين يلجأون للتبول بجوار جدران المبانى، بعدما تحولت أرصفة الحى الراقى لمرحاض عمومى، كما تم تغريم مواطن 250 جنيهاً، بمحافظة الشرقية، عقاباً له على تبوله فى الشارع باعتبار تصرفه فعلاً فاضحاً، ولكن الكاميرات والغرامة لم يكن لهما التأثير المطلوب لأن شوارع القاهرة وأرصفتها وميادينها تحولت لمراحيض عامة مفتوحة، وهو ما يتم بدرجة مماثلة فى المحافظات خصوصاً فى المدن الكبرى.

تنص المادة 278 من قانون العقوبات على أنه «كل من فعل علانية فعلاً فاضحًا مخلاً بالحياء يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه، ولا تزيد على خمسة آلاف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين»، إلا أن آلافا من مستخدمى مواقع التواصل الاجتماعى أعربوا عن رفضهم للمادة خصوصاً مع انتشار «قصة مواطن الشرقية» وطالبوا بتوفير دورات مياه عمومية فى الشوارع والميادين، كشرط لتفعيل القانون.

«المصرى اليوم» رصدت فى جولة لها داخل عدد من أحياء وشوارع وميادين القاهرة الكبرى، غياب دورات المياه العامة ما أدى للجوء المواطنين إلى «فك زنقتهم» بالأرصفة وبجوار أسوار المستشفيات والمدارس خصوصاً أن الحمامات العامة الموجودة غير صالح للاستخدام الآدمى رغم قلة عددها، وهو ما أدى لانتشار القبح فى الإهمال فى الشوارع.

طبيعة عمل «رضا» الشاب الذى حضر إلى القاهرة لاقتناص فرصة عمل، تجبره على الوقوف فى الشارع 12 ساعة يومياً، ويحاول فى معظم الأوقات حبس بوله خصوصاً فى الأوقات التى تكون فيها حمامات المسجد المجاور لمكان عمله مغلقة.

رضا يعمل على عربة خشبية متهالكة بميدان لبنان بحى المهندسين، حيث يقوم بشواء الذرة وبيعه للمارة، ربما تقسو عليه حرارة الشمس وقت الظهيرة فى الصيف، والمطر فى الشتاء، لكنه أمر محتمل فى النهاية، أما ما لا يمكن تحمله فهو قضاء حاجته والتى يعتبرها أكثر ما يؤرقه خصوصاً أن الأمر يتطلب البحث عن مكان بعيد عن الأعين خصوصاً لو كان الشخص المار مالكا للمبنى الذى سيتبول بجواره.

أما سيد، 53 عاماً، سائق أتوبيس عام، يعمل بين القاهرة الجديدة وموقف عبدالمنعم رياض، فبمجرد وصوله إلى الموقف يسرع نحو حمام عمومى على أطرافه، لينتظر دوره وسط غيره من المواطنين، يتصبب عرقاً الرجل الخمسينى عرقاً ويقضى حاجته بعد انتظار 10 دقائق.. «أجلس على كرسى قيادة الأتوبيس ساعات، وموعد قضاء الحاجة يأتى فى أى وقت، وبدون ترتيب أو تفكير مسبق، لكن المشكلة الأكبر عدم توافر حمامات عمومية حيث اضطر أحد زملائى لركن الأتوبيس الذى كان يقوده لقضاء حاجته فى الشارع، وهو ما يمكن أن يعرضه لموقف محرج مع الركاب أو للحبس والغرامة».

وفقا لتصريحات المسؤول الإعلامى لمحافظة القاهرة، فإن هناك 44 دورة مياه تعمل من أصل 175 بالمحافظة والتى يسكنها أكثر من 10 ملايين مواطن، بمتوسط دورة مياه واحدة لكل 272 ألف مواطن، ورغم ذلك يعتبر حال العاصمة أفضل لأن مصر كلها تضم 1288 دورة مياه فقط، وذلك وفقاً لبيانات الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، الذى يضع القاهرة الأولى من حيث عدد المراحيض العامة.

وتحتل محافظة بورسعيد المرتبة الثانية بـ137 دورة مياه، والدقهلية الثالثة بـ101، ثم الإسكندرية بـ87، فى حين جاءت محافظة الأقصر فى المرتبة الأخيرة بـ4 دورات مياه فقط.

ولا تسلم أرصفة المستشفيات والمدارس من التبول عليها، فعلى بعد خطوات من البوابة الرئيسية لمستشفى المنيرة بحى السيدة زينب، تلون حائط المستشفى باللون الرمادى، بسبب اعتياد عشرات المواطنين قضاء حاجتهم عليه، رغم محاولات أفراد الأمن الإدارى للمبنى منع المواطنين من هذا السلوك السيئ.

قال أحمد، أحد أفراد الأمن بالمستشفى: «الأمر يمكن قبوله لو مارسه أحد المشردين ولكن المفاجأة أن مواطنين كثيرين يقومون بنفس التصرف، مستغلين عدم وجود كاميرات لمراقبتهم، أو عدم قدرة أفراد الأمن على اكتشافهم لحظة قيامهم بهذا التصرف والحل الوحيد لمنع هذه الظاهرة تركيب كاميرات أمام المستشفيات، لردع المخالفين وفرض الغرامة».

مبادرة سكان شارع الميرغنى بمنطقة مصر الجديدة بوضع كاميرات مراقبة لردع المواطنين عن التبول فى الشارع، ورصد المخالفين علق عليها إبراهيم صابر، رئيس الحى بقوله: إن هناك تنسيقا كاملا بين الحى ومنظمات المجتمع المدنى والجمعيات الأهلية، لرفع مستوى النظافة والوعى بالحفاظ على البيئة داخل شوارع الحى العريق.

يحافظ سكان مصر الجديدة على نظافة الحى الذى يعيشون فيه، وهو مقبول تماماً بالنسبة لمحمد محجوب، الذى لا ينسى اليوم الذى اضطر فيه إلى طرق أبواب الشقق ليطلب من أصحابها السماح لوالدته المسنة المصابة بمرض السكر بقضاء حاجتها فى حمام الشقة، وقال: «من أكثر المشاكل التى يعانى منها مريض السكر اضطراره إلى دخول دورة المياه على فترات متقاربة، وكنت فى زيارة مع والدتى لأحد أقاربنا فى حى السلام، ثم احتاجت لدخول الحمام وتحول الأمر لمشكلة قاسية لأننا لم نجد دورة مياه عمومية، ولم يكن أمامى سوى طرق الأبواب على سكان إحدى العمارات».

يمكن تفهم مشكلة محجوب إذا علمنا أن منظمة الصحة العالمية تقدر عدد مرضى السكر فى مصر بـ7.8 مليون مريض فى إحصائية عام 2015، فى حين أشار الدكتور إبراهيم الإبراشى، أستاذ ورئيس قسم أمراض الباطنة والسكر والغدد الصماء بطب قصر العينى، إلى أن 27 أستاذا قاموا بتجميع البيانات عن مرضى السكر فى مصر، وتوصلوا إلى أن العدد يصل لـ11 مليونا فى تقديرهم.

كما يصل عدد مرضى الفشل الكلوى لـ2.6 مليون، إضافة إلى كبار السن الذين يزيد عددهم على 6 ملايين، وجميعهم يتعرضون لمواقف محرجة للغاية لعدم وجود دورات مياه سواء فى القاهرة أو غيرها من المحافظات.

مشكلة النقص فى أعداد دورات المياه العامة، كانت محل سؤال تقدم به مصطفى الجندىن، عضو مجلس النواب، إلى أبوبكر الجندى، عندما كان الأخير وزيراً للتنمية المحلية، حيث أشار الجندى إلى أن الدورات الموجودة غير نظيفة، مشيراً إلى أن المحافظات أهملت إحدى وظائفها، نظراً لأنها تستطيع إنشاء دورات المياه العمومية من ميزانية الصناديق الخاصة التابعة للمحليات، وفى حال استخدامها مقابل دفع المواطن لقيمة رمزية يمكن صيانة هذه الحمامات وتنظيفها دون تكلفة إضافية على موارد المحافظة.

غياب دورات المياه عن شوارع القاهرة كان السبب الرئيسى فى حصول مصر على «صفر» عندما تقدمت بطلب لاستضافة وتنظيم بطولة كأس العالم لكرة القدم، عام 2004، وهى الفضيحة المعروفة بـ«صفر المونديال» وأعقب ذلك إعلان الدكتور عبدالعظيم وزير، محافظ القاهرة، وقتئذ، عن إطلاق مشروع «الكبائن» التى تعمل وفق نظام إلكترونى ينظف الحمام ذاتياً عقب كل استخدام، مقابل وضع عملة بقيمة 50 قرشاً إلا أن المشروع ظل مجرد تصريحات فقط.

فى محاولة منه لردع المواطنين عن قضاء حاجتهم أمام محله، قام وليد بوضع لافتة ورقية تنهى المارة عن ذلك السلوك السيئ: «شوارعنا تحولت إلى حمامات عمومية وتشوه المنظر الجمالى وباتت هذه الظاهرة تهدد الوضع البيئى والجمالى الصحى والمظهر العام للقاهرة، حيث أصبح المواطن لا يجد طريقة يغض بها بصره وهو يرى رجالاً وشباباً وأطفالاً وكباراً فى السن تجردوا من ثوب الحياء لقضاء حاجاتهم أمام المارة ومنهم سيدات وفتيات».

وحول مخاطر حبس البول عند الإنسان، أوضح الدكتور السيد النحال، استشارى الباطنة، أن الإنسان يشعر برغبته فى التبوّل عندما تصل =كمية البول فى المثانة لحجم معين، وزيادته ووجوده لفتراتٍ طويلة، يجعل من المثانةً بيئةً خصبةً لتكوّن البكتيريا ونموّها، الأمر الذى يؤدّى لإصابتها بالتهابات.

وحذر النحال من مخاطر تكرار حبس البول بشكلٍ إجبارى، لأنه يؤدى لتكون الحصوات فى المثانة والكلى، نتيجة وجود الأملاح الصلبة فى البول، ما يزيد من فرص انسداد الحالب، وبالتالى يزداد الشعور بالألم الشديد عند التبوّل، ما قد يتطلب تناول أدوية، أو تدخلاً جراحياً.

وتابع النحال: «يؤدّى حبس البول فى المثانة إلى زيادة الضغط عليها، وعلى الكلية، وذلك بسبب ارتجاع البول إلى الكلية مرّةً أخرى بعد وصوله المثانة، الأمر الذى يؤدّى إلى احتقان القنوات، والخلايا الكلوية، ما يزيد من احتمالية توقّفها عن العمل بشكلٍ جزئى، حيث تصبح غير قادرة على تصفية الدم من سمومه بسبب تراكم البول فيها، وهذا ما يعرف بالفشل الكلوى المؤقت، علماً بأنّه يزول بمجرد التبوّل وتفريغ المثانة، إلا أنّه مع الاستمرار فى حبسه تزداد فرص تدمير الكلية، وإصابتها بالفشل إضافة إلى تضخم البروستاتا خاصة لكبار السن الذين يحتاجون إلى دخول دورات المياه بشكل مستمر».

وكشفت دراسة أمريكية أن الأحماض الموجودة فى البول والمخلفات العضوية للإنسان تؤثر على أساسات الكبارى والبنية التحتية لها، ما يؤدى إلى تقليل عمرها الافتراضى، وأن تكرار التبول أسفل الكبارى بشكل عشوائى يسبب صدأ وتآكلا للأعمدة الخرسانية.

اتفق الدكتور خالد الدهبى، رئيس مركز بحوث البناء والإسكان، مع الدراسة، مشيراً إلى أن العمر الافتراضى للكبارى يتأثر بالمؤثرات الخارجية والبيئة المحيطة به، وقال: «يلجأ المارة إلى قضاء حاجتهم أسفل الكبارى ورغم أنه سلوك خاطئ إلا أنه ليس هناك بديل أمامهم، وفى جميع الأحوال هذا الشكل غير المتحضر يؤثر على العمر الافتراضى للكبارى خاصة الأسمنتية، أما الكبارى الحديدية فتصاب بالصدأ الأمر الذى يدفع إلى عمل صيانة للكبارى بشكل متكرر ما يكلف الدولة مبالغ باهظة».

وحول تجارب الدول الأخرى فى معالجة مشكلة مصير بول مواطنيها، أوضح محمود القيسونى، مستشار وزير البيئة الأسبق، أنه فى بريطانيا يتم فرض غرامة تصل لـ5 آلاف جنيه إسترلينى على العائلات التى تسمح لكلابها بالتبرز على الأرصفة، مشيراً إلى انتشار تربية الكلاب بين العائلات البريطانية، بجانب مبادرة وزارة الصحة الإنجليزية بوضع لافتات تحذر المواطنين من قضاء حاجتهم فى الأماكن العامة وخارج الأماكن المخصصة لذلك، لأن الفضلات العضوية تتسبب فى نقل الأمراض بسرعة خاصة للأطفال.

وأشار القيسونى إلى أن من أول القوانين الصارمة التى أصدرتها «سنغافورة» عند تأسيسها كانت الحبس لمن يبادر بقضاء حاجته أو البصق أو إلقاء المهملات دون تفرقة بين مسؤول ومواطن، لتصبح من أنضف وأجمل دول العالم بعد أن كان معروفا عن شعبها التبول داخل المصاعد والتبرز فى الحدائق العامة، بجانب قيام مجموعة مهتمة بمواجهة انتشار ظاهرة التبول فى الأماكن العامة بالهند برش من يقوم بهذا التصرف بخراطيم المياه لردعه عن هذا السلوك الخاطئ.

كما أجبرت بعض الدول أصحاب المحال التجارية على السماح للمواطنين بدخول دورات المياه الخاصة بها، دون التقيد بشراء أى منتج ولكن تحت شعار مراعاة الآداب والنظافة العامة.

وأكد القيسونى أن مصر من الدول القليلة التى لا تمتلك دورات مياه عامة فى الشوارع، وأنه طوال 40 عاماً من العمل فى مجال السياحة، كانت الشكوى الرئيسية من جانب السائحين خصوصاً كبار السن، هى غياب المراحيض العمومية عن الشوارع، وهو الأمر الذى حاولت وزارة السياحة تفاديه من خلال توفير دورات مياه فى عربات مخصصة خاصة فى الأماكن التى تشهد إقبالاً من السائحين مثل الأهرامات ووادى الملوك.

وتابع: «لم يعد الاهتمام فى الدول الأوروبية توفير دورات مياه صالحة للاستخدام الآدمى فقط، وإنما تطوير التكنولوجيا الخاصة بها، من خال وضع عملة لفتح الباب إلكترونياً وغلق بعد انتهاء المواطن من قضاء حاجته، وبعدها يتم إطلاق بخار يحتوى على مواد مطهرة لغسل الحمام بالكامل وكأنه لم يتم استخدامه».

وأشار القيسونى إلى أن ردع المواطنين عن التبول فى الشوارع سلوك اجتماعى، إذ إن كثيرا من العائلات تغفل تربية أطفالهم على السلوك الصحيح وتشجعهم على السلوك الخاطئ مثلما يحدث فى الحدائق العامة عندما تسمح لهم بالتبرز أو التبول تحت الأشجار.

وطالب القيسونى بتدريس الآداب العامة للأطفال بدءاً من المرحلة الابتدائية، وهو الأمر الذى أهملته وزارة التربية والتعليم على مدار الـ50 عاماً الماضية، حتى ينشأ جيل واع يحافظ ويراقب ويردع المواطنين لأنه لا توجد قوة فى العالم تستطيع مراقبة شعب كامل، وكذلك يجب توفير دورات مياه فى الشوارع خاصة فى وسط القاهرة والأماكن المزدحمة، بحيث لا تزيد المسافة عن حمام عمومى وآخر أكثر من 500 متر بجانب متابعة التطورات العلمية الخاصة بدورات المياه.

فيما تقدم النائب ماجد طوبيا بمقترح تعديل المادة 278 من قانون العقوبات، بهدف القضاء على الظواهر الخادشة للحياء التى يمارسها البعض فى الشارع، وفى مقدمتها ظاهرة التبول التى أصبحت تشوه الشوارع المصرية، فى الوقت التى تعد فيه فعلا فاضحا يخدش الحياء.

وطالب طوبيا بتوفير مراحيض عمومية متنقلة فى الميادين والشوارع الرئيسية، خاصة أن هناك العديد من المرضى الذين يذهبون للمراحيض فى أوقات متقاربة وفى حال تغليظ العقوبة سيشكل هذا الأمر صعوبة بالغة ويهدد حياتهم، على أن تتولى كل محافظة توفير هذه المراحيض والقائمين عليها لتنظيفها بشكل دورى ويتم تحصيل مقابل رمزى، مع تشديد الرقابة على هذه المراحيض حتى لا تستغل فى أغراض غير المخصصة لها.

وقال عضو البرلمان إن هذا المقترح يهدف أيضا للقضاء على هذه الظاهرة السلبية المنتشرة بكثرة فى الآونة الأخيرة، ويحافظ على صورة مصر الحضارية التى تمتد لأكثر من 6 آلاف عام.

Leave a Reply