من فات قديمه: صراع سياسى وفكرى بسبب تنازل الملك فاروق عن عرش مصر

الملك فاروق - صورة أرشيفية

الملك فاروق – صورة أرشيفية


تصوير :
other

.smsBoxContainer-v1{
display: block;
text-align: center;
}
#NewsStory .news_SMSBox {

display: inline-block;
height: 50px;
padding: 0 15px;
text-align: center;
overflow: hidden;
border: 1px solid #c5c5c5;
width: auto !important;
margin: 10px auto 0;
background-color: #efefef;
}

.article .news_SMSBox {
margin-top: 45px;
padding: 0 10px;
overflow: hidden;
}

.news_SMSBox > p {
color: #cb0000;
margin-left: 5px;
max-width: 290px;
min-width: 50px;
font-size: 70% !important;
overflow: hidden;
margin: 0;

height: 50px;
line-height: 50px !important;
display: inline-block;
float:right;
}

.news_SMSBox > iframe {
float: none;
width: 275px;
display: inline-block;
height: 49px;
}

اشترك لتصلك أهم الأخبار

واحد من أكثر المواقف تراجيدية فى التاريخ القانونى المصرى المعاصر، هو ذلك الذى حدث يوم 30 يوليو 1952، عندما أحال رئيس وزراء مصر على ماهر، إلى مستشار الدولة بقسم الرأى، مذكرة يطلب فيها الرأى القانونى حول مدى جواز دعوة مجلس النواب المنحل إلى الاجتماع فى حالة تنازل الملك عن العرش. قام المجلس المخصوص بمجلس الدولة، والذى كان يرأسه العلامة الأشهر عبدالرازق السنهورى ببحث الطلب لكن المسألة كشفت الصراع الفكرى المهنى والسياسى والدستورى فى آن واحد الذى دار حول هذا المذكرة.

كان ما طلبه رئيس الحكومة ينحصر فى أن الملك فاروق قد ترك إثر تنازله عن العرش مظروفا مختوما بأسماء الأوصياء، ولكى يباشر هؤلاء الأوصياء سلطتهم الدستورية يتعين أن يوافق البرلمان على تعيينهم وأن يؤدوا اليمين أمامه فى حين أن مجلس النواب منحل، ويفصح رئيس الوزراء عما يريده يالضبط، فيقول: إنه تقصير للمدة التى يمارس فيها مجلس الوزراء سلطات الملك فهل يمكن التفكير فى نظام وصاية وقتية على العرش تنتقل إليه هذه السلطات؟

كان بالإمكان فى الظرف الثورى أن يتم الإعلان بكل وضوح عن أن مجلس القيادة قرر تشكيل مجلس وصاية نظرا لظروف البلاد، وكذا لكن القيادة رأت فيما يظهر أن تكسب وقتا، وأن تغطى نفسها بالقضاء، لأن عزل الملك لا يعنى عزل الملكية.

دعا السنهورى باشا قسم الرأى مجتمعا (المجلس المخصوص) لحسم الأمر فى جلسة مستعجلة يوم 31 يوليو 1952.

يقول الرد الموقع من الدكتور السنهورى إلى الحكومة إن الأسباب التى يزول بها حكم الملك تنحصر فى ثلاثة، وقد عرض الدستور للأول وهو الوفاة، ومن ضمن توابعها وبشروط معينة عودة مجلس النواب المنحل لمباشرة عمله.

أما السبب الثانى فهو إصابة الملك بمرض عقلى يتعذر معه أن يمارس سلطته، وفى هذه الحالة يدعى البرلمان القائم إلى الاجتماع وكذا وكذا، أما السبب الثالث فهو عزل الملك، وهو ما لم يتعرض له الدستور، وحسب مذكرة الرد السنهورية فإن الدستور لم يسكت عن ذلك حرجا، وهو الذى تعرض لمرض الملك لكنه لم يشأ أن يعرض لنزول الملك عن العرش، لأن هذا النزول يقع عادة فى أثر ثورة أو انقلاب وليس من الحكمة – فى نظام ملكى – تنظيم الانقلاب أو الثورة.

كان أهم وأخطر ما فى الرد هو أن الدستور نص فى حالتين فقط على عودة مجلس النواب المنحل هما حالة الوفاة أو المرض وأضاف الرد أن تولى مجلس الوزراء نفسه سلطات الملك لا نص عليه فى الدستور، ولكنه تم هنا تطبيقا لحالة الضرورة، حيث تنازل الملك، ولابد من جهة تمارس دوره إلى أن يتم نقل السلطات إلى الأوصياء أو الملك الجديد.

أكد الرد أنه لا يجوز عودة البرلمان المنحل فى غير الحالات التى نص عليها الدستور وهى استثنائية بطبيعتها، وبالتالى لا يمكن ولا يجب خلق استثناء جديد، لأنه يتعارض مع طبائع الأشياء ويخل بقاعدة أساسية هى أن «الساقط لا يعود».

وبعد مناقشات قوية مشفوعة بالاحترام الرفيع للأعضاء بعضهم البعض ارتأى قسم الرأى حسب أوراق مجلس الدولة الموقعة من الدكتور السنهورى فى أول أغسطس 1952 وبأغلبية تسعة ضد واحد أنه لا حل إلا عمل انتخابات جديدة، وأنه لا مانع قانونا من إيجاد نظام وصاية مؤقت ليتولى تلك السلطات إلى أن تنتقل إلى مجلس الوصاية الدائم، وأوضح تشريعيا كيف يمكن عمل ذلك.. لكن من كان هذا العضو المختلف مع عمالقة القانون؟ كان الدكتور وحيد رأفت (سكرتير عام حزب الوفد الجديد وعضو الهيئة القومية لاستعادة طابا الراحل).

لا يمكن فهم ما مضى إلا بنقل بعض الوقائع الأساسية لجلسة النقاش والتى أوردها محضر الجلسة السادسة والأربعين (للسنة السادسة) لقسم الرأى أو القسم المخصوص.

تبارى جهابذة القانون فى بحث الأصول الدستورية والقانونية لكل أمر مطروح لكن المهم أن الدكتور وحيد رأفت- وربما كان أصغرهم سنا- قال إنه لا يمكن أن يقر أو يوافق على إنشاء نظام وصاية مؤقتة، لأنه بمثابة تعديل للدستور، وهذا أمر خطير ورأى وجوب إما دعوة البرلمان المنحل أو إجراء انتخاب برلمان جديد بأقصى سرعة، ثم قال:… «وأخشى أن يترتب على ذلك – أى على مخالفة الدستور – ألا تجرى الحكومة الانتخابات؟. وقد تأخرت لاحقا فعلا.

فى المقابل قال الاستاذ أبوالعينين سالم إنه إذا طبقنا حكم الدستور فإن الحل الذى قال به الدكتور وحيد رأفت، صحيح ولكن الأمر هنا أمر ثورة قامت لتصحح شؤون هذا البلد التى ساءت ويجب فى هذه الحالة النظر إلى الاعتبارات التى قامت بها هذه الثورة وعدم التقيد بنصوص الدستور حرفيا وإلا ما استطعنا أن نصل إلى الأهداف التى قامت عليها هذه الحركة المباركة.

نأتى أخيرا إلى رأى سليمان حافظ – الخصم اللدود لحزب الوفد – والذى قال بنوع من الدهاء إنه فكر فى البداية إنه تجب دعوة مجلس النواب المنحل ولكنه عندما تدبر الرأى وجد أن هذا الحل غير صحيح، لأنه لا نص عليه وأن مجلس النواب يمثل الشعب لكن هذه الصفة تزول بحله وخاصة إذا لوحظ أن حل المجلس ينطوى على اتهامه بإساءة استخدام سلطته، مما يوجب الاستفتاء والرجوع إلى الأمة مصدر السلطات حول: هل يجوز دعوة مجلس تم حله لإساءة استخدام سلطته إلى الانعقاد وهل يجوز أن تتم دعوته أصلا للانعقاد فى غير الحالات الاستثنائية المنصوص عليها صراحة فى الدستور؟ الغريب أنه بعد أقل من عام تم الاعتداء على السنهورى داخل مجلس الدولة!!!

Leave a Reply