أحكام الطهارة: وضوء غسل رفع جنابة حيض تيمم

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد الأمين وبعد ،

وبعد، فإن معرفة أحكام الطهارة من وضوء وغسل وإزالة النجاسة وتطبيقها على الوجه الصحيح من أعظم مهمات أمور الدين، وذلك لأنه يترتب على الإِخلال بها وعدم صحتها عدم صحة الصلاة التي عظم الله تبارك وتعالى أمرها. فهي أي الطهارة مفتاح الصلاة فمن أهمل طهارته أهمل صلاته. انطلاقًا من هذا فإننا نضع بين أيديكم ما يحتاجه المسلم لأداء طهارته على مذهب الإِمام الشافعي رضي الله عنه، راجين من الله أن ينفع به وحسن الختام وجزيل الثواب.

……………………………………………….

أقسام المياه

المياه أقسام : منها ما يصح التطهّر به ومنها ما لا يصح، وهي:

– ماء طاهر مطهِّر: أي طاهر بنفسه مطهِّر لغيره أي يرفع الحدث ويزيل النجس وهو الماء المطلق أي الذي يصحُّ إطلاق اسم الماء عليه بلا قيد كماء السماء، وماء البحر، وماء النهر، وماء العين، وماء الثلج، وماء البَرَد، وأمّا الماءُ المقيّد فهو كماء الورد وماء الزهر فإنه لا يصلح للتطهير.

– وماء طاهر غير مطهِّر : أي طاهر بنفسه غير مطهِّر لغيره أي لا يرفع الحدث ولا يزيل النجس وهو :

الماء المستعمل : وهو الذي استعمل في ما لا بُدّ منه في الوضوء والغُسل أو استعمل في إزالة نجس إذا طهر المحل ولم يتغيّر؛ فإن لم يطهر المحل أو تغيّر بالنجاسة فهو نجس.

فصل في النجاسات. كيفية إزالة النجاسة

الدم نجس، وكذلك القيح، وماء الجرح المتغير، والقىء، والخمر، والبول، والغائط، والمذي وهو ماء أبيض رقيق يخرج عند ثوران الشهوة، والودي وهو ماء أبيض ثخين يخرج عقب البول أو عند حمل شىء ثقيل، والكلب والخنزير، والميتة وعظمها وشعرها سوى ميتة السمك والجراد والآدميّ.

والمنفصل من الحيّ حكمه حكم ميتته، ويستثنى شعر المأكول وصوفه وريشه وريقه وعرقه، وكذلك ريق وعرق الحيوان غير المأكول إلا الكلب والخنزير وما تولد منهما أو من أحدهما. فشعر الهرّة المنفصل عنها نجس، وصوف الضأن المنفصل عنه وهو حي طاهر، وأما إذا انفصلت عنه يده وهو حيّ فهي نجسة.

والحيوان كله طاهر إلا الكلب والخنزير وما تولد منهما أو من أحدهما.

والنجاسة إما حكمية وإما عينية :

أما النجاسة الحكمية فهي التي زالت عينها وأوصافها فيطهر المحل بجري الماء عليه.

وأمّا النجاسة العينية فإن كانت بول طفل عمره أقل من حولين لم يأكل سوى حليب أمه فيطهر المحل برش الماء على المكان الذي أصابته النجاسة حتى يعمّ المحل ويغمره وإن لم يسل لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم : “ يُغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام ” رواه أبو داود. وأمّا البنت فبولها كبول الكبير وإن صغرت. وإن كانت بول ءادمي غير الطفل الذكر فيطهر المحل بإزالة عينها وطعمها ولونها وريحها بالماء المطهر. ويسنُّ التثليث في إزالة النجاسة، وإذا عسر زوال اللون وحده أو الريح وحده عفي عنه.

وإن كانت النجاسة بول أو روث أو ريق كلبٍ أو خنزير فيطهر المحل بغسله سبع مرات إحداهن ممزوجة بتراب طهور أو موضوع عليها التراب الطهور هذا عند إزالة جرمها وذلك بأن يوضع في إحدى الغسلات السبع تراب يكدّر الماء تكديرًا أو يوضع التراب على موضع النجاسة بعد إزالة جرمها ثم يصب الماء فوقه وذلك بعد إزالة عين النجاسة فما لم تزل عين النجاسة لا يعتبر التعدد فالمزيلة للعين غسلة واحدة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “ طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسل سبع مرّات إحداهن بالتراب ” رواه مسلم.

ولا يطهر من نجس العين شىء إلا الخمرة إذا تخللت بنفسها، فإن خللت بطرح شىء فيها كالخبز فلا تطهر، وجلد الميتة إذا دبغ. وأما شعر الميتة فلا يطهر.

فصل في كيفية الاستنجاء

يجب الاستنجاء من كل رطب خارج من السبيلين إلا المني، سواء كان معتادًا كالبول والغائط، أو غير معتاد كالمذي والودي، فلو خرج الغائط يابسًا فلم يلوّث المخرج فلا يجب الاستنجاء منه. وأمّا البول فالتحرز منه أمره مهم وذلك لأن التلوث به أكثر ما يكون سببًا لعذاب القبر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “استنزهوا من البول فإن عامّة عذاب القبر منه” رواه الترمذيّ.

والاستنزاه من البول هو تجنّب التلوث به، والتلوث بالبول من الكبائر.

ويسنّ الاستبراء وهو إخراج بقية البول بعد انقطاعه بحيث لا يخشى نزوله بتنحنح ونحوه.

والاستنجاء يكون بالماء الطَّهور، أي الطاهر المطهِّر، أو بالأحجار إما بثلاثة أحجار وإما بحجر واحد له ثلاثة أطراف، وفي حكم الحجر كل قالع طاهر جامد غير محترم كمنديلٍ من ورق مثلًا، والقالع هو الذي يقلع النجاسة فلا يصلح الزجاج، والمحترم كأوراق العلوم الشرعية والخبز فلا يجوز الاستنجاء به. ولا بدّ أن يمسح ثلاث مسحات فأكثر إلى أن ينقى المحل، فإن لم ينق بثلاث زاد رابعةً فإن أنقى بها زاد خامسةً ندبًا ليكون العدد وترًا.

والأفضل في الاستنجاء أن يستنجي بالأحجار أوَّلا ثم يتبعها بالماء، ويجوز أن يقتصر على الماء أو على الأحجار ولكن الماء أفضل. وما يفعله بعض الناس من أنّهم يضعون الماء في كفّ يدهم ثم يدلكون بها محل خروج النجاسة فهذا قبيح لا يصلح للاستنجاء.

ومن أراد الاستنجاء من الغائط بالماء يسكب الماء مع وضع اليد على مخرج الغائط ويدلك حتى يذهب الخارج عينه وأثره.

ويحرم استقبال القبلة واستدبارها ببول أو بغائط إلا إذا كان أمامه شىء مرتفع ثلثي ذراع فأكثر ولا يبعد عنه أكثر من ثلاثة أذرع، وهذا في البرِّية، أما في المكان المعدّ لقضاء الحاجة فليس حرامًا استقبال القبلة واستدبارها عند البول والغائط.

ويكره البول والغائط تحت الشجرة المثمرة ولو في غير وقت الثمر لئلا تقع الثمار على النجاسة فتتنجس فتعافها الأنفس، أمّا إن كانت لغيره فحرام إلا بإذن صاحبها.

ويكره البول في الطريق والظل لأنه يسبب اللعنة لفاعله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “اتّقوا اللعانَين”، قالوا : وما اللعانان يا رسول الله، قال: “الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم” رواه مسلم. ومواضع الشمس في الشتاء كمواضع الظل في الصيف.

ويتجنب البول والغائط في الثقب وهو الشق المستدير النازل في الأرض إن كان صغيرًا أو كبيرًا لأنه قد يكون مأوى الهوامّ أو مأوى الجن.

ولا يتكلم عند خروج البول والغائط فإنّ ذلك مكروه.

ويحرم البول في المسجد ولو في إناء.

ولا يدخل معه إلى بيت الخلاء ما كتب فيه ذكر الله أو ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ويسنّ للداخل أن يستعيذ بالله فيقول: “بسم الله اللهمّ إني أعوذ بك من الخُبُث والخبائث”، أي من ذكور الشياطين وإناثهم.

ويُسنّ أن يدخل برجله اليُسرى ويخرج برجله اليمنى بعكس المسجد، ويقول بعد خروجه: “غفرانك، الحمدُ لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني”.

فصل في كيفية الوضوء

ليعلم أن للوضوء أركانًا وسننًا سنذكرها ثم نذكر كيفيّة الوضوء جامعين بين الأركان والسنن إن شاء الله تعالى. أمّا أركان الوضوء فستّة :

– الأول : النية وتكون بالقلب عند غسل الوجه فينوي رفع الحدث الأصغر، أو التطهر للصلاة أو نحو ذلك، ولا تكفي النية قبل غسل الوجه إذا لم ينوِ عنده، ويكفي عند الإمام مالك أن تتقدّم على غسل الوجه بقليل، على أن مسح الرأس كله ركن على قولٍ عنده وكذلك الدَّلك والموالاة.

– الثاني : غسل الوجه جميعه بشرًا وشعرًا، وحد الوجه ما بين شعر الرأس عادة وعظم الذقن طولا وما بين الأذنين عرضًا. فيدخل فيه جميع الشعر الذي في حدّ الوجه ومن ذلك الغمم العذار والهدب والحاجب والشارب إلا باطن لحية الرجل الكثّة.

– الثالث : غسل اليدين من رءوس الأصابع إلى المرفقين، ويجب إدخال المرفقين في الغسل.

– الرابع : مسح بعض الرأس بشرًا أو شعرًا بشرط أن يكون البعض الممسوح من الشعر لا يخرج إذا مدّ إلى جهة نزوله عن حدّ الرأس.

– الخامس : غسل الرجلين إلى الكعبين، ويجب غسل الكعبين.

– السادس : ترتيب الأركان على ما ذكرنا.

وأمّا سننه فهي كثيرة منها :

التسمية، وغسل الكفين قبل إدخالهما الإناء، والاستياك، والمضمضة، والاستنشاق، والاستنثار، والغُرَّةُ، والتحجيل، ومسح جميع الرأس، ومسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما، وتخليل أصابع اليدين والرجلين، وتخليل اللحية الكثّة، وتقديم اليمنى على اليسرى، والطهارة ثلاثًا ثلاثًا، والدلك، والموالاة، وتقليل الماء، فقد كان النبيّ صلى الله عليه وسلم كثيرًا ما يتوضأ بمد ويغتسل بصاع من الماء، والصاع أربعة أمداد، والمدّ ملء الكفين المعتدلتين.

ويستحب استدامة النيّة من أول الوضوء إلى ءاخره والأحسن في المضمضة والاستنشاق أن يجمع بينهما بثلاث غرفات ويبالغ فيهما إلا أن يكون صائمًا، وفي مسح الرأس أن يضع إبهاميه على صدغيه ويلصق سبابتيه ببعضهما عند مقدم الرأس ثم يذهب بهما إلى قفاه ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه ويفعل ذلك ثلاثًا، وفي مسح الأذنين أن يمسح ظاهرهما وباطنهما بماء جديد ثلاثًا فيضع سبابتيه في صماخيه ثم يديرهما على المعاطف ثم يمسح بإبهاميه ظاهرهما ويلصق يديه مبلولتين بهما، ويقول إذا فرغ من الوضوء : “أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين، سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك

ومعنى الغرَّة أن يزيد في غسل الوجه على القدر الواجب من جميع جوانبه، ومعنى التحجيل أن يزيد في غسل اليدين إلى المنكبين وفي الرجلين إلى الركبتين، ومعنى الموالاة أن يغسل العضو قبل أن يجف العضو الذي قبله.

فمن توضأ مقتصرًا على الأركان ولم يأت بالسنن صح وضوؤه، لكن يكون فوّت على نفسه خيرًا.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “من توضأ كما أُمِر وصلَّى كما أُمِر غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه“” رواه ابن حبان.

فصل في نواقض الوضوء

وينقض الوضوء :

– ما خرج من السبيلين : أي القُبُل أو الدُّبر، سواء كان معتادًا كالبول والغائط والريح، أو غير معتاد كالحصى والدود والمذي والودي، إلا المني فإنه لا ينتقض الوضوء بخروجه دون مباشرة امرأة لكن يوجب الغسل.

– ولمس الرجل الأنثى الأجنبية التي تشتهى بلا حائل : فإذا لمس رجل أنثى أجنبية تشتهى بالنسبة لأهل الطباع السليمة انتقض وضوؤه. والأجنبية هي غير المحرم، والمحرم من حرم نكاحها على التأبيد إما بنسب كالأم أو الأخت، أو بالمصاهرة كأم الزوجة، أو بالرّضاع كالأخت من الرضاع. ومس الأجنبية سوى الزوجة حرام. ولا فرق في المرأة بين الشابة والعجوز التي لا تشتهى، أمّا الصغيرة التي لا تشتهى بالنسبة لأهل الطباع السليمة فلا ينقض لمسها الوضوء. والناقض لمس بشرة الأجنبية فلا ينقض لمس السنّ أو الظفر أو الشعر وإن كان ذلك حرامًا، وكذلك لا ينقض الوضوء لمسها بحائل.

– ومسّ قُبُل الآدمي أو حلقة دُبُره ببطن الكفّ بلا حائل : سواء كان من كبير أو صغير ذكرًا كان أو غيره، من نفسه أو غيره، قال صلى الله عليه وسلم: “من مسّ ذكره فليتوضأ” رواه الترمذي والبيهقي. ولا ينقض مس الأَلية، ولا مسّ دبر أو قبل غير الآدمي. والناقض هو اللمس بباطن الكف بلا حائل فلا ينقض اللمس بظاهر الكف أو بحائل، وباطن الكف هو ما يلتقي عند وضع إحدى الكفين على الأخرى مع شىء من التحامل ومع التفريق بين الأصابع.

فائدة : لا ينقض الوضوء خروج ريح من القبل. ويحرم بانتقاض الوضوء الصلاة والطواف بالكعبة ومس المصحف وحمله.

فصل في كيفية الغسل ورفع الجنابة

الغُسل شرعًا سيلان الماء على جميع البدن بنية مخصوصة. والذي يوجبه خمسة أشياء : وهذه الأشياء إنما توجب الغسل مع إرادة القيام إلى الصلاة ونحوها، أمّا مجرد حصول أحدها فلا يوجب الغسل على الفورية، فلو أجنب الشخص بعد طلوع الشمس فلا يجب عليه أن يغتسل فورًا بل له قبل أن يغتسل أن يذهب لقضاء حاجاته ثم يرجع وقد بقي من الوقت ما يسع الطهارة والصلاة فيغتسل ويصلي الفرض، فقد روى البخاري في صحيحه عن أبي سلمة أنه قال : سألتُ عائشة أكان النبيّ صلى الله عليه وسلم يرقد (أي ينام) وهو جنب؟ قالت: “نعم ويتوضأ”. وأمّا ما شاع عند بعض العوام من أن الجنب إذا خرج قبل أن يغتسل تلعنه كل شعرة من جسمه فهو كذب وهو خلاف الدين. وروى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة أنّه قال : لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جنب فأخذ بيدي فمشيت معه حتى قعد فانسللت فأتيت الرَّحْلَ (أي المأوى الذي يأوي إليه أبو هريرة) فاغتسلت ثم جئت (أي رجع إلى الرسول) وهو قاعد فقال: “أين كنت يا أبا هرّ” فقلت له (أي أنه كان جنبًا فتركه لذلك) فقال : “سبحان الله يا أبا هر إنّ المؤمنَ لا ينجس“، فتبين من ذلك فساد كلامهم.

– الأول : خروج المني وله علامات يعرف بها، منها : اللذة بخروجه. وريح العجين إن كان رطبًا. وريح بياض البيض إن كان جافًّا. والتدفّق أي خروجه بدفعات شيئًا فشيئًا بقوة.

– والثاني : الجماع ولو لم ينزل المني، وهو إيلاج الحشفة أو قدرها من فاقدها في فرج.

– والثالث : الحيض وهو دم يخرج من فرج المرأة على سبيل الصحّة من غير سبب الولادة.

– والرابع : النفاس وهو الدم الخارج بعد فراغ رحم المرأة من الحمل.

– والخامس : الولادة لأن الولد أصله مني منعقد.

وفرائض الغسل اثنان :

– الأول: النية، وذلك لأنّ النيّة تُميّز العادات من العبادات، ومحلّها القلب، وتكون عند إصابة الماء لأول جزء مغسول من البدن، فينوي المغتسل رفع الحدث الأكبر أو ينوي فرض الغسل أو ينوي الغسل الواجب أو ما يقوم مقام ذلك كاستباحة الصلاة أو الطواف، فلو نوى بعد غسل جزء من جسمه وجب إعادة غسل ذلك الجزء.

تنبيه : لا يجوز لمن تيقن أنه ليس محدثًا حدثًا أكبر أن يغتسل بنية رفع الحدث الأكبر.

– والثاني : تعميم جميع البدن أي ظاهره بشرًا وشعرًا بالماء المطهِّر.

ومن سننه :

– التسمية : وهي قول بسم الله ومحلها أول الغسل ويكره تركها.

– والوضوء الكامل قبل الغسل، ولو ترك لم يُكره.

– والدلك : أي إمرار اليد على الجسد.

– والموالاة : وهي أن يغسل العضو قبل جفاف الذي قبله.

– وتقديم اليمنى على اليسرى : فيغسل رأسه بعد أن يخلّل شعره ثلاثًا بيده المبلولة، ثم يغسل شقّه الأيمن ما أقبل منه ثم ما أدبر، ثم يغسل شقه الأيسر ما أقبل منه ثم ما أدبر، ويسنّ أن يكون كل ذلك ثلاثًا.

– ويسن التقليل من الماء ويكره الإسراف، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل بصاع وهو أربعة أمداد، واغتسل بخمسة مكاكيك، والمكوك ستة أمداد، فعن أنس رضي الله عنه أنّه صلى الله عليه وسلم توضأ بمكوك واغتسل بخمسة مكاكيك، رواه مسلم.

– قال بعض الفقهاء: من اغتسل عاريًا سنّ له أن يقول عند نزع ثيابه: “بسم الله الذي لا إله إلا هو”، لأنه ستْر عن أعين الجنّ.

  فصل في كيفية التيمّم

التيمم شرعًا إيصال التراب إلى الوجه واليدين بنية مخصوصة وبشرائط مخصوصة، وهو خاص بأمّة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ولم يشرع لغيرها، قال تعالى: {فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا [43]} [سورة النساء]. والتيمم يكون في حال مباحًا أي جائزًا لا واجبًا، وفي حال واجبًا. فيكون مباحًا إذا فقد الماء ولم يجده إلا وهو يُباع بأكثر من ثمن المثل فله أن يشتريه وله أن لا يشتريه ويتيمم. وأمّا الحال التي يكون فيها التيمم واجبًا فهي كأن يكون الماء يضره أو يفقد الماء. والضرر الذي يبيح التيمم هو أن يخاف على نفسه من استعمال الماء أو على عضوٍ من أعضائه التلف أو الضرر أو مرضه. وفقد الماء إما أن يكون فقدًا معنويًّا أو حسيًّا. أمّا الفقد المعنوي فهو كأن يحول بينه وبين الماء الذي هو بالقرب منه سبع أو عدو، أو أن يحتاج إلى الماء لشربه ولا يجد غيره فيصح له التيمم مع وجود الماء. وأمّا الفقد الحسي فهو أن لا يجد الماء في القدر الذي يجب الطلب فيه من المساحة، وذلك كأن يكون الماء في مسافة تبعد عن المكان الذي هو فيه فوق حد القرب، وحد القرب قُدّر بنحو نصف فرسخ وهو مسافة 1400م تقريبًا، فلا يجب عليه طلبه؛ ثم إن تيقن عدم وجود الماء تيمم بدون طلب لأن الطلب والحالة هذه عبث، أما إن كان لم يتيقن عدم وجود الماء بل جوّز وجود الماء فيسأل في رحله ورُفقته إن كان مسافرًا كأن يقول: “من معه ماء يجود به ولو بالثمن”، فإن لم يجد ينظر حوله يمينًا وشمالا وأمامه وخلفه إن كان بأرض مستوية وإلا تردد إلى حدّ يلحقه فيه غوث رفقته لو استغاث بهم، فإذا لم يجد تيمم، وقدرت مسافة حدّ الغوث بثلاثمائة ذراع شرعي.

ومن شروط التيمم :

• أن يكون بعد دخول وقت الصلاة.

• وأن يكون بتراب خالص طهور له غبار. فلا يصح التيمم بتراب نجس كالتراب الذي أصابه بول، ولا بالمستعمل وهو التراب الذي انفصَل عن عضو التيمم بعد استعماله للتيمم.

• وأن يكون له غبار، وهذا الحكم عند الشافعي، أمّا عند الإمام مالك وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل فيصح التيمم بالحجر أيضًا لأن الصعيد عندهم في قوله تعالى: { فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا [43] } [سورة النساء]: هو وجه الأرض.

وفرائض التيمم :

– النقل : أي نقل التراب إلى العضو الممسوح.

– والنية : كنية استباحة فرض الصلاة أو استباحة الطواف أو مس المصحف، ويجب أن تكون النية مقترنة بنقلِ التراب إلى العضو الممسوح وأن تُستَدَامَ إلى أن يمسح جزءًا من الوجه.

– ومسح الوجه : ولو كانت له لحية يمسح ظاهرها.

– ومسح اليدين مع المرفقين : أمّا في مذهب مالك فيكفي مسح الكفّين على قول وهو مشهور المذهب الراجح.

– والترتيب : فلو قدّم مسح اليدين على الوجه لم يصح تيممه.

ومن سنن التيمم :

• التسمية.

• وتفريج الأصابع أول كل ضربة لأنه أبلغ في إثارة الغبار فلا يحتاج إلى الزيادة على الضربتين.

• وتقديم اليمنى على اليسرى.

• والموالاة بين المسحتين بتقدير المسح غسلًا.

• والموالاة بين التيمم والصلاة وهو واجب في تيمم دائم الحدث كما في وضوئه. ويسن نزع الخاتم للضربة الأولى وهو واجب للثانية كي يصل التراب إلى محله.

والذي يبطل التيمم :

• ما أبطل الوضوء.

• ورؤية الماء في غير وقت الصلاة : أما لو رأى الماء وهو في الصلاة فإن كان تيمم لفقد الماء في مكان يكثر فيه وجود الماء بطل تيممه، وإلا فلا، ولكن الأحسن في الحال الأخيرة أن يتوضأ الشخص ويصلي بالوضوء.

• والردّة : وهي مبطلة للتيمم لا الوضوء.

ومن تيمم لفقد الماء في مكان يندر فيه فقد الماء فعليه إعادة كل صلاة صلاها بهذا التيمم فإن كان في مكان يكثر فيه فقد الماء فلا تجب عليه الإعادة.

ويتيمم لكل فرض فلا يصلي بالتيمم الواحد أكثر من فريضة، لكنه يصلي به ما شاء من النوافل، فقد صح عن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه أنّه قال: “يتيمم لكل صلاة وإن لم يحدث”، رواه البيهقي.

ومن فقد الماء والتراب صلّى الفرض احترامًا للوقت ثم يعيد، وقيل يترك الصلاة إلى أن يجد أحد الطهورين.

حكم من وضع جبيرة

الجبيرة هي ما يجبر به محلُّ الكسر، لكنّ الفقهاء يريدون ما هو أعمُّ من ذلك، فيشمل كل ساترٍ يوضع للحاجة على محل العلة.

ويشترط في الجبيرة أن لا تأخذ من الصحيح إلا ما لا بُدّ منه للاستمساك. فمن وضع جبيرة وكان يضره رفعها وغسل ما تحتها إما بزيادة المرض أو بتأخّر الشفاء أو نحو ذلك يمسح عليها بالماء ويتيمم، وهذا التيمم بدل عن غسل العليل والمسح بدل عن الصحيح الذي منعت الجبيرة وصول الماء إليه، فلو كانت الجبيرة بقدر العلة أو كانت زائدة عن العلّة لكن غسل ما تحت الزائد فلا يجب المسح بالماء. ثم إن كانت الجبيرة وضعت في غير أعضاء التيمم كالرّجْل فينظر إن كان وضعها على طهر فلا تجب عليه الإِعادة، وإن كان وضعها على غير طهر فعليه الإِعادة، أمّا إن كانت الجبيرة وضعت على عضو من أعضاء التيمم كاليد فعليه إعادة تلك الصلاة مطلقًا. وصاحب الجنابة مخيَّر بين أن يقدم الغُسل على التيمم وبين أن يقدم التيمم على الغسل لأنه لا يجب ترتيب غسل أعضاء الجسد في الغسل والأفضل تقديم التيمم. وأمّا المحدث حدثًا أصغر فليس له أن يتيمَّم إلا عند صحّة غسل العضو العليل، فلو كانت العلّة في رِجلِه فلا يتيمّم إلا بعد أن يغسل وجهه ويديه ويمسح رأسه ثم يتيمم ويغسل رجليه، أو يغسل رجليه ثم يتيمم.

وعند الإمام مالك لا يحتاج إلى تيمم من كان أكثر بدنه صحيحًا بل يكفيه غسل الصحيح والمسح على الجبيرة ولا يعيد.

فائدة : لا تجب الإعادة على من تيمم لفقد الماء بمحل لا يغلب فيه وجوده، أو تيمم بسبب الحاجة إليه لشربه، أو لأنه كان لا يجده إلا بثمن وقد عجز عنه، أو لا يباع إلا بأكثر من ثمن المِثل، أو حال بينه وبين الماء عدو، أو خاف من استعماله تلفًا أو بطء بُرء أو زيادة مرض أو حصول شَيْن فاحش بعضو ظاهر.

فصل في أحكام الحيض

يخرج من فرج المرأة ثلاثة دماء : دم الحيض ودم النفاس ودم الاستحاضة.

فأما الحيض : فهو الدم الخارج من فرج المرأة على سبيل الصحّة من غير سبب الولادة، وله أقل وأكثر. فأقلّه قدر أربع وعشرين ساعة على الاتصال أو على التقطع ضمن خمسة عشر يومًا. وأكثره خمسة عشر يومًا. وغالبه ست أو سبع.

ومن مسائل الحيض:

• أن المرأة متى ما رأت الدم تتجنّب ما تتجنبه الحائض من صوم وصلاة ووطء وغير ذلك ولا تنتظر بلوغه يومًا وليلة، ثم إن نقص عن يوم وليلة قضت ما كانت قد تركته من صوم وصلاة، ولا يلزمها غُسل لأن هذا الدم لا يعتبر حيضًا لأنه لم يبلغ أقل الحيض.

• ومنها أنه متى ما انقطع الدم بعد بلوغه أربعًا وعشرين ساعة تغتسل وتصلي وتصوم ويحل وطؤها، فإن عاد في زمن الحيض يتبيّن وقوع عبادتها في زمن الحيض، كأن رأت دمًا لخمسة أيّام على الاتصال وانقطع فاغتسلت وصلَّت وصامت ثم رأته بعد أربعة أيّام مثلًا ولم يستمر إلى أكثر من خمسة عشر يومًا من ابتداء الدم الأول، فتؤمر بقضاء الصوم فقط ولا إثم في الوطء الذي حصل أثناء انقطاع الدم لبناء الأمر على الظاهر.

• ومنها أن الانقطاع يُعرف بأن تكون بحيث لو أدخلت القطنة فرجها لخرجت بيضاء.

فائدة : إذا رأت المرأة الدم لأقل من خمسة عشر يومًا وزاد على عادتها كانت هذه المدة كلها حيضًا، ولو استمر وزاد على خمسة عشر يومًا فإن كانت معتادة تعتبر ما زاد على عادتها استحاضة، هذا على قول في المذهب الشافعي، وأما على القول المرجَّح في المذهب فالمرأة التي سبق لها حيض وطهر فإنها إن رأت الدم واستمر إلى ما بعد خمسة عشر يومًا وكانت ترى الدم مختلف الصفة بأن كانت ترى بعض الوقت دمًا قويًّا وبعض الوقت ضعيفًا فحيضها القوي والضعيف استحاضة لا تنظر إلى عادتها، لو كانت عادتها أنها كانت ترى في شهر أو شهرين خمسة أيام الدم أسود وما بعده أحمر فتمضي على هذا، وإن اختلف الأمر فصارت ترى عشرة أيام سوادًا ثم العشرين الأخيرين ضعيفًا أحمر مثلًا فتأخذ بالتمييز أي تعتبر القوي – وهو الأسود – حيضًا وما بعده استحاضة، ولا تنظر إلى عادتها هذا هو القول الأقوى في المذهب.

وأمّا النفاس فهو الدم الخارج من فرج المرأة عقب الولادة. وأقلّه لحظة. وأكثره ستون يومًا. وغالبه أربعون، فإذا جاوز الدم الستين يومًا كانت مستحاضة. أنظر: أحكام الحيض والاستحاضة

ويحرم بالحيض والنفاس : الصلاة، والصوم، والطواف، ومسّ المصحف، وحمله، والمكث في المسجد، والوطء، وقراءة القرءان.

فائدة : لا يجب على المرأة قضاء ما تتركه من الصلوات أثناء الحيض والنفاس، وعليها أن تقضي ما فاتها من الصيام.

Leave a Reply