الشيخ عمر حسنين.. الطفل الشاهد على «سطوة الإيطاليين» على ممتلكات الواحة

#الواحات #الزمالك_سموحه #سموحه حمدي زكي ابو جبل

الشيخ عمر يداعب ذاكرته بما تبقى من صور

الشيخ عمر يداعب ذاكرته بما تبقى من صور


تصوير :
سحر عربي

«شاهد على الحرب» هكذا يلقبونه السيويون، لم يمنعه عمره، الذى بلغ 90 عاما، أن يجلس مع أجيال تصغره بكثير، يستقبلهم فى منزله الهادئ بمنطقة سيدى عبدالسلام فى سيوة، يحكى لهم تفاصيل رآها بعينيه أثناء وجود قوات المحور فى الواحة.

«زيارة روميل، والطيارات، والناس اللى ماتت من الغارات، وهجر الأهالى للبيوت إلى المغارات، والمجاعة بعدما اتحرمنا من خيرات بلدنا»، مشاهد مرت أمام عينى الشيخ فى بداية حديثه عن ذكرياته أثناء حرب العلمين، قائلا «أنا مواليد 1928، كان عمرى وقت دخول قوات المحور للواحة حوالى 14 عاما، وكانوا بيقولوا فى الإذاعة بتاعتهم (إحنا لا نعتبر الأراضى المصرية معادية، بل نريد طرد الإنجليز فقط)، لكن الفعل غير».

وما حدث أن سيوة عانت كثيرا طوال الـ6 أشهر، فترة وجود قوات المحور بها، وفقا للشيخ حسنين، الذى قال إن غارات قوات المحور تسببت فى قتل العشرات من أهل الواحة العزل، كما تهدمت الكثير من المنازل، ومنهم منزل والدى.

واضطر أهالى الواحة إلى ترك منازلهم، والذهاب للعيش فى الجبال هربا من الموت، ويتذكر الشيخ حسنين هذه المحنة قائلا «توجه معظم أهل الواحة الذى كان يبلغ عددهم وقتها 4 آلاف نسمة إلى جبل الدكرور، ومنطقة تدعى وزيدى، وأخرى اسمها الجارى، وآخرون ذهبوا إلى (المصبرين) التى تعنى جبل الموتى، يعنى كله لجأ فى المغارات الرومانية المحفورة».

ويتذكر الشيخ فترة وجوده بصحبة عائلته فى «المصبرين»، قائلا «كانت مكانا مخصصا للمحنطين، طلعناهم ودخلنا إحنا، حتى كان فيها رائحة كريهة، حاولنا القضاء عليها بإشعال النار فى الليف والحطب».

حياة قاسية عاشها أهالى الواحة بعيدا عن منازلهم فى الجبال وصلت لحد المجاعة، لا ينساها الشيخ حسنين «كان علينا أن نجلس فى سكون تام، ممنوع نولع نار بالليل، ولا نسخن صفيح عشان الأكل، ولا ننشر ملابس وأقمشة بيضاء اللون، ولا حمار ينهق».

بنظرات لم تخل من الحزن يروى الشيخ كيف بدأت المجاعة «قعدنا 3 أيام عاوزين نعمل عيش لكن كان ممنوع الدخان والنار، جيبنا سمك مملح فى الصفيح، وضعناه على ليف النخل عشان ميعملش دخان، ولو عمل دخان قوات المحور هيدخلوا علينا».

مستكملا «اتحرمنا من خيرات بلدنا كلها، يعنى مفيش شاى، أو سكر، أو لحمة، أو دقيق، أو ملابس، مفيش غير صلصة وشوية مكرونة وشعير، والمكرونة أحيانا كنا بنخمرها بالليل لحد الصبح ونعجنها عيش، وكان يتاكل وهو طرى بس أول ما ينشف مينفعش».

«الألمان كانوا أفضل من الإيطاليين من ناحية التعامل مع الأهالى، لكن فى النهاية عشنا معاهم سواء بالجبرية أو بالمرونة، فيه اللى بيكره وفيه اللى بيحب»، هكذا فرق الشيخ حسنين بين معاملة الألمان والطليان، مؤكدا أن أكثر ما كان يصدم أهالى الواحة هو قيام الطليان بذبح الحمير غصبا لأكلها. وقال «الطليان دخلوا، وغزوا الغيطان وسكنوا فيها، عشان العربيات والجيش لما يكونوا تحت النخيل لا تكشفهم طيارات العدو، ومنعونا عشان منروحش الجناين ولا نرويها، وحتى المحاصيل والماشية كانوا بيستولوا عليها».

لا يزال يتذكر الشيخ حسنين زيارة قائد قوات المحور فى الشرق الأوسط، إرفين روميل، إلى سيوة، ومعه عدد كبير من الحرس والضباط، لتناول الغداء للتقرب من مواطنى الواحة، وأصبح الأهالى فى حيرة من أمرهم بين معاداته أو التعاون معه، «روميل زار سيوة فى رمضان، والمشايخ عملوا عزومة فى حديقة الشيخ على حيدة رحمه الله، لكن المشايخ رفضوا الأكل معه، فاضطر المأمور المصرى وقتها لمجاملته والأكل معاه، وكان عدد القوات اللى معاه كبير، كانوا أكتر من عدد النخيل فى سيوة».

استمع «روميل» لنصائح المشايخ، وفقا للشيخ حسنين، وحاول أن يتودد للأهالى، وخصص لجنة مكونة من المأمور والمشايخ لمنح تعويضات لأهالى الشهداء وللبيوت التى تهدمت».

ساعات مرعبة عاشها أهالى الواحة فى مخابئهم بين مغارات الجبال، استيقظوا فى يومها التالى على خبر سعيد بخروج قوات المحور من سيوة، ويقول الشيخ حسنين «بالليل سمعنا دربكة ما بعدها دربكة، أتارى قوات المحور بيحرقوا فى التموين بتاعهم، والعربيات، والمخلفات، والدنيا ولعت نار، وكان جبل الموتى دا بيتهز زى الزلزال، وصبحنا الصبح لقينا الألمان والطليان اختفوا والإنجليز رجعوا تانى».

نتائج سلبية عدة خلفتها الحرب فى سيوة، أبرزها زرع الإنجليز للألغام المضادة للأفراد والدبابات فى الصحراء من وإلى طريق سيوة ومرسى مطروح والعلمين قبل أن تصل قوات المحور، التى بدورها زرعت هى الأخرى ألغاماً لصد هجوم الإنجليز، ولا يزال يعانى منها السيويون إلى يومنا هذا. ويقول الشيخ حسنين «الألغام موجودة لغاية دلوقتى، وناس كتير بتتصاب وتموت».

بابتسامة طيبة على وجهه، يعبر الشيخ حسنين عن فخره بالدور الذى لعبته سيوة أثناء الحرب لحماية أمن مصر وحدودها، «سيوة عانت كتير فى الحرب لكن محدش اتكلم عليها، لكن كله يهون عشان مصر، دى الحكاية حكاية مصر، والفرحة فرحة مصر».

بمشاعر تزهو بالفخر والعشق لتراب الواحة، ختم الشيخ حديث الذكريات ببيت شعر ألفه وقت الحرب حينما كان طالبا فى المدرسة، «سيوة العزيزة بلدتى، وهى المقر لأسرتى، يا حسنها من جنتى، فيها تتم سعادتى، الماء وافر كوثر، والزرع نام أخضر، والجو صاف نير، يزهو بأفخر حلة، هى بلدتى ذات النخيل، هى مصدر التمر الجميل، يا حسنها وقت الأصيل، فلها فداء بهجتى».

Leave a Reply