#الواحات #الزمالك_سموحه #سموحه حمدي زكي ابو جبل
داخل المتحف العسكرى بالعلمين، تجد تمثالا له يوثق اللحظة التاريخية لجلوسه مع قائد قوات المحور فى شمال أفريقيا، إرفين روميل، أثناء استقباله له فى حديقة منزله فى سيوة أثناء حرب العلمين.
الشيخ على أحمد صالح، وشهرته على حيدة، لا يزال يتردد اسمه أينما يُذكر دور سيوة فى حرب العلمين، رغم وفاته عام 1982، لكونه أبرز الشخصيات التى أثارت دورها فى الواحة خلال الحرب جدلا واضحا، سواء بين السيويين أنفسهم أو بين قوات كل من الحلفاء والمحور.
«المغرضون فقط هم من اتهموا والدى بالجاسوسية»، هكذا قال على نافيا صحة الاتهامات المتناقضة التى وجهت لوالده بالجاسوسية لصالح الحلفاء فى البداية ومن ثم تعاونه مع قوات المحور، بدأ ابنه الشيخ محمد حديثه لـ«المصرى اليوم»، قائلا «لولا دور والدى، لزادت خسائر سيوة ومات الكثير من الأهالى أثناء الحرب».
تحدث الشيخ محمد عن بداية التعامل بين والده وقوات المحور، قائلا «والدى رحمه الله كان مواليد 1907، أى أنه كان يبلغ 35 عاما وقت الحرب، وكان هو متعهد توريد المواد الغذائية للجيش البريطانى، وبعد خروج البريطانيين من سيوة وقت حرب العلمين، بدأ يورد المواد الغذائية لقوات المحور».
يتذكر «محمد» تعرض والده للاعتقال على يد قوات المحور، قائلا: «ولاد الحلال اللى مكانوش بيحبوا الشيخ على حيدة، راحوا للألمان وقالوا لهم إنه عميل للإنجليز. وده طبعاً ما كانش حقيقى، لكن الألمان صدقوا الوشاية، واعتقلوه لمدة أسبوع فى مكان تحت الأرض، وكانوا ناويين ينفوه على روما وهناك يشنقوه».
«لكن الألمان غيروا الخطة، وقرروا يسيبوه عشان يراقبوه»، يضيف «محمد»، «بعد خروجه بأسبوع، دق على بابه واحد لابس زى بدوى، وقال له إن ضابطا إنجليزيا عايز يتعاون معاه لإبلاغه بمعلومات عن جيش المحور الموجود فى سيوة».
«لكن (حيدة) شك أن ده كمين من الألمان، وأن الضابط جاى يوقعه ويشوف إن كان فعلا عميلا للإنجليز»، وفقا لـ«محمد». وتابع: «أرسل الشيخ حيدة لمأمور القسم وقتها، عبدالرحمن زهير، وقال له وقع فى إيدى ضابط إنجليزى، تعالوا خدوه». وبعد الواقعة، اطمأن الألمان لـ(حيدة)، وأصبح من أصدقائهم المقربين، لدرجة أنهم كانوا يستعينون به للاسترشاد فى الصحراء، وفى إيصال جنودهم من جغبوب فى ليبيا إلى سيوة». وصلت الصداقة بين «حيدة» وقوات المحور إلى درجة أنه عندما جاء «روميل» لتفقد القوات فى سيوة، ذهب للقاء «حيدة»، الذى استقبله فى حديقة منزله، وأعد له وليمة بحضور «زهير» مأمور القسم وعدد من مشايخ القبائل.
وحاول «روميل» خلال اللقاء، الذى وثق فى عدد من الأفلام الوثائقية والكتب، إيجاد طريق آخر من سيوة إلى وادى النيل بخلاف طريق العلمين، وكان يسأل المشايخ عن طريق الواحات البحرية، لكنه كان صعبا بسبب الكثبان الرملية.
ويروى نجله «محمد» أنه خلال اللقاء الشهير، قال «حيدة» إلى «روميل»: «متى ستنتهى الحرب؟، ليرد عليه القائد الألمانى: «الشيطان وحده يعلم متى ستنتهى الحرب، وعندما يهدأ الشيطان ستتوقف الحرب».
عانت سيوة من أزمة غذائية حادة نتيجة حصارها من قبل كل من قوات الحلفاء والمحور وقطع جميع الطرق المؤدية إليها، وكان «حيدة» هو المنقذ للأهالى، وفقا لنجله الشيخ محمد. ويقول إن والده استغل قربه من الألمان وقام بعمل بطولى عندما قرر توفير المواد الغذائية والطبية للأهالى، وشرائها من البدو والعرب فى مطروح ونقلها بسياراته إلى سيوة، كما كان ينقل الأطباء لعلاج الأهالى. ويضيف أن خدمات «حيدة» تعدت سيوة ووصلت للأهالى فى مطروح أثناء أزمتهم بعد انسحاب القوات إلى العلمين.
مواقف بطولية عدة يتذكرها الشيخ محمد عن والده، الذى حاول استغلال علاقته الطيبة بقوات المحور لتهدئة وطأة الحرب على الأهالى العزل. أحد هذه المواقف كان عندما وصل الإيطاليون إلى سيوة، صعد الإيطاليون أعلى قسم الشرطة، لإنزال العلم المصرى من عليه. ووقتها تصدى لهم الشيخ حيدة، وقال «اقتلونى قبل ما تنزلوا علم بلدى». وبالفعل استمع الإيطاليون له حتى لا يفتعلوا المزيد من المشاكل مع الأهالى، ووافقوا على ترك العلم المصرى، لكنهم رفعوا العلم الإيطالى بجانبه.
موقف آخر لا ينساه «محمد» ويجعله دائم الافتخار بوالده، وهو أنه عندما دخل الإيطاليون سيوة، كانوا يعاملون الأهالى بطريقة سيئة، ويدخلون الحدائق عنوة ويأخدون المحاصيل ويقتلون الماشية. ووقتها لجأ الأهالى لـ«حيدة»، الذى توجه على الفور إلى قائد القوات الإيطالية، وطلب منه عدم التعدى على أهالى الواحة، واتفق معهم أن يكون حلقة الوصل معهم، على أن يمدهم بكل ما يحتاجونه من طعام وشراب، بل وقرر أن يخصص لهم بئرا ملكا له يشربون منه.
يتجسد الشيخ «حيدة» فى تمثال عريق بصحبة «روميل» فى أهم متحف عسكرى بمحافظة مطروح، لكن ابنه «محمد» يرى أن أباه تعرض لظلم كبير، عندما تم القبض عليه لمدة 12 شهرا بعد 23 يوليو باعتباره من الإقطاعيين فى سيوة، إذ بحلول عام 1950، كان يمتلك 15 لورى، و579 فدانا مسجلة. وعند تطبيق قانون الإصلاح الزراعى الأول تركت الحكومة له 100 فدان وصادروا الباقى. ويقول «رغم صعوبة تجربة السجن، لكنها لم تؤثر على روح والدى الطيبة، إذ دائما ما كان يقول إننى سجنت مع أغنى وأهم الشخصيات فى البلد».