{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [سورة الأنفال: 2-4] هذه هي صفات المؤمنين كما ذكرها رب العزة في كتابه الكريم والذي يعدهم من خلال آياته جزاءً عظيمًا لاتصافهم بهذه الصفات، وذلك من خلال عرض تفسير الآيات من كتاب حديث المساء لسماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله.
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا}
جمعت الآية أنواعًا مختلفة من أنواع العبادة، ذكر الله فيها عمل القلب واللسان والجوارح جميعًا، فالقلب يعمل بذكر الله من محبته والشوق إليه، ومن عمل اللسان التلاوة والذكر والدعاء والاستغفار، ومن عمل الأذن الاستماع والقلب من عمله التدبر والتعقل، فالمؤمن يستمع آيات الله بأذنه ويتدبر بقلبه، ويرجف ويوجل قلبه عند ذكر الله، والقرآن أعظم الذكر، الذي عند سماعه يزداد إيمانه، والشوق إليه وتعظيم أمره ونهيه، فوجل القلب يزداد به الإيمان، وتلاوة القرآن يزداد بها الإيمان، وسماع التلاوة والذكر يزداد به الإيمان لمن عقل وتدبر وانتفع.
{وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}
وهي أيضًا من أعمال القلب ويدخل في عمل الجوارح لأن من تمام التوكل الأخذ بالأسباب؛ فالمتوكل قد شغل قلبه بالاعتماد على الله والإيمان بأنه مسبب الأسباب ومدبر الأمور، وشغل جوارحه بتعاطي الأسباب التي شرعها سبحانه، وأباحها لعباده، فقلبه مشغول بالثقة بالله والاعتماد عليه والإيمان به، وكذلك جوارحه مشغولة بما أباح الله وشرع من الأسباب.
وبهذا يتحقق التوكل، فليس بمتوكل من أهمل الأسباب، وليس بمتوكل من تعاطى الأسباب وضيع الثقة بالله والاعتماد عليه وإنما المتوكل من جمع بينهما، فهذا هو المتوكل الحقيقي، فمن ترك الأسباب فهو عاجز عن عمله وليس بمتوكل.
{الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ}
وهي من صفات المؤمنون ومن الأعمال التي ينشغل بها القلب واللسان وبقية الجوارح، فالقلب مشغول بها تعظيمًا لها، واستحضارًا وخشوعًا، واللسان مشغول بها من قراءة وتسبيح، والبدن كله مشغول ركوعًا وسجودًا وقيامًا وقعودًا، فقد جمعت أنواع العمل وبها يزداد الإيمان ويقوى، وهي عمود الإيمان وعمود الإسلام من حفظها حفظ دينه ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع.
{وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}
هذه أحد صفات أهل الإيمان الكُمَّل، ينفقون مما رزقهم الله، زكاة وغير زكاة ينفقون في وجوه البر وأعمال الخير ويخرجون الزكاة، وينفقون على من تحت أيديهم من زوجات وأولاد وغير ذلك فالمسلم ليس ببخيل بل منفق للمال في الوجوه التي يحبها الله.
أما ضعفاء الإيمان فدون ذلك وكل هذه الصفات لأهل الإيمان الكُمَّل الذين لهم الدرجات العلا والمقام الحميد يوم القيامة، لأعمالهم الطيبة وخصالهم الحميدة واجتهادهم في الخير .
{أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}
يريد الله ان يبين لنا أن هؤلاء هم المؤمنون الكُمَّل الذين حققوا إيمانهم الكامل بالأعمال العظيمة الطيبة، وعن طريق البعد عن أسباب غضب الله والذين يستحقون: {لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} أي لهم درجات في الجنة ورزق كريم ومغفرة لذنوبهم، وهذه هي الغاية العظيمة، والغبطة الكبيرة والسعادة الأبدية.