{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)} [سورة الأحزاب: 21]، وهذا رسول الله يقدم لنا من أروع المواقف مع الأطفال والصغار من خلال معاملتهم بأسلوب راقي وطمأنتهم وإظهار الود لهم، وتعليمهم وتأديبهم بتعاليم الإسلام السمحة، وهذه خمسة من مواقف النبي مع الصغار:
1. الموقف الأول: المعاملة الحسنة
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ضمني رسول الله صل الله عليه وسلم إليه وقال: «اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب»، وفيه من محبة النبي للأطفال وحسن تعامله معهم بأسلوب راقي ومهذب فيه طمأنينة للصغير عن طريق ضمه له، والدعاء له وهنا يعلمنا النبي درس من دروس التربية في ربط العلاقات بين الكبار والصغار عن طريق التعامل بود ولطف مما يبعث على الوقار داخل قل الطفل ويحثه على تقديم الاحترام والامتنان للكبير وليس عن طريق التعنيف أو الضرب.
2. الموقف الثاني: العدل بين الأولاد
عن النعمان بن بشير أن امه بنت رواحة سألت أباه بعض الموهبة من ماله لابنها، فالتوى بها سنة ثم بدا له فقالت: لا أرضى حتى تشهد رسول الله صل الله عليه وسلم على ما وهبت لابني، فأخذ أبي بيدي وأنا يومئذٍ غلام، فأتى رسول الله صل الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إن أم هذا أعجبها أن أشهدك على الذي وهبت لابنها فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: «يا بشير ألك ولد سوى هذا؟ قال: نعم، فقال: «أكلهم وهبت له مثل هذا؟» قال: لا، قال: «فلا تشهدني إذًا فإني لا أشهد على جور» وفي رواية قال: «أيسرك أن يكونوا في البر سواء» قال: بلى، قال: النبي صل الله عليه وسلم: «فلا إذًا»
وهنا يضرب لنا رسول الله من أروع الأمثلة في العدل والإحسان إلى الأولاد، فقد امتنع صل الله عليه وسلم على أن يشهد لأحد الأولاد بالهبة دون بقية أخوته لما فيه من الجور والظلم ويؤدي إلى الفتنة بينهم ووقوع الفرقة، ورغبنا في العدل بينهم حين قال: «أيسرك أن يكونوا في البر سواء» وهو ما يعني محبتهم له جميعًا وبرهم له، وليس نقمتهم عليه.
3. الموقف الثالث: التعليم والتهذيب
عن عمر بن أبي سلمة قال: كنت غلامًا في حجر رسول الله صل الله عليه وسلم، وكانت يدي تطيش في الصفحة فقال لي رسول الله صل الله عليه وسلم: «يا غلام سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك»، فما زالت تلك طعمتي بعد، وهنا يضرب لنا رسول الله أروع مثل في التربية والتهذيب باستخدام عبارات بسيطة يستطيع الطفل فهمها وتصل إلى عقله وقلبه فلا تصيبه بالضجر أو بالحرج.
4. الموقف الرابع: رد باب الفتن
اقتتل غلامان غلام من المهاجرين، وغلام من الأنصار فنادى المهاجر يا للمهاجرين ونادى الأنصاري يا للأنصار فخرج النبي صل الله عليه وسلم فقال: «ما هذا دعوى الجاهلية؟ قالوا: يا رسول الله: إن غلامين اقتتلا فكسع أحدهما الآخر فقال: «لا بأس ولينصر الرجل أخاه ظالمًا أو مظلومًا إن كان ظالمًا فلينهه فإنه له نصر وإن كان مظلومًا فلينصره». فقد فزع رسول الله لسماع دعوى الجاهلية بنداء كل غلام على أتباعه سواء من المهاجرين أو من الأنصار مما يعني وجود باب للفتن بينهم يجب إغلاقه، وينوه لهم بأنه يجب على المسلم في حالة التعرض لمثل هذه المشاكل أن ينصر أخاه سواء برده ونهيه عن فعل الخطأ، أو دعمه والوقوف بجانبه في حالة وقوع الظلم عليه.
5. الموقف الخامس: إظهار الحب والود
عن جابر رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صل الله عليه وسلم فدعينا إلى الطعام، فإذا الحسين يلعب في الطريق مع صبيان فأسرع النبي صل الله عليه وسلم أمام القوم ثم بسط يده فجعل الغلام يفر هاهنا وهناك، فيضاحكه رسول الله حتى أخذه فجعل إحدى يديه في ذقنه، والأخرى بين رأسه وأذنيه، ثم اعتنقه وقبله، ثم قال: «حسين مني وأنا منه، أحب الله من أحبه، الحسن والحسينسبطان من الأسباط»، ومنه أن الجد وهو رسول الله أظهر الود والحنان لابن بنته ويمازحه هنا وهناك ولم يلتفت إلى وجود الصحابة أو يخجل من اللعب معه وإظهار اللين به والرفقة له بل على العكس لاعبه ومازحه، وحث جميع المسلمين على حبه هو وأخيه رضوان الله عليهم.