تواصل حاليا فرقة البحيرة القومية المسرحية بروفاتها للنص المسرحي «إيزابيلا وثلاث سفن ومشعوذ» للمؤلف داريو فو، تحت عنوان «محاكمة واد من جينوه» المأخوذ عن مسرحية داريو فو «إيزابيلا وثلاث سفن ومحتال» بترجمة للدكتوره أماني عزت ودراماتورج الدكتور سيد الإمام المدرس بأكاديمية الفنون وإخراج أحمد عبدالجليل.
وكانت مسرحيته «إيزابيل ثلاثة مراكب ومشعوذ» قد نشرت مترجمة إلى العربية وصدرت ترجمتها للمرة الأولى عام 1997 للمترجمة ماري إلياس، عن سلسلة نوبل بدار نشر «المدى».
وفي المسرحية يحاكم داريو فو، كولومبوس، مكتشف أمريكا، وتنطلق المسرحية من إظهار مناخ القرن الخامس عشر وظروف ملك اسبانيا فيردناند الذي تسيطر عليه زوجته إيزابيل، حيث تعاني المملكة من ضعف الموارد المالية نتيجة الحروب مع العرب، ونجح كولومبوس -بعد خدعته للملكة ايزابيل- في أن يقدم رحلته البحرية كحل للأزمة باكتشاف الهند الغربية وكنوزها.
وتعرض «فو» لهذا المناخ من خلال مسرحية داخل مسرحية، فالمسرحية الرئيسية هي «إعدام ممثل»، يطلب منه قبل إعدامه تمثيل مسرحية إيزابيل وكولومبوس فيمثل المسرحية ليطيل فترة عدم إعدامه، أملا في صدور عفو ملكي عنه وتنتهي المسرحية بإعدام الممثل بعد رفض العفو عنه.
وفي هذه المسرحية أوفى «داريو فو» الحضارة العربية حقها، وأبرزها في فترة ازدهارها في العلوم والمفاهيم الإنسانية، وتضمن النص خطوطا درامية عديدة، ومستويين للحدث، أحدهما يتعلق بالعلاقة المباشرة بمدير فرقة مسرحية بالجمهور من ناحية، وانتظار محاكمته من السلطات من ناحية ثانية، أو العفو عنه، والثاني يتعلق بتقديم الحدث الداخلي الخاص بتطور علاقة كريستوفر كولمبوس بالملكة إيزابيلا ملكة أسبانيا، وزوجها فريدناندو ملك البرتغال، ابتداءً من عرضه رحلة استكشاف الطريق لشرق أسيا من الغرب عبر المحيط الأطلنطي، وانتهاءً بمحاكمته وإدانته بعديد من التهم.
وتتألف أسرة عمل فرقة البحيرة القومية المسرحية من المخرج المساعد محمد الحداد ومديري العرض محمد الحداد وصابرين رزق ومحمود إسحق، وقد وضع موسيقى العرض وصمم خالد الدموري الاستعراضات وصمم الديكور والملابس سارة توفيق و(استايليست) خالد الموازيني والمخرج المنفذ سعد عبدالحليم، أما أبطال العرض فهم محمد زايد وولاء حمزة وأيمن زبادي ومحمد البنا وعلي الحداد وفوزي درويش ومحمد عزت، ومجموعة من شباب الفرقة القومية المسرحية.
أما موسيقى العرض وما تضمنه من غنائيات فردية وجماعية وديالوجات فكانت للملحن علاء غنيم، والذي قال: «أشعر أنني ألحن عملا جمع كل فنون المسرح وكأنني أنجزه للمسرح القومي ويمثل إضافة نوعية لي، وحرصت أن تتوافق الألحان مع الموقف المسرحي والحالة الدرامية، وأن تليق بأهمية مضمونه، الأمر الذي استدعي عقد أكثر من ورشة عمل جمعتني بالمخرج الكبير مخرج الجوائز أحمد عبدالجليل ومؤلف كلمات الأغاني لنصل لرؤية متناغمة ومتوافقة، مما مكنني التعرف أكثر على مضمون النص الأصلي والنص بعد معالجته من قبل الأكاديمي والدراماتورج الكبير والمؤلف المسرحي الدكتور سيد الإمام».
ويقدم المخرج أحمد عبدالجليل عرضا مسرحيا في صيغة استعراضية وغنائية ودرامية، في تضافر يحقق الجذب ويبرز الهدف المسرحي العام والذي يؤكد على ريادة العرب العلمية وحجم استفادة الغرب من علومهم الأولي لعلماء عرب بارزين، في حين كانت أوروبا تقع تحت وطأة التخلف بسبب سيطرة الكهنوت الكنسي، فيما كان العرب متقدمين في علومهم وحضارتهم لتقديسهم فكرة إعمال العقل والاجتهاد وليس النقل وتعليب العقول، ثم لاحقا انقلبت الآية وتراجع العرب ووقعوا تحت وطأة الكهنوت الديني، فيما صارت أوروبا في مقدمة الشعوب والعرب في ذيلهم ونجد الغناء والاستعراض، متضافرا ومكثفا للسياق السردي والدرامي، ويؤكد على هذه المعاني بشكل غنائي جاذب.
وقد حول عبدالجليل أسرة العمل إلى ورشة عمل للخروج بهذا العرض على نحو فكري رفيع وكوميدي راق وجاذب أيضا.
وقال المخرج أحمد عبدالجليل، إن «الفرقة تخوض التجربة بدعم كامل من المهندسة نادية عبده محافظ البحيرة، والتي شددت على وضع إمكانات المحافظة تحت تصرف الفرقة، في حين طلبت من فريق العمل تقديم عرض مسرحي هادف يساهم في توعية الشباب، وتنمية رؤاهم تجاه اللحظة الراهنة، مشيدا باهتمام مدير ثقافة البحيرة محمد مصطفى البسيوني».
وأضاف عبدالجليل أن «العرض يشير أيضا للمعارك الضارية التي خاضتها الملكة إيزابيل وزوجها الملك فريدناند، لإخراج العرب من الأندلس ومن أوروبا، وفي الفترة نفسها كان البحار والمغامر الشهير كولومبوس يقنع الملكة إيزابيل بتمويل رحلته الاستكشافية، التي كانت تهدف للوصول إلى الهند، فأدت لاكتشاف أمريكا، ومن ثم عودته للبرتغال ومحاكمته».
وقد نجح الدراماتورج الدكتور سيد الإمام في الحفاظ على مستويي الحدث مع العناية بضغط وتركيز الخطوط الدرامية، وفي هذا قال الإمام: «إنما أردت إبراز الدور الذي لعبته الثقافة العربية في الأندلس في تطوير الفكر الأوروبي وتخليصه من عوامل التخلف التي سادته في العصور الوسطي، وفي الوقت نفسه الإشارة إلى أسباب انهيارالحضارة العربية، بما أدي إلى تلقيها هزائم متتالية قضت عليها في أواخر القرن الخامس عشر، وهو عمل مهم بحق ويعيد النظر في المعادلة الحضارية التي انقلبت فقد كان العرب سابقين وأصحاب فضل على أوروبا، وتطور المعارف والعلوم فيها في عصر كانت أوروبا تحت أغلال الكهنوت الكنسي، ثم انقلبت الآية وصار الأوربيون في المقدمة والعرب في المؤخرة كما أكد على رسالة العرض المتعلقة بهموم اللحظة الراهنة، دون إغفال عناصر الترفية وتجنب الخطابة الفجة».
ومما يذكر أن مخرج العرض أحمد عبدالجليل قد عرف بلقب «مخرج الجوائز» وهو صاحب مسيرة مسرحية طويلة ومتميزة ومتنوعة وغنية وبلغ عدد العروض المسرحيه التي أخرجها للفرق المختلفه 114 عرضا للثقافه الجماهيريه والشركات والجامعات والمعاهد العليا والمتوسطة ومركز الهناجر والقطاع الخاص، كما تقلب بين المواقع الثقافية، وكان مديرا لأكثر من مهرجان مسرحي وشغل مواقع في المؤسسات المسرحية الرسمية مثل الثقافة الجماهيرية والهناجر والبيت الفني للمسرح والفرق القومية الإقليمية، وشغل عضوية أكثر من لجنة تحكيم في فاعليات مسرحية وعضو في أكثر من لجنة تحكيم في المهرجانات المسرحية.
وقدم عبدالجليل عروضا في مصر وخارجها وأخرج عروضا لكتاب بارزين مثل ميخائيل رومان ويسري الجندي ولينين الرملي وشيكسبير وداريو فو وصمويل بيكيت وجان بول سارتر وفيكتور هوجو ونجيب سرور وسعد الدين وهبة وعلي سالم وسعد الله ونوس وفرديريك دورينمات وألفريد فرج ومحمد الماغوط وأحمد فؤاد نجم وبيرم التونسي وبديع خيري وول سوينكا وسمير سرحان وأبوالعلا السلمونى ويوسف عوف ووليد يوسف ومهدى يوسف.
أما الدكتور سيد الإمام دراماتورج هذا العرض فهو يشغل موقع أستاذ مساعد بالمعهد العالي للفنون المسرحية -قسم الدراما والنقد المسرحي- وينتدب للتدريس في شعبة المسرح بكليات التربية النوعية بجامعتي طنطا وكفر الشيخ، وقسم المسرح بكلية الآداب جامعة عين شمس، وجامعة القاهرة وهو حاصل على ماجستير في الدراما والنقد المسرحي بتقدير امتياز وحاصل على دكتوراة فلسفة الفنون بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، وله العديد من المؤلفات النقدية والترجمات والنصوص المسرحية،
وبصفته دراماتورجيا أعاد كتابة عديد من النصوص المسرحية ومنها «الخادمات» تأليف «جان جينية» و«هنري الرابع» لـ «لويجي برانديللو» و«براكسا» تأليف توفيق الحكيم.
يذكر أن داريو فو -صاحب النص الأصلي- واحد من رواد المسرح المعاصرالبارزين والمؤثرين وفوق هذا فهو مخرج وممثل مسرحي وكاتب سيناريو وملحن وممثل ورسام وشاعر حاز جائزة نوبل في الأدب عام 1997، وهو مولود في 24 مارس 1926، وتوفي في 13 أكتوبر 2016، عن عمر يناهز 90 عاما، وكان من أوائل الفنانين الأوروبيين الذين سارعوا لتأييد القضية الفلسطينية، وقدم عرضاً خاصاً عن الكفاح الفلسطيني في عام 1972، وهو صاحب تاريخ كفاح سياسي واجتماعي وفكري كبير، وقابل خلال مشواره كثيراً من الاضطهاد، كما أنه معارض لأي تعصب ديني أو فكري أو أيديولوجي وظل ثابتا على قناعاته، في عصر اهتزت فيه المثُل واهتزت القيم.
أضافت مسرحياته إلى تاريخ المسرح إطاراً شكلياً وفكرياً جديداً حيث لا يعتمد مسرحه على القصة، وإنما يقدم معادلا مسرحيا للواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الذي يحكم العالم، وكان قد قدم أعمالاً مهمة أبرزها «الوصية السابقة.. يجب ألا تسرق أقل من ذلك» و«دائماً اللوم على الشيطان» وهي كوميديا تسخر من فساد رجال الدين في العصور الوسطى و«الفتاة الكبرى» التي سخر فيها من الإمبريالية الأميركية، ثم أسس هو وزوجته فرقة مسرحية أسمياها «المشهد الجديد»، وقدما عروضا مهمة منها «السر الكوميدي».
وتوالت أعماله بعضها داخل إيطاليا والبعض الآخر خارجها وقدم آخرها في أحد مسارح نيويورك العام 1986 وسجلها التلفزيون الإيطالي من المسرح وبثها في 1977، وإثر عرضها صدر بيانا من الفاتيكان يصف هذا العرض بأنه «أكثر عمل مسرحي تلفزيوني فيه كفر وإلحاد» ثم قدم مسرحية «من الطارق؟ إنها الشرطة» ثم «لا يمكننا أن لا ندفع.. لن ندفع» ثم «لنتحدث عن النساء» و«البيت.. السرير والكنيسة».
وداريو فو أيضا كان ممثلا ارتجاليا بارعا وظلت وزارة الخارجية الأميركية ترفض وقتاً طويلاً منح فو وزوجته تأشيرة دخول بدعوى أن المنع تحتمه أسباب أيديولوجية حتى 1984، إثر ضغوط شديدة مارستها نقابة المحامين في نيويورك ورابطة كتاب الدراما الأميركية والاتحاد الأمريكي للحريات المدنية، ثم قدم مسرحيته «أبواق السيارات» في ميلانو، وفي غضون أشهر قدمت المسرحية مترجمة في نحو 15 دولة منها الولايات المتحدة، ثم قدم «اللغز الغنائي» و«قصة النمر».