جاء الإسلام يحمل العديد من الاحكام المتعلقة بكافة الجوانب الانسانية، من عبادات ومعاملات واخلاقيات وسلوكيات، وقد شرع الله تعالي العديد من الامور لضبط حياة الناس وتنظيم شئونهم في الدنيا، واهتمّت الشريعةُ الإسلاميَّة بالإنسانٍ شكلاً وجوهرًا، وحرصت على سلامته باطناً وظاهراً، فشرعت من الأحكام ما يُغذّي روحه ونفسه وفكره، ويثريهم، ويحفظهم من الشُّبهات والانحرافات، كما شرعت من الأحكام ما يَحفظ جَسده سليماً قويماً مُعافىً من كلِّ سوء وأذى ويجعله طاهراً آمناً بإذن الله، من الأحكام التي شُرعت لحفظ الجسد وسلامته جملةُ الأحكام المُتعلّقة بالطَّهارة، فقد امتَدَح الله تعالى في كتابه الكريم الطَّهارة والمتطهرين، ومنه قوله تعالى: (فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا ۚ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ)، وروي عن النَّبيّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- قوله: (الطَّهورُ شطرُ الإيمانِ، والحمدُ للهِ تملأُ الميزانَ، وسبحان اللهِ والحمدُ للهِ تملآنِ أو تملأُ ما بين السماواتِ والأرضِ)، والطهور هنا المقصود به الوضوء، وهو شكلٌ من أشكال الطَّهارة .. وهناك بعض العبادات والنوافل مثل الصلاة لا تصح بدون طهارة، والطهارة تنقسم الي قسمين، طهارةٌ من الحدث الأكبر (الحيض والنّفاس للمرأة، والجنابة لِكُلٍّ من الرَّجُل والمرأة)، وتكون الطّهارة من الحدث الأكبر عن طريق الغُسل، أمّا الطّهارة من الحدث الأصغر (كالبول والغائط والرّيح والصَّوت) فتكون عن طريق الوضوء، والآتي بيانٌ لبعض أحكام وطريقة الاغتسال من الجنابة التي هي حدثٌ أكبر .
معنى الجنابة
الجنابة في الشَّرع أمرٌ مَعنويٌّ يحصل في البدن، يمنع عن صاحبه صحّة بعض الأفعال؛ كالصلاة، وقراءة القرآن الكريم، ودخول المسجد، وسببها نزول المني أو الجَماع بين الزوجين.
كيفيّة الاغتسال من الجنابة
-
النِّيَّة: حيث ذهب المالكيَّة والشَّافعيَّة والحنابلة إلى اشتراط النِّية وإيجابها للغسل خلافاً للحنفيَّة الذين يعتبرونها سنَّةً، فيبدأ الجُنب أول ما يبدأ بنية التطهّر من الجنابة ورفعها، من أجل استباحة الصلاة.
-
تعميم الماء على الشعر والجسم بأكمله: فلا خلاف بين الفقهاء على أنَّ من يَغتسل من الجنابة عليه إفاضة الماء على رأسه وكلِّ جسده، وتخليل الشعر بأصابع اليد حتى يدخله الماء ويَعمَّه.
-
مضمضة الفمِ والاستنشاق للأنف: وهما فرضٌ من فروض الاغتسال عند الحنفيَّة والحنابلة.
-
الموالاة في الغسل: يُقصد بها تتابع الغسل وإتمامه دون انقطاعٍ أو توقّفٍ لمدةٍ زمنيَّةٍ تطول، والموالاة فرض في الاغتسال عند المالكيَّة فقط، وعدَّها الحنفيَّة والشَّافعيَّة والحنابلة سُنَّةً من سنن الاغتسال لا فرضاً.
-
الدَّلك: إنّ دلك الأعضاء عند الغسل فرضٌ عند المالكيَّة والمزني من الشَّافعيَّة، خلافاً للحنفيَّة والشافعيَّة والحنابلة الذين يرونه سنَّة.
سنن الاغتسال من الجنابة
-
التَّسمية: يسنُّ أن يبدأ المغتسل أعمال الغسل بالبسملة، أي بقول بسم الله الرحمن الرحيم.
-
غسل اليدين ثلاثاً: الفقهاء متَّفقون على أنَّه من المسنون غسل اليدين ثلاثاً عند البدء بالاغتسال، ومنهم من قال إنّه يسنُّ غسلهما إذا كان الماء الذي يُغتسل منه غير جارٍ وكان قليلاً، أما إن لم يكن كذلك فلا يسنُّ الغسل.
-
إزالة الأذى: يسنُّ بعد غسل اليدين، إزالة القذارة والنَّجاسة الموجودة على الجسد كالمني ونحوه.
-
الوضوء: جمهور الفقهاء يرون أنَّ من المسنون في الغسل الوضوء كما يُتوضَّأ للصَّلاة.
-
التَّيامن: اتفق الفقهاء على أنَّ من المسنون لمن يغتسل أن يبدأ باليمين، فيغسل العضو اليمين أولاً ثمَّ ينتقل لما يقابله.
-
تثليث الغسل: هو سُنَّةٌ عند الحنفيَّة والشَّافعيَّة والحنابلة، ويقصد به غسل كلِّ عضوٍ من أعضاء الجسد ثلاث مراتٍ.
مُوجبات الاغتسال من الجنابة
-
خروج المنيّ بشهوة، فإن كان من نائمٍ فلا يُشترط وجود الشّهوة، وهو ما يسمّى بالاحتلام.
-
التقاء الختانين: أي مُجرّد الجماع سواء أأنزَل أم لم يُنزِل، لقوله – عليه الصّلاة والسّلام -: (إذا جلس بين شُعَبِها الأربع، ثمّ جَهَدَها فقد وَجَبَ الغُسل وإن لم يُنزِل)،
-
إسلام الكافر.
-
انقطاع الحيض: وهو دمٌ أسودُ مُنتِن، يُرخيه رحم المرأة، ويخرج من القُبُل حال الصّحة، وانقطاعه شرط لصحّة الغسل له.
-
خروج دم النّفاس: وهو الدّم الخارج من قُبُل المرأة بسبب الولادة، والغُسُل في كلّ ما سبق يَغني عن الوضوء؛ لأنّ الحدث الأصغر يدخل في الحدث الأكبر، ولا عكس، فلا يُجزِئ الوضوء عن الغُسُل في أيّ منها.
-
الموت، وذلك لغير الشّهيد في المعركة والمقتول ظلماً فإنّهما لا يُغسّلان، والمراد أنّ الغُسُل واجب على الأحياء؛ إذ لا وجوب بعد الموت من الواجبات المُتعلّقة بالبدن؛ أي يجب على الأحياء أن يغسلوا من مات.
ما يحرم على الجنب فعله
-
الصَّلاة سواء أكانت صلة فرضٍ أو نافلة، وصلاة الجنازة، وسجود التلاوة.
-
مسُّ المصحف وقراءة القرآن الكريم عند جمهور العلماء.
-
الطَّواف بالكعبة المشرَّفة سواءً كان طواف فرضٍ أو تطوعٍ.
-
دخول المسجد والمكث والاعتكاف فيه، وأجاز الشَّافعيَّة والحنابلة وبعض المالكيَّة للجنب العبور للمسجد دون مكث، لقول الله تعالى: (وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا ۚ )،والحنفيَّة وجمهور المالكيَّة على منع الجنب من العبور للمسجد إلا إذا تيمَّم.