فى سنة 1447، أثير الأمر فى بلاط السلطان العثمانى بايزيد الثانى، ثامن سلاطين بنى عثمان، بغرض استيراد «الطباعة» من أوروبا، إلا أن فقهاء الدولة العثمانية وقفوا للفكرة بالمرصاد، واعتبروها من الكبائر، بل أصدروا فتوى بتكفير من يقوم باستخدامها والحكم بالإعدام على من يستخدم ذلك الاختراع، وكانت حجتهم فى ذلك أنهم خافوا من تحريف القرآن.
وعلى المستوى السياسى، فإن السلطان بايزيد الثانى قاوم بشراسة الاختراع الجديد وأصدر مرسوما بتحريمه على رعايا الدولة العثمانية، وبعد أن لجأ كثيرون من يهود إسبانيا للبلاط العثمانى فارين من ويلات محاكم التفتيش، استطاع أحدهم إقناع السلطان بالسماح بالطباعة لليهود فقط، بحجة الحفاظ على ديانتهم، فتم استثناء اليهود من الفرمان السابق، وسارعوا بانتهاز الفرصة وقاموا بطباعة ترجمة عربية للتوراة ومبادئ تعلم العبرية سنة 1494م. وكان التطور الثانى فى منتصف القرن الثامن عشر، حيث وعى سفير الدولة العثمانية فى باريس محمد الجلبى وابنه سعيد أهمية الطباعة، ونجح الأول فى إقناع الفقهاء والسلطان بإصدار فتوى بطباعة الكتب غير الدينية فقط 1728م، ولكن عندما لاحظ الفقهاء انتشار كل الكتب العلمية ورخص أسعارها أصدروا فتوى تجيز طباعة الكتب الدينية وكذا طباعة القرآن الكريم وتجليده.
وكانت الآستانة بذلك أول بلد شرقى يعرف المطابع الحديثة ويرجع ذلك إلى عام 1551م، فى عهد السلطان سليمان الأول القانونى (1520- 1566م)، وكانت ترجمة التوراة إلى اللغة العربية، التى قام بها سعيد الفيومى المصرى، هى أول كتاب يطبع فى تركيا فى ذلك العام وقد طبعت بحروف عبرية.
وكانت أول مطبعة تطبع بحروف عربية فى إسطنبول هى التى أسسها إبراهيم الهنغارى عام 1727م، وسمح له بطباعة الكتب عدا القرآن الكريم، وكان أول كتاب يظهر فى هذه المطبعة هو كتاب «قاموس وان لى» فى مجلدين بين عامى 1729-1730م، وهو ترجمة تركية لقاموس «الصحاح» للجوهرى.
ولم يدخل العثمانيون الطباعة إلى مصر طوال حكم الولاة، وكان أول عهد مصر بها مع بداية الحملة الفرنسية على مصر عام 1798م، التى حملت معها ثلاث مطابع مجهزة بحروف عربية ويونانية وفرنسية، وكان الهدف الأساسى لهذه المطابع هو طباعة المنشورات والأوامر، وكانت تقوم بعملها فى عرض البحر، حتى دخلت الحملة القاهرة فنقلت إليها.
وعرفت مطبعة نابليون باسم المطبعة الأهلية، وأصدر جريدتى «كورييه دى إيجيبت» التى تهتم بالأخبار العامة، و«ديكاد إيجيبسيان» فى العلوم والثقافة، كما أقام المجمع العلمى فى 22 أغسطس 1798، وقام فريق من 197 شخصًا من العلماء والمهندسين والفنانين بإجراء الدراسات والبحوث المتعلقة بالبلاد، ثم تم جمع نتائج تلك البحوث فى كتاب «وصف مصر» الذى طبع فى فرنسا 1809.
وبعد حوالى عشرين عامًا، أنشأ والى مصر محمد على باشا على أنقاض المطبعة الأهلية ما عُرف باسم المطبعة الأهلية أيضًا، ثم نُقلت إلى بولاق، فعرفت بمطبعة بولاق، أو المطبعة الأميرية، ومثلت هذه المطبعة ثورة فى عالم المعرفة.