«السبيل والتكية ومدفع رمضان والمحشى والبقلاوة» أبرز موروثات الأتراك وأنواع الأكلات والحرف والألقاب

الحكم العثماني في مصر

الحكم العثماني في مصر


تصوير :
المصري اليوم

بعد تعاقب الثقافات والحضارات على أى دولة تتأثر معرفتها وعاداتها وتقاليدها، بل معجمها اللغوى الخاص، بتلك الثقافات، وهذا ما حدث فى مصر إثر خضوعها للإمبراطورية العثمانية، حيث رحلت الامبراطورية وبقى بعض شواهدها وطقوسها وعاداتها وتقاليدها، بل قاموسها اللغوى.

ولأن مصر ظلت خاضعة للحكم العثمانى لأكثر من ثلاثة قرون فقد تأثرت بالدولة العثمانية، التى تأثرت هى أيضاً بطبيعة الحياة وتقاليدها فى مصر، فيما يمثل تأثيراً تبادلياً، وقد امتد تأثير الحقبة العثمانية فى مصر إلى العديد من نواحى الحياة، بما فى ذلك العادات والتقاليد، وأصبح لتركيا عادات وتقاليد مقتبسة من مصر والشام، وكذلك اقتبس المصريون والعرب عادات وتقاليد مقتبسة من الحكم العثمانى.

وتركت الحقبة العثمانية فى مصر الكثير من الشواهد المعمارية الباقية مثل الأسبلة؛ ففى عهد عبدالرحمن كتخدا فى القرن الثانى عشر الهجرى (الثامن عشر الميلادى)، شهدت مصر بناء عدة أسبلة وكتاتيب بعضها متصل بالمسجد والبعض منفصل عنه، ومن هذه الأسبلة: سبيل محمد على بالنحاسين وعبدالرحمن كتخذا بالجمالية وسبيل الوالدة باشا بشارع الجمهورية، ومن الآثار والشواهد البارزة أيضاً مسجد محمد على بالقاهرة بمآذنه وقبابه المتعددة، الذى صمَّمه المهندس العثمانى سنان لمحاكاة مسجد السلطان أحمد بإسطنبول، ومسجد محمد أبوالدهب، ومسجد سارية الجبل أو سليمان باشا، ويقع داخل قلعة صلاح الدين، وهو أول مسجد فى مصر أنشئ على الأسلوب العثمانى، ومسجد سنان باشا ومسجد الملكة صفية فى شارع محمد على بالقاهرة، وهى زوجة السلطان مراد الثالث، ومسجد تغرى بردى، ويقع فى شارع المعز لدين لله، ومسجد سيدى عقبة بن عامر، ومسجد ميرزا.

ومن الشواهد المعمارية التى خلَّفها الحكم العثمانى لمصر أيضاً التكايا التى أقامها العثمانيون لاستقبال المتصوفين الذين ينقطعون للعبادة، ومنها التكية السليمانية وتكية السلطان محمود بشارع بورسعيد، ومن أهم المنشآت فى ذلك العصر سبيل خسرو باشا بالنحاسين، ويقع بجوار قبة السلطان الصالح نجم الدين أيوب.

واستحدث العثمانيون فى بناء الجوامع بمصر الشكل التركى، وهو متخذ من شكل الكنائس البيزنطية القديمة، ومن مظاهر هذا الاقتباس اتخاذ القباب بدلاً من السُّقُف المستوية، فصارت القبة فى كل جامع هى المركز الذى يدور عليه بناء الجامع، وكانت القباب قبل ذلك تستخدم فى الأضرحة فقط.

ويعد عبدالرحمن كتخدا هو شيخ المشيدين والمرممين فى ذلك العصر؛ فله 18 جامعاً فى القاهرة من بين منشأ حديثاً ومجدد، وأشهر ترميماته ترميمه الجامع الأزهر وضريح السيدة زينب والسيدة سكينة، وآخر ما أُقيم فى مصر من الآثار التركية السبيل والكتاب اللذان بناهما السلطان مصطفى الثالث تجاه مسجد السيدة زينب، وسبيل وكتاب السلطان محمود الأول فى شارع درب الجماميز.

وفيما يتعلق بالطقوس الرمضانية فإن مدفع رمضان هو تقليد بدأه العثمانيون فى مصر لإعلان حلول الشهر ومواقيت الإفطار والإمساك.

ومما خلفته الفترة العثمانية من تأثير على القاموس المصرى أنْ تركت مجموعة كبيرة من الكلمات التى نستخدمها فى حياتنا اليومية دون أن يعرف كثيرون أن أصلها «عثمانى»، وقد امتزجت بالقاموس الذى يستخدمه المصريون فى حياتهم اليومية، ومن هذه الكلمات ما هو موجود فى مجالات العمارة والتجارة والسياسة وفى المجال العسكرى أيضاً، ومن هذه الكلمات كلمة «جمرك» التى تعنى «الضريبة التى تؤخذ على البضائع»، وكلمة «شنطة» للدلالة على الحقائب، وبخاصَّة الصغيرة منها، وكلمة «جزمة» وأصلها «تشيزمه» بالتركية بمعنى حذاء.

ومن الألفاظ التى يستخدمها المصريون أيضاً كلمة الأسطى، وأصلها (أستا)، وهى فارسية دخلت اللغة التركية والعربية، وتعنى «الأستاذ»، كما تعنى فى أساسها الصانع الحرفى الماهر الذى أتقن صناعته، كما أنها تعنى فى مصر «السائق» أيضاً، وكلمة «الطوبجى» كلمة تركية بمعنى «المدفعجى»، وهو القائم بإطلاق المدفع، وكان للطوبجية أميرالاى أو «قائد المدفعجية»، فى حين أن «الطوبخانة» تعنى «مخزن مدافع الجيش».

أما إضافة حرفى الجيم والياء فى نهاية الكلمة التى تعبر عن كل مهنة فأصلها تركى أيضاً، ومنها: «مكوجى وبوسطجى وقهوجى وقومسيونجى وقانونجى وسفرجى».

أما كلمة (بُقجة) فأصلها تركى ويستخدمها البسطاء تعبيراً عن القماشة التى يجمعون فيها متعلقاتهم فى شكل (صُرَّة)، وأيضاً كلمة «دولاب» وكلمة «قبضاى» وتُستخدم للتعبير عن قوة الشخص وجرأته، وتعبير «عفارم عليك» يعنى «أحسنت»، وكذلك كلمة «شاكوش» أى «المطرقة»، وكلمة «طابور» للدلالة على «الصف» وتعنى «جماعة من العسكر يتراوح عددهم من الـ800 إلى الـ1000»، وكلمة «درابزين»، وهو السياج على جانبى السُّلم، وكلمة «كوبرى» للدلالة على «الجسر».

ومن الكلمات المستخدمة فى البلاط الخديوى قديماً فى مصر كلمة «قادين»، وتطلق على الجارية بعد أن تصبح خليلة الخديو، ومازالت كلمة «قادين» تستخدم فى تركيا، ومعناها «امرأة»، وهناك كلمة تركية نجدها فى الأغانى المصرية الفولكلورية القديمة وهى كلمة «ياواش ياواش»، ومعناها بالعامية المصرية «بشويش».

وتعد الألقاب التى اعتدنا استخدامها من قبل ثورة يوليو إلى الآن، وهى «بك وباشا وأفندى وأفندم وهانم»، تركية أيضاً، وكانت كلمة «أفندى» لقباً للأمراء وأولاد السلاطين، كما كانت لقباً لرؤساء الطوائف الدينية والضباط والموظفين، أما كلمة «البازار» فهى فارسية الأصل دخلت اللغة التركية وتأتى بمعنى «السوق»، وتعنى كلمة «الباش أو الباشى»: الرئيس أو المسؤول، مثل «باش كاتب» أو «باش مهندس»، وتأتى أحياناً فى آخر الكلمة مثل «بك باشى» ومعناها مقدم و«حكيم باشى»، واشتق منها لفظ «باشا».

أما عن الرتب والألقاب العسكرية فأغلبها يعود لأصل تركى، ومنها كلمة أونباشى، وهو المسؤول عن عشرة عسكريين، أى «أون»، وكلمة «يوزباشى»، وهو المسؤول عن مائة جندى.

وتبادل المطبخان التركى والمصرى التأثير فى قاموس الطبخ وأنواع الأطعمة وأسمائها، وهناك أكلات متشابهة بين المطبخين تحمل نفس الاسم. ومن أشهر الأكلات التركية التى يضمها المطبخ المصرى وأصلها عثمانى: «المحشى» والمعروف فى تركيا باسم «دولمه» والكباب والكفتة والشركسية والشكشوكة والشاورمة والكبيبة وبابا غنوج والشيش طاووق.. كلها تركية، أما الحلويات فأبرزها الكنافة والبسبوسة والبقلاوة، وعن أصل تسميتها تقول إحدى الروايات إنه كان للسلطان العثمانى عبدالحميد طباخة اسمها «لاوة»، وهى التى ابتدعت هذه الحلوى، وعندما ذاقها السلطان لأول مرة قال لضيف عنده: «باق لاوة نه بايدى»، أى: انظر ماذا صنعت الطباخة «لاوة».

ويفتخر الأتراك بامتلاكهم الحق التاريخى فى البقلاوة، وقيل إن تاريخها يعود فى شكلها الأول إلى الآشوريين، ثم أخذها عنهم الأتراك فى عصور الدولة العثمانية وطوَّروها، أما أشهر الأكلات المصرية التى نقلها المطبخ التركى فهى الفطير والحمام.

Leave a Reply