إعجاز القرآن الكريم

بسم الله الرحمن الرحيم

إن من وجوه إعجاز القرآن الكريم :

أولاً:عدم التعارض بين القرآن وحقائق العلم مهما تقدم العلم :

من وجوه إعجازه، لا يأتيه الباطل أبداً عبر مر العصور.
فأية حقيقة علمية عرضها القرآن، وأي دستور أو قانون أو نظام وضحّه القرآن، وأي مبدأ أو أي تشريع أو أي حكم نطقه، وأي خبر تاريخي أخبر به في الماضي أو مما سيقع في المستقبل, كل هذا ثابت لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه, ومع أن العلوم العصرية تقدمت تقدماً كبيراً كالعلوم الوضعية والمادية، لم نجد في كل هذه العلوم شيئاً ينقض ما في القرآن الكريم من حقائق .
متى ينشأ التناقض؟
1.ينشأ التناقض بين حقيقة علمية وبين خرافة،
2.قد نجد تناقضاً بين الدين وبين النظريات العلمية التي لم تثبت صحتها،
3.ونجد تناقضاً بين خرافة لا أصل لها في الدين وبين حقيقة علمية،
أما أن نجد خلافاً أو تناقضاً بين حقيقة علمية وحقيقة جاء بها القرآن فهذا مستحيل,
قال الله في القرآن الكريم

(لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ)

[سورة فصلت الآية : 42]

في العصر الذي أنزل فيه القرآن لم يظهر ما ينقضه, ولا في العصور اللاحقة بعد ألف عام أو ألوف الأعوام, قال تعالى مشيراً إلى هذا الوجه من وجوه الإعجاز
قال الله تعالى:

(لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)

[سورة فصلت الآية : 42]

وقال تعالى :

(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)

[سورة الحِجر الآية : 9]

فالقرآن الكريم لم يأته الباطل بحالٍ من الأحوال, ولا من وجه من الوجوه, وكذلك لن يأتيه الباطل، ” لم” لنفي الماضي، و ” لن ” لنفي المستقبل لتأبيد النفي ، مهما توالت الدهور واتسعت تجارب الحياة وزادت مكتشفات العلوم .

ثانياً: ذكر القرآن لحقائق علمية قبل اكتشاف أهل العلم هذه الحقائق :

فمن قبيل المثال لا الحصر:

1.الشمس تسير:

في آية حقيقية علمية عرضت, والآن اكتشفوا أن الشمس تسير أي تجري،
وربنا عزّ وجل قال :

(وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)

[سورة يس الآية : 38]

فالقرآن الكريم أثبت ذلك، وهناك الكثير من الحقائق الفلكية، والحقائق النباتية والحيوانية متعلقة بالإنسان، وفي خلق الإنسان، في خلق الأرض في الجبال, فإن كل هذه الحقائق لم يأت مع تطور العصر ومع تطور العلم ما ينقضها إطلاقاً.

2.الكون:

الكون هل هناك كلمة تصلح أن يوصف بها الكون كله؟
ربنا عزّ وجل قال :

(وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ)

[سورة الطارق الآية:11]

أي كل كوكب في السماء له مسار دائري يرجع إلى المكان الذي انطلق منه.

3.النحل:

اكتشف علماء النحل أن النحل لا يمكن أن ينتقل لجني الرحيق قبل أن يستقر في خلية،
وربنا عزّ وجل قال :

(وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)

[سورة النحل الآية : 69]

بعد أن تتخذي من الجبال بيوتاً كلي من كل الثمرات، و” ثم ” للترتيب على التراخي،
والنحل ذكوراً وإناثاً، أما التي تصنع الشمع وتجني الرحيق وتصنع العسل هي الأنثى
قال الله :

(وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنْ اتَّخِذِي)

[سورة النحل الآية : 68]

ياء المؤنثة المخاطبة،

4.العنكبوت:

قال الله تعالى:

(مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)

[سورة العنكبوت الآية : 41]

فالتي تصنع البيت هي العنكبوت الأنثى هذا في القرآن وهذا ما يؤكده العلم.

ثالثاً: تشريعه الثابت الذي يصلح لسعادة الإنسان ومصالحه :

يوجد صحفي من دولة أجنبية كتب مقالة فقال:
من أشد وحشية نحن أم المسلمون؟
لأن الآخرين يتهموننا أن قطع يد السارق نوع من أنواع التوحش، فذكر هذا الصحفي أن ستة عشر مليون سرقة تتم في عام واحد, و أربعون في المئة من هذه السرقات تتحول إلى جريمة قتل ، بل إن الإحصاء الدقيق في كل 30 ثانية ترتكب جريمة سرقة أو قتل أو اغتصاب, هذا الصحفي زار بلداً إسلامياً تقطع فيه يد السارق، رأى أشياء تكاد لا يصدقها العقل، أن هناك شاحنات مكشوفة تحمل ملايين من العملات تنتقل من محافظة إلى محافظة لدفع رواتب الموظفين من دون حراسة إطلاقاً, فربنا عزّ وجل سنَّ هذا التشريع،
فقد سأل شاعر الإمام الشافعي قال له:

يد بخمس مئين عسجد وديت***ما بالها قطعت في ربع دينار

فأجابه الإمام الشافعي رضي الله عنه قال:

عّز الأمانة أغلاها, وأرخصها***ذلّ الخيانة, فافهم حكمة الباري

شيء عجيب! لو أن يداً قطعت بحادث سيارة ديتها في الإسلام خمسمئة دينار ذهبي،
لما كانت أمينة كانت ثمينة, فلما خانت هانت, هذا تشريع إلهي،
لو سألتني أن ألخص لك الفساد البشري بكلمات، أقول لك: الفساد البشري يلخص بعدوانين: عدوان على المال, وعدوان على النساء، هذا كل الفساد البشري، العدوان على المال جزاؤه قطع يد السارق,
قال الله تعالى :

(وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)

[سورة المائدة الآية : 38]

وقال تعالى :

(الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)

[سورة النور الآية : 2]

فالإسلام وضع حداً قاسياً للعدوان على الأموال والعدوان على الأعراض, ولذلك فتشريعاته ثابتة,
هناك دولة لا تؤمن بوجود الله إطلاقاً تصدر قبل سنة تقريباً تشريعاً بمعاقبة من يشرب الخمر, لماذا؟
لأنه قيل في الإحصاء: خُمس الشعب مدمن خمر, وهذا الخُمس مُستهلك غير منتج، لذلك حرّمت قبل عام الخمرة في بلاد شاسعة تمتد بين قارتين تحت طائلة أقصى العقوبات، بينما في الإسلام الخمر محّرم من الأساس، وتحريم الإسلام للخمر من نوع راقٍ جداً، لا في أثناء الدوام ولا خارج أوقات الدوام، ولا في المحافل الخاصة ولا في المحافل العامة, فالخمر حرام وانتهى الأمر، أما يجوز لو منع الخمر بقرار أو بقانون يشرب ليلاً، ويشرب سراً، ويشرب تهريباً،
فربنا عزّ وجل قال :

(لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ)

[سورة فصلت الآية:42]

في أي مبدأ أو تشريع أوضحه، وتجارب الحياة تثبت باستمرار كمال مبادئ الإسلام وتعاليمه وقوانينه وأنظمته وسلامتها وصلاحيتها لسعادة الناس جميعاً
قال تعالى :

(إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً * وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً)

[سورة الإسراء الآية : 9-10]

رابعاً: ظهور واقعية الخبر التي وعد القرآن به في المستقبل :

لا يأتيه الباطل في أي خبر أخبر به عما سيحدث في مستقبل أيام الدهر فمثلاً:

1.الدخول إلى البيت الحرام :

قال تعالى:

(لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً)

[سورة الفتح الآية : 27]

وقد تحقق ما أخبر الله به في هذه الآية, فدخل النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه المسجد الحرام آمنين محلقين رؤوسهم ومقصرين غير خائفين، إنها آية وردت ثم تحققت.

2.حكم المؤمنين للأرض :

وقوله تعالى :

(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)

[سورة النور الآية: 55]

وقد وفى الله للمؤمنين هذا الوعد، فحكم المسلمون مشارق الأرض ومغاربها, ورفرفت رايتهم في أطراف الأرض، ووصلوا إلى مشارف باريس, وإلى أطراف جنيف من الغرب ومن الشرق، وإلى أطراف الصين, والقسطنطينية التي كانت معقلاً للروم.

3.ظهور الإسلام :

وقوله تعالى :

(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)

[سورة الصف الآية : 9]

وقد تحقق ظهور الإسلام على سائر الأديان بالحكم والسلطان, حينما طبق المسلمون إسلامهم بالحجة والبرهان في كل عصر.

4.فتح مكة :

وقوله تعالى :

(وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)

[سورة الصف الآية : 13]

وقد تحقق ذلك فتم نصر الله للمؤمنين من أصحاب رسول الله, فتم لهم الفتح القريب وهو فتح مكة.

5.انتصار الروم على الفرس :

وقوله تعالى :

(الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)

[سورة الروم الآية : 1-6]

وقد تحقق ذلك فانتصر الروم على فارس بعد ذلك في بضع سنين كما أخبر الله عزّ وجل في القرآن الكريم, كل هذه الآيات التي تتحدث عن المستقبل تحققت,
قال الله :

(لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ)

[سورة فصلت الآية: 42]

لا من حيث الآيات العلمية، ولا من حيث التشريعات, ولا من حيث الأخبار الماضية, ولا من حيث الأخبار المستقبلية، هذا كله وقع،

6.فرعون المحنّط :

والآن فرعون المحنّط الذي أُخذ إلى فرنسا لترميمه, هذا الفرعون هو الذي يثبت العلماء أن طريقة موته كانت غرقاً,
قال الله :

(فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ)

[سورة يونس الآية : 92]

كل شيء أخبر عنه في التاريخ صحيح .

خامساً: حفظه من أي ضياع أو تحريف أو تبديل قد يطرأ عليه :

لا يأتيه الباطل بأن تتعرض نصوصه للضياع أو التحريف أو التبديل بالزيادة فيها أو النقص منها، وقد تم فضل الله فصدق وعده, فعّم القرآن وانتشر بأحكم طريقة علمية يمكن أن تتوصل إليها الإمكانات الإنسانية، وحفظه الله كما أنزله طوال هذه القرون دون أن يستطيع أحد أن ينقصوا منه شيئاً أو أن يزيدوا فيه حرفاً,
يروى أن الإنكليز مرة طبعوا خمسين ألف نسخة مصحف في أيام العثمانيين ووزعوها وحذفوا كلمة غَيْرَ في الآية الكريمة :

(وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)

[سورة آل عمران الآية : 85]

فجمعت النسخ هذه وأحرقت، فالله عزّ وجل سخر أناساً تحريريين محققين مدققين يضبطون النصوص، والآن لا يوجد تبديل فتحة أو ضمة أو كسرة أو حرف جر، فترى كل مصحف والحمد لله قام بتصحيحه فقد سخر الله عزّ وجل لهذا الكتاب الكريم علماء يضبطون النصوص.

سادساً: سلطانه العجيب في هداية الإنسان وتأثيره على قلبه وعقله :

وجه آخر من وجوه إعجازه كما قال بعض العلماء: سلطانه العجيب في الهداية، فحينما تقرأ كتاب الله عزّ وجل تشعر وكأن هذا الكلام ليس كلام البشر، بل كلام خالق الكون ، الذي خلق السموات والأرض, ورفع السماء بغير عمد، ومن بيده أمرك ومصيرك، ورزقك وحياتك، لذلك تُليت بعض آيات القرآن على بعض العلماء الأجانب فقالوا: هذا الكلام من فوق هكذا عبروا، أي قائل هذا الكلام يرى الكون كله، فقال العلماء: سلطان القرآن العجيب فيه هدايته للإنسان، وفيه تأثيره المعنوي على عقول الناس، إذا كان الإنسان صافياً أو بعيداً عن أثقال المادة وعن زيف الحضارة، وقرأ كلام الله عزّ وجل يخشع قلبه، و يقارب أن يبكي، ويشعر أنه يذوب، ويقشعر جلده من خشية الله،
قال تعالى:

(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)

[سورة الأنفال الآية: 2]

تقشعر منه جلود الذين يؤمنون بالله عزّ وجل، فهذا التأثير وهذا السلطان العجيب الذي إذا قرأت القرآن شعرت به من إعجاز القرآن الكريم .
الحقيقة ببعض الأعمال العظيمة هناك سر لا نعرف ما هو؟
فالأثر واضح أما طبيعة هذا السر فلا نعرفه, ولو أن إنساناً قرأ كتاباً آخر من صنع بشر مهما كان هناك تألق لفظي، ومهما كان هناك سجع في اللفظ ، وفواصل دقيقة، وصور، وتشابيه، واستعارات، وانتقاء الكلمات وموسيقى داخلية، وموسيقى خارجية، تشعر أن هذا كلام البشر, ولكنك إذا تلوت كتاب الله عزّ وجل تشعر أنه كلام الخالق بسلطانه العجيب! وهذا هو السر في تجمع مختلف الشعوب والأمم حوله, و كلام البشر تقرؤه مرة ومرتين, وثلاثاً وأربعاً، تشعر بأنك تخلصت منه، وفهمت معانيه، ويمكن لو أنك كُلّفت أن تقرأه مرة خامسة لشعرت بالضجر والضيق، ما السر؟
إنك لو قرأت كلام الله آلاف المرات فتُشعر أنه كل مرة كان عليك جديداً لا تبلى جدته، ولا يخلق على كثرة الترداد، وتقول هذه الآية: أقرأها آلاف المرات, وكلما قرأتها اقشعّر جلدي,
قال الله :

(وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى * وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى *وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى * أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآَوَى * وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى * فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)

[سورة الضحى الآية : 1-11]

وفي سورة الليل:

(وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى * فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى * وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى * إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى * وَإِنَّ لَنَا لَلْآَخِرَةَ وَالْأُولَى * فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى * لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى * الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى * وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى)

[سورة الليل الآية : 1-21]

في سورة الرحمن :

(الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآَنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ * الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ * وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ * وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ)

[سورة الرحمن الآية : 1-7]

تقرأ بعد ذلك :

(فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ)

[سورة الرحمن الآية : 13]

كررت هذه الآية 33 مرة, وكأنها لازمة تترنم بها هذا سر صياغة كلام الله, و نحن عاجزون عن إدراك السر,
قال الله :

(لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)

[سورة الحشر الآية : 21]

وقال أيضاً:

(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)

[سورة البقرة الآية : 185]

إن سلطانه عجيب! ونحن عرفنا الأثر ولم ندرك سر التأثير،

فسيدنا جعفر قرأ القرآن على النجاشي, ومن حوله الرهبان فأخذت الخشية تتغشاهم فأجهشوا جميعاً بالبكاء, أرسل النجاشي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين عالماً من علماء النصارى إلى رسول الله, فلما قرأ عليهم سورة ” يس ” بكوا جميعاً وآمنوا, هكذا تروي السير، فربنا عزّ وجل ذكر هذه الحادثة

فقال الله تعالى في القرآن الكريم :

(وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ)

[سورة المائدة الآية : 83]

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ فَلَمَّا بَلَغَ هَذِهِ الآيَةَ ( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ ) قَالَ كَادَ قَلْبِي أَنْ يَطِيرَ

[البخاري ومسلم عن جبير بن مطعم عن أبيه في صحيحهما]

يتأثر الإنسان في القرآن, ولكن من انطمست فطرته بالشهوات وغاص بالملذات الحسية إلى قمة رأسه فهذا قلبه ميت، ولكن من كان بعيداً عن نزوات الشهوة, وعن أوحال المادة, وقرأ كلام الله عزّ وجل فربما قال: إن أجمل ساعات حياتي حينما اقرأ كتاب الله، لأن رحمة الله تتنزل على قلبه .

سابعاً: شمولية القرآن من تشريع ومعارف وأخبار يعجز الإنسان عن الإتيان بمثله:

من وجوه إعجازه أيضاً, أن ما في كتاب الله من حكم وأحكام، وعظــات وأخلاق، ومبادئ وعقائد، وتشريعات وأخبار عما مضى, وعما هو آت، ومعارف جزئية، وعلوم كلية، بلغت كلها مبلغاً لا يرقى الإنسان إلى الإتيان بمثله في تماسكها، وترابطها، وموافقتها للحق والمصلحة وسعادة الناس جميعاً, وما زال على تعاقب العصور بهذا المستوى رغم تقدم العصور, وتطور المعارف وتجربة مختلف المبادئ, والقوانين والأنظمة الوضعية والإنسانية, ولم يزل كذلك أبد الدهر, مع كل هذه الكمالات فقد أُنزل على رجل أُميّ لم يتعلم القراءة والكتابة, ولم يسبق له دراسة ولا قراءة, ولا تعلم على يد أحد، ولا علمه أحد، وفي أمة أميّة لا تعرف شيئاُ من هذه العلوم والمعارف التي جاء بها, وهذا أكبر دليل على أن هذا الكلام من عند الله,
قال الله تعالى يخاطب النبي عليه الصلاة والسلام في معرض الحديث عن أهل الكتاب:

(وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ * وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ)

[سورة العنكبوت الآية : 47-48]

من حكم الله البليغة أن النبي عليه الصلاة والسلام كان أُميّاً, لماذا؟
لأنه لو درس أو تعلّم أو استوعب ثقافة عصره ثم جاءه الوحي لاختلط على الناس الوحي بالثقافة، ولقالوا: يا محمد قل لنا: هذه من عند ربك أم من عندك؟ ولكان أكثر سؤال يتوارد عليه طوال حياته هذا السؤال, ولحكمة بالغة منع عنه ثقافة العصر، إذ جعله أُميّاً ليكون كل علمه من عند الله .
قال الله تعالى في القرآن الكريم:

(وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)

[سورة النجم الآية : 3-4]

ليكون كل علمه وكل أقواله إنما هي وحيٌ يوحى,
ولذلك فقد قال علماء الأصول:

القرآن وحي متلو، والسنّة وحي غير متلو، و أكثر العلماء على أن الأحاديث الشريفة إن هي إلا وحي يوحى, ولذلك كان النبي عليه الصلاة والسلام أُمياً لئلا يختلط وحي السماء بثقافات البشر .

ثامناً: إعجازه في البلاغة والفصاحة :

من وجوه إعجاز القرآن الكريم بلاغته وفصاحته, و أعلى كتابة في اللغة العربية من حيث الفصاحة والبلاغة هي كتاب الله عزّ وجل, فالفصاحة في كلماته، والبلاغة في تراكيبه، وانتقاء الكلمات من أعلى مستوى, وتأليف الكلمات في جمل من أرقى بنية، وتناسب الألفاظ مع المعاني، وتناسب المعاني مع مقتضى الحال، يعد أعلى مستوى في اللغة العربية, وأما الكلام عن إعجازه اللغوي، وإعجازه البياني، فحديث طويل أُلفت فيه المجلدات، فماذا نفعل في هذه السطور؟ فمثلاً:

1.بذل المال، وبذل النفس :

فبذل المال، وبذل النفس، في القرآن الكريم جاء بهذا الترتيب,
قال الله :

(وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ)

[سورة الحجرات الآية : 15]

وقال:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)

[سورة الصف الآية : 10-11]

في أكثر من 18 موطناً فيما أذكر ورد بذل المال مقدمٌ على بذل النفس, لأن بذل المال أهون من بذل النفس إلا في موطن واحد ورد فيه بذل النفس مقدماً على بذل المال,
قال الله :

(إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ)

[سورة التوبة الآية : 111]

وهنا بيع قطعي وفي البيع القطعي يقدم الأهم على المهم، بينما في البذل يقدم الأيسر على الأعسر، حكمة بالغة .

2.غفور رحيم :

في مواطن كثيرة وردت كلمة “غفور رحيم”, إذا اجتمع اسم المغفرة والرحمة فاسم الغفور مقدمٌ على اسم الرحيم, لماذا ؟
لأن درء المفاسد مقدم على جلب المنافع، الغفور مقدمٌ على الرحيم, ولذلك ورد في الترتيب كما يلي إلا في آية واحدة جاءت فيها كلمة رحيم غفور , هذه آية وحيدة ورد فيها اسم الرحيم قبل اسم الغفور,
قال الله :

(يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ)

[سورة سبأ الآية : 2]

لماذا؟
لأنه في آيات أخرى حيثما وردت كلمة العلم وردت معها كلمة الرحمة, لأن العلم من غير رحمة طامة كبرى كما هي الحال في هذا العصر, حينما تقدم العالم الغربي تقدماً مذهلاً في العلوم, ولم يرافق هذا التقدم تقدم في القيم فأصبح هذا التقدم جحيماً للبشرية
فربنا عزّ وجل قال :

(رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً)

[سورة غافر الآية : 7]

وقال عزّ وجل:

(وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)

[سورة الأعراف الآية : 52]

وقال عزّ وجل:

(فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً * قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ)

[سورة الكهف الآية : 65]

في أكثر الآيات تأتي كلمة الرحمة مع العلم, لأن العلم من دون رحمة سلاح مدمر، والعلم من دون رحمة جعل القنبلة النووية، وهذه القنبلة الذرية أُلقيت في الحرب العالمية الثانية، وكانت في البدايات قنبلة متواضعة جداً 300000 إنسان ماتوا بثوانٍ، فهذا هو العلم من دون رحمة, والآن يقولون: هناك حرب جرثومية, و حرب كيميائية، ومواد تصيب الإنسان بالشلل، ومواد كيميائية تصيبه بالهوس والخَوَر، وهناك قنابل عنقودية، و قنابل تلفزيونية، وقنابل حارقة، فهذا ليس بعلم بل كله جهل، وهذا كله علم من دون رحمة، وهناك قنابل تبيد البكتريات في الأرض ، فتصبح الأرض غير صالحة للزراعة, فهذا ليس بعلم،
قال الله:

(رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا)

(كِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً)

(آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا)

في أكثر الآيات اجتمعت الرحمة مع العلم، وفي عصرنا هذا انفرد العلم من دون الرحمة ، ومن علامات آخر الزمان أن تنعدم الرحمة من قلوب الناس، لا يرحمك مهما كنت ضعيفاً, وقد يتلذذ بشقائك، هكذا العالم الغربي يخلق في العالم مشاكل، ويبيع هذه البلاد أسلحة من أجل أن يفنى بني البشر .

3.السمع والأبصار:

وهناك شواهد أخرى حول هذا الموضوع كثيرة,
قال الله :

(أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ)

[سورة المؤمنون الآية : 78]

دائماً السمع مقدم على البصر في أكثر الآيات, لأن تخلّق السمع يكون قبل تخلّق البصر، فهناك ترتيب زمني، وقد يكون هناك ترتيب من حيث الأهمية، فالسمع يؤمن لك دائرة أمان أوسع من دائرة البصر، فسائق السيارة لا يرى شيئاً أمامه, ولكن هناك صوت للمحرك خطير ، يقول لك: يوجد صوت, فدائرة السمع أوسع من دائرة البصر, فقُدّم السمع على البصر إما تقديماً في المرتبة, رتبته أعلى من رتبة البصر إلاّ في آية واحدة,
قال الله :

(رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا)

[سورة السجدة الآية : 12]

لأن سرعة انتشار الصورة يعني ” الضوء ” أسرع بكثير من سرعة انتقال الصوت، سرعة الصوت 330 متر بالثانية، لكن سرعة الضوء 300000 كيلو متر بالثانية، ترى البرق وبعد حين تسمع صوت الرعد، فانتقال الصوت إليك كان بطيئاً جداً.

4.التجارة واللهو:

قال الله تعالى في القرآن الكريم:

(وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)

[سورة الجمعة الآية : 11]

الله بدأ بالتجارة, لأنه لا لهو من دون تجارة، فاللهو يحتاج لأموال طائلة، فإذا دخل رجل قاعة فيها قمار فيجب أن يكون معه ملاييـــن،
وف نهاية الآية قُدم اللهو عن التجارة, لأنك إذا تركت الصلاة لعلة اللهو أشد إثماً وتفريطاً من تركها لعلة التجارة.

5.ترتيب الأقارب:

الأقارب جاء ترتيبها في كتاب الله بشكل عجيب,
فربنا عزّ وجل يقول :

(زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ)

[سورة آل عمران الآية :14]

الله عزّ وجل بدأ بالنساء, ثم البنين، ثم القناطير المقنطرة من الذهب والفضة، ثم الخيل المسومة، ثم الأنعام، ثم الحرث، سنأخذ أول واحدة, لماذا بدأ بالنساء؟ لأنَّ الآية في موضع المتعة,

(ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)

وهناك آية ثانية :

(قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)

[سورة التوبة الآية : 24]

فالمحبة الحسية للمرأة في الدرجة الأولى، والمحبة القلبية للأب، لأن حبه لابنه سبق حب ابنه له من باب الوفاء، فربنا عزّ وجل بموضوع الاعتزاز الاجتماعي بدأ بالأب, ( قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ ) أبوة فبنوة فأخوة، وهذا ترتيــب الأقارب .
وهناك آية ثالثة :

(يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ * وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ)

[سورة المعارج الآية : 11-14]

في موطن دفع الفدية أغلى شيء الابن،
وفي آية رابعة :

(فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ)

[سورة عبس الآية : 33-37]

ففي موطن الاستنجاد والاستغاثة الأخ, أما الذي يعينك فأخوك، فهنا بدأ بالأخ،
وهنا بدأ بالابن، وهنا بدأ بالأب، وهنا بدأ بالزوجة، وهذا الترتيب دقيق جداً، إذ يعجز عنه البشر, والله عزّ وجل عليم بما في النفوس،

تاسعاً: تحدي العالم أن يأتوا بمثله :

الله سبحانه وتعالى تحدى الناس جميعاً أن يأتوا بمثله أو بمثل ســـورة منه, فما استطاع واحد منهم أو جماعة منذ بعثة النبي صلى الله عليه وسلم حتى عصرنا هذا أن يعارضه بكتاب مثله,
القرآن تحدى الناس جميعاً أن يأتوا بمثله أو بمثل سورة منه على الرغم من وجود أعداء كثيرين للإسلام في عصور التاريخ, ومنهم دول كبرى, وهم يتمنون لو يستطيعون معارضة القرآن لا شتروا ذلك بالقناطير المقنطرة من أنفس ما يملكون،
قال تعالى :

(وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)

[سورة البقرة الآية: 23]

وقال تعالى معلناً عجز الإنس والجن عن معارضته:

(قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً)

[سورة الإسراء الآية: 88]

فأنت بعد مضي ألف وخمسمئة عام أو أربعمئة عام على بعثة النبي عليه الصلاة والسلام تفتح القرآن، فتقرأ آية، ترى الناس لو اجتمعوا لا يستطيعون أن يصيغوا منهجاً للزوج كهذا المنهج، ولا منهجاً للقاضي كهذا المنهج، ولا منهجاً لمن بيده الأمر كهذا المنهـج، إنه منهج صحي، واجتماعي، واقتصادي، ودولي، وهو منهج في الحرب، و في السلم، و في العلاقات الشخصية، و الأحوال الشخصية، فهذه المعجزة التي جاء بها النبي عليه الصلاة والسلام هي بين ظهرانينا .دلائل وعبر من القرآن
قال:

(أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)

[سورة المُلك الآية : 14]

فالقرآن الكريم من حيث الإعجاز, واللهِ لا يفي بحق هذا الموضوع لا درس ولا درسان, ولا سنة ولا سنتان, ولا العمر يمكن أن يفي بحق هذا الموضوع, ففيه إعجاز بياني، وإعجاز تشريعي، و إعجاز تاريخي، و إعجاز بلاغي، و إعجاز غيبي، و إعجاز علمي، و إعجاز حسابي,
والقرآن الكريم كما أحصاه المحصون
كلمة يوم وردت حصراً 365 مرة، وكلمة شهر وردت 12 مرة حصراً,
وفي القرآن الكريم عدد كلمات الجنة يساوي عدد كلمات النار،
وكلمات الجن ككلمات الإنس، وكلمات الدنيا ككلمات الآخرة،
وكلمات الملائكة ككلمات الشياطين،
كيف جاءت بأعداد متوافقة تماماً إنه لشيء عجيب؟ فهذا إعجاز حسابي، وهناك إعجاز رياضي، هكذا وقد وقفنا على بعض من ألوان الإعجاز من أجل أن نعلم أن هذا القرآن كلام الله، وأن الذي جاء به رسول الله عليه الصلاة والسلام .

والحمد الله رب العالمين

Leave a Reply