يضربُ العلماء مثلاً في استِخدام الألفاظ للدلالة على المعاني في اللغة العربية كلمتي الفقير والمسكين، فهاتان الكلمتان إذا افترقتا دلّت كلّ واحدة منهما على نفس معنى الكلمة الأخرى، أما إذا اجتمعتا فالفقير اسمٌ يدلّ على جميع المحتاجين، بينما تدلّ كلمة المسكين على بعض الأفراد من هؤلاء المحتاجين ولا تدلّ على المُحتاجين جميعاً.[١]
ومن الألفاظ التي تدلّ على المعنى نفسه إذا افترقت الإيمانُ والإسلام، فإذا افترق اللفظان دلّ كلٌّ منهما على الآخر، فإذا قيل الإسلام دلّ على معناه وعلى معنى الإيمان، وإذا ذُكر الإيمان دلّ على معناه وشَمِل معنى الإسلام، وقد استخدم الرسول الكريم هذا الأسلوب وتكلّم عن الإسلام بدلالته الإيمانيّة[١].
رُوي عن عمرو بن عَبَسة، قال: (قال رجل: يا رسول الله، ما الإسلام؟ قال: أنْ تُسلمَ قلبك، وأنْ يَسلمَ المسلمون من لسانكَ ويدكَ، قال: فأيُّ الإسلامِ أفضل؟ قال: الإيمان، قال: وما الإيمان؟ قال: أنْ تؤمن بالله وملائكتهِ وكتبهِ ورسلهِ والبعثِ بعد الموتِ، قال: فأيُّ الإيمان أفضل؟ قال: الهجرة، قال: وما الهجرة؟ قال: أنْ تهجرَ السُّوءَ، قال: فأيُّ الهجرةِ أفضل؟ قال: الجهاد، قال: وما الجهاد؟ قال: أنْ تقاتلَ الكفَّار إذا لقيتَهم، قال: فأيُّ الجهادِ أفضل؟ قال: مَن عُقرَ جوادُهُ وأُهريقَ دمُهُ، قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: ثمَّ عَملانِ هما أفضلُ الأعمالِ إلا من عَملَ بمثلِهما؛ حجَّةٌ مبرورةٌ أو عمرةٌ) [٢]
وأمّا إذا اجتمع اللفظان فإنَّ الإسلام يدلّ على جميع الأفراد؛ لأنَّ الإسلام اسمٌ عامٌ، أمّا الإيمان فيدلّ على جزءٍ محدّدٍ مخصوصٍ من المسلمين، الذين تميّزوا بإسلامهم فاستحقوا وَصْفهم بالمؤمنين، قال أبو بكر الإسماعيلي في رسالته إلى أهل الجبل: (قال كثيرٌ من أهل السنّة والجماعة: إنَّ الإيمان قولٌ وعملٌ، والإسلام فعلُ ما فُرض على الإنسان أن يفعله، إذا ذُكر كلّ اسمٍ على حِدَته مضموماً إلى آخر فقيل: المؤمنون والمسلمون جميعاً مفردَيْن، أُريدَ بأحدهما معنىً لم يُرَد بالآخر، وإذا ذُكر أحد الاسميْن، شمِل الكلَّ وعمَّهم).[١]
وخُلاصة القول في الفرق بين الإسلام والإيمان إذا دخل الشخص في الإسلام، أو كان مُسلماً لأبوين مسلمين، ثمّ بدأ يُدرك معنى الإسلام فهو في المرتبة الأولى من مَراتب الدين الإسلامي الإيمانية، ولم يصل إلى الإيمان بعد؛ ثمّ إذا ارتقى هذا الإسلام ليُحقّق بعض القواعد الإيمانية فإنّه يكون في المرتبة الثانية بعد الإسلام وهي مرتبة الإيمان، فمراتب الإيمان الإسلامي ثلاثة؛ تبدأُ بالإسلام فإذا ارتقى المسلم وصل إلى مرتبة الإيمان، ثم إذا وصل إيمانه لمرحلةٍ يعبد فيها الله كأنه يراه ويطّلع عليه فقد وصل إلى أعلى مَراتب الإيمان، وهي مرتبة الإحسان.[٣]
…………………………………………………….
حقيقة الإسلام والإيمان
حقيقة الإسلام
الإسلام هو استسلام العبد المُسلم لله استِسلام خُضوع واستسلام انقياد، وذلك يكون بالأعمال الظاهرة قولاً وعملاً، والعبادات القوليّة الظاهرة، مثل شهادة أنْ لا إله إلا الله وأنّ محمَّداً رسول الله، والعبادات العمليّة الظاهرة مثل إقامة الصلاة؛ وهي عبادةٌ جسديّةٌ ظاهرة، وإيتاء الزكاة؛ وهي عبادةٌ ماليّةٌ ظاهرة، والحجّ لمن كان بَعيداً عن مكّة يُعتبرُ عبادةً جسديّةً وماليّةً في آنٍ واحدٍ؛ لِما في الحجِّ من مشقّة جسديّة وماليّة عندما تكون المسافة بعيدة، ومثل الصوم كذلك فهو عِبادة جسديّة ظاهرة[٤].
بيّن الرسول صلى الله عليه وسلّم معنى الإسلام في الحديث الشريف لمّا سُئل عن الإسلام، فأجاب -عليه الصلاة والسلام-: (الإسلام أنْ تشهد أنْ لا إله إلا الله وأنَّ محمَّداً رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وتُقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحجّ البيت، إنْ استطعت إليه سبيلاً)[٥]
حقيقة الإيمان
الإيمانُ هو التصديقُ والإقرارُ والمعرفة القلبيّة، وقد فسَّر النبيُّ الكريمُ -عليه الصلاة والسلام- الإيمان بأعمال القلوب الباطنة، التي لا يطّلعُ عليها إلا الله سبحانه وتعالى، فقال مُفسِّراً الإيمان ومبيِّناً له: (أنْ تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشرّه)[٥].
الإيمان يُمكن أن يُطلق عليه قولُ القلب؛ فإنّ للقلب قولاً وعملاً، فأمّا القول فهو التصديق القلبي، وأمّا عمل القلوب فهو كمَحبّة الله سبحانه وتعالى، ومحبّة الرسول الكريم -عليه الصلاة والسلام-، ومحبّة كلّ ما يُحبّه الله ورسوله، ونحو ذلك من أعمال القلوب.[٦]
………………………………………………………………
الإيمان والإسلام في القرآن الكريم
تحدّث القرآنُ الكريم عن الإيمان والإسلام، ومن أهمّ الآيات التي تناوَلت الإيمان والإسلام سواءً باستخدام اللفظين مُجتمعين في الآية نفسها، أو باستِخدام الإيمان والإسلام بأن يستقلّ كلٌّ من اللفظين منفصلاً عن الآخر، وفيما يأتي بعض الآيات التي تحدّثت عن الإيمان والإسلام:
قال تعالى: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ، إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أُولَـئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)[٧]
قال تعالى: (إِنَّمَا المُؤمِنونَ الَّذينَ إِذا ذُكِرَ اللَّـهُ وَجِلَت قُلوبُهُم وَإِذا تُلِيَت عَلَيهِم آياتُهُ زادَتهُم إيمانًا وَعَلى رَبِّهِم يَتَوَكَّلونَ، الَّذينَ يُقيمونَ الصَّلاةَ وَمِمّا رَزَقناهُم يُنفِقونَ، أُولئِكَ هُمُ المُؤمِنونَ حَقًّا لَهُم دَرَجاتٌ عِندَ رَبِّهِم وَمَغفِرَةٌ وَرِزقٌ كَريمٌ)[٨]
قال تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّـهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّـهِ فَإِنَّ اللَّـهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ، فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّـهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوا وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّـهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)[٩]