بطولاته فى حربى الاستنزاف وأكتوبر شاهدة على أعظم أعمال الفداء.. لم يعبأ بأسرته ليتركها بحثا عن النضال من أجل الحرية وإنقاذ وطنه من استبداد الاحتلال الإسرائيلى.. فأرض سيناء أغلى من روحه ودمه وأهله.. إنه محمود طه منسق منظمة سيناء العربية.
«المصرى اليوم» انتقلت إلى منزل ابنة البطل، حيث التقينا به مع أفراد أسرته فى لقاء يجمع البطل والابنة والحفيدة يتحدثون عن نصر أكتوبر المجيد الذى انتقل عبر الأجيال تاركا الفخر والاعتزاز بأعظم نصر فى تاريخ مصر ليلتحق بباقى انتصارات الدولة ضد أى عدوان على مر التاريخ.
افترش طه حوله صوراً حربية وقصاصات ورقية منزوعة من جرائد قديمة تروى انتصاراتهم وتحمل صور المجاهدين الذين رووا بدمائهم العطرة أرض سيناء والسويس فداء للوطن، وراح يمسك بورقة كتبها بخط يده مدونا داخلها أهم العمليات التى كانت لها دوى صافع على وجه إسرائيل ملحقا بها خسائر فادحة، الورقة تحمل 8 عمليات بحرب الاستنزاف فيما كانت العملية الأخيرة معركة 24 أكتوبر لمنع الصهاينة من احتلال السويس.
استرجع طه انطلاق العزيمة داخله عقب نكسة 67 عندما انضم مع الكثير من الشباب المتطوعين الذين تجمعوا داخل مدرسة كفر أحمد عبده القديم ثم بدأوا يتلقون التدريبات فى مدرسة أخرى على كيفية حمل السلاح والتعامل به ضد العدو، ثم انتقلوا لتدريبات أكثر قوة وأشد صعوبة قام بتدريبهم عليها ضباط بالصاعقة من الجيش الثالث الميدانى تحت إشراف المخابرات الحربية فى غبة البوص بالقرب من العين السخنة، وفى الهرم بالجيزة ومطار القاهرة.
يقول طه: «كان يتدرب معى عدد من المجاهدين على كيفية ضرب المنشآت وتدمير المطارات وكيفية نسف السكة الحديد بينما كان أول من قام بالعمليات كل من غريب محمد غريب وعبدالمنعم خالد، حيث أرسلتهما المخابرات الحربية حينذاك لاستطلاع المنطقة شرق قناة السويس للتعرف على تحركات العدو ثم يعاودون أدراجهم لنقل المعلومات ثم بدأنا التحرك فى المرحلة الثانية وهى زرع الألغام بطرقات ومدقات العدو».
واستكمل طه حديثه متذكرا أول عملية مهمة بتاريخ 8 يوليو 1967 وهى أسر ضابط واثنين من الجنود الإسرائيليين أثناء محاولتهم رفع العلم الإسرائيلى على إحدى الشمندورات بحوض قناة السويس ببورتوفيق، وكانت العملية الثانية محاولة خطف مدير المخابرات الحربية الإسرائيلية التى يقول عنها طه: «لم تنفذ بتدخل القدر الذى جعلنا نقوم بعملية نكبد فيها العدو خسائر أكبر ونحمى لنشات البحرية المصرية من قصف العدو».
وأوضح: «انطلقنا فى يونيو 1969 فى لنش من أجل خطف رئيس المخابرات الحربية الإسرائيلية إلا أن اللنش تعطل بنا، وكنا نحو 16 فدائيا، وعندما علم الرئيس جمال عبدالناصر بالمشكلة أمر الوحدات البحرية الخاصة بحماية البحر الأحمر بقيادة النقيب السرساوى بالخروج للبحث عنا، فى تلك اللحظة كان العدو يبحث عن اللنشات المصرية الموجودة بالبحر الأحمر لقصفها، وفى الوقت الذى تحركت فيه البحرية المصرية لإعادتنا من منتصف البحر كنا فى المياه على مسافة قريبة من العدو، ولم يرونا بينما خرجت طائرتان إسرائيلتيان لقصف اللنشات البحرية الخاصة بمصر، فتمكن الجنود البواسل بالوحدات الصاروخية من تدمير طائرتى العدو فسقطت إحداهما على جبل عتاقة وتم أسر الطيار الذى كان يقودها عقب نزوله بالمظلة، واسمه نسيم هارون قائد السرب الإسرائيلى والذى تم استجوابه من قبل المخابرات الحربية وأخبرهم بتفاصيل العملية التى كان ينوى القيام بها فيما سقطت الطائرة الثانية بشرق القناة، وعند عودتنا للعين السخنة كان فى استقبالنا الرئيس جمال عبدالناصر الذى جاء بطائرة هليكوبتر للاطمئنان علينا وتشجيعنا».
وتابع: «فى 5 نوفمبر 1969 كانت عملية وضح النهار، حيث قمنا بخطف ضابط إسرائيلى، ورفعنا العلم المصرى على أرض سيناء، وضربنا دبابة دمرها المرحوم حلمى حنفى شحاتة، فيما قمت بضرب وتدمير مدرعة إسرائيلية عليها أربعة جنود صهاينة، بينما قام كل من الشهيد إبراهيم سليمان والشهيد فايز حافظ أمين بقذف المدرعة الثانية، حتى جاء نصر أكتوبر المجيد بعبور الجيش القناة وخوضه أشرف وأعظم حرب ضد إسرائيل سجل فيها بطولات قام بها الجنود والضباط البواسل».
وأمسك طه بورقة أخرى كان قد دون فيها بخط يده خسائر العدو فى 24 أكتوبر بمدينة السويس وهى نحو 32 دبابة ومصفحة ومجنزرة إسرائيلية، ومقتل نحو 150 جنديا وضابطا إسرائيليا وإصابة 500 آخرين.
وفى ظل سرده للبطولات أخذت هبة نجلة الفدائى محمود طه تنظر لوالدها بكل فخر وراحت تقول: «والدى والأبطال الذين كانوا معه صنعوا تاريخا للأجيال القادمة منهم نستمد روح الانتماء التى من الضرورى أن يشعر بها كل مصرى فى هذا الوطن الغالى بعدما قدم لنا هؤلاء المجاهدون أروع أنواع الفداء وأغلاه على الإطلاق، ونحتاج الآن أن يتعلم الشباب كيف يحبون وطنهم بطريقة صحيحة تساعد هذه الأجيال على التقدم والازدهار وإحداث طفرة فى التكنولوجيا من أجل بناء مصر الحديثة، وأن يتعلموا كيف يحمون وطنهم من الإرهاب، فحب الوطن ليس كلمة فحسب إنما تضحيات بكل غال ونفيس مثل ما فعلته المقاومة الشعبية فى الاستنزاف وحرب أكتوبر».
وأضافت: «انتماء الوطن يمنح ولا يطلب هكذا كان والدى يردد لنا دوما لأن مصر أغلى من أى شىء فنحن جميعا نحتاج إلى هذا الوطن ولابد من تعليم الأجيال القادمة كيف تحيى علم مصر، ونغرس روح الانتماء داخلهم والحب أثناء تحية العلم».
كريمان شريف حفيدة محمود طه بالصف الثالث الإعدادى التقطت أطراف الحديث من لسان والدتها قائلة: «أشعر بنصر أكتوبر مجددا كلما ذهبت مع جدى لتكريمه فى الجيش والاحتفالات التى تقام لأبطال المقاومة، وسعادتى لا توصف واعتزازى به أكبر بكثير من أى كلمة أثناء تكريمه من قائد الجيش الثالث الميدانى أو المحافظ ومدير الأمن، فعندها أقول له يا جدى أخذت رسالة النصر منك وأسلمها للأجيال القادمة، فصديقاتى وزملائى بالمدرسة لا يعرفون تفاصيل ما حدث فى حرب الاستنزاف ومعركة 24 أكتوبر مرورا بحصار السويس 100 يوم حتى رحل العدوان دون أن يتمكن من احتلال المحافظة، وأنا أحكى لهم بطولات جدى ومن معه بكل شجاعة فى مواجهة الإسرائيليين والقضاء عليهم».