تصوير :
أدهم خورشيد
شهدت حرب أكتوبر 1973 بطولات للعديد من أبناء الشعب المصرى بوجه عام، ورجال القوات المسلحة البواسل على وجه الخصوص، فبعيداً عن نجاح الحرب فى استعادة الأراضى المصرية، وهيبة الجيش المصرى، ووضع حد لأسطورة إسرائيل فى مواجهة العرب، فضلا عن التأثير القوى على الصعيد النفسى الإسرائيلى، فقد ترك الانتصار أثرا قويا فى نفوس الإسرائيليين الذين فقدوا الثقة فى تفوقهم الدائم، وشهد على ذلك بطولات رموز وعناصر من أبطال القوات المسلحة الذين كانت لهم ملاحم خلال تلك الحرب.
«المصرى اليوم» تحاورت مع عدد من أبطال حرب أكتوبر، حيث بدأ اللواء طيار وصفى بشارة حديثه بالقول إن الروح المعنوية العالية وحب الوطن وضرورة استرجاع الكرامة كانت الدوافع الأساسية لتحقيق الانتصار فى حرب أكتوبر.
وأوضح أن دوره فى حرب أكتوبر تمثل فى المشاركة فى حماية القوة الضاربة، والقوات البرية خلال الهجوم، ومواقع الدفاع الجوى، والمواقع الأساسية للقيادة والجيوش، مشيراً إلى أنه كان يعمل على تأمين عودة الطيران المصرى من تنفيذ الهجوم فضلا عن تنفيذ عمليات إبرار قوات الصاعقة، بالطائرات الهيلكوبتر.
وتابع أن حرب أكتوبر مليئة بمواقف لا تنسى، موضحا أنه لا يجب اختزال حرب أكتوبر فى أيام الحرب بل سبقها حجم كبير من التجهيزات جاءت عقب انتهاء حرب 1967، وأن القوات الجوية خسرت ما يقرب من 90% من مقاتلاتنا فى حرب الاستنزاف، ما جعل المسؤولية كبيرة من أجل سرعة استعادة القدرات القتالية للقوات المسلحة المصرية، لافتاً إلى أنه فى سبتمبر عام 1969 نجح فى إسقاط طائرة «فانتوم» تابعة للجيش الإسرائيلى.
وأشار إلى أنه دخل وأحد زملائه فى اشتباك مع 4 مقاتلات إسرائيلية كانت تحاول الهجوم على قناة السويس، وأن الاشتباك استمر دقيقتين، ونجحت قواتنا فى إسقاط الطائرة بصاروخ بعد إصابتها إصابة مباشرة.
وتابع أنه حصل على مكافأة قدرها 2000 جنيه وهى مكافأة مرتفعة مقارنة بقيمة المكافآت وقتها حيث إن المكافأة المعتادة فى ذلك الوقت كانت 500 جنيه فقط، مشيرا إلى أنه قام بتوزيع المكافأة على زملائه.
وقال إنه تم وضع خطة الحرب، وتوزيع المهام، وأنه كان فى سرب حماية الطائرات المقاتلة، والقوات البرية خلال العبور، مشيرا إلى أنه كانت هناك أعمال تدريب شبيهة بما سيتم تنفيذه خلال الحرب، وذلك قبل فترة طويلة من اندلاع الحرب.
وأضاف أنه يجب الإشادة بالأطقم الفنية الأرضية فهى كانت بمثابة الجندى المجهول فى المعركة، نظرا للدور الذى قامت به فى سرعة تجهيز الطائرات وتسليحها.
وأشار إلى نجاحه مع زملائه فى أسر العديد من الطيارين الإسرائيليين خلال حرب أكتوبر، وذلك خلال اشتباكات فوق السنبلاوين.
وأضاف أن أعمال التجهيز والتحديث التى يشهدها الجيش المصرى فى الوقت الراهن من أفضل الأشياء التى حدثت منذ سنوات، فالدولة لن تصبح قوية ولها كلمة إلا إذا كان لديها جيش قوى، وشدد على أنه من الممكن أن تحقق أى شىء فى حياتك كدولة وشعب طالما يوجد الإرادة وحب البلد، وطالب الشباب بالعمل ليلا ونهارا من أجل استعادة الوضع الاقتصادى المصرى، وتحقيق التقدم والرخاء لهذا البلد العظيم.
وقال اللواء أركان حرب محمد عبدالسلام السيد إنه كانت لديه مهمة وطنية ضخمة فى حرب أكتوبر 1973، حيث إنه كان ضابطا بالمخابرات الحربية والاستطلاع، حيث يشير إلى أن مهمته فى الحرب فى عمق نقاط العدو.
وأضاف أنه شارك فى حرب أكتوبر برتبة ملازم أول وكانت مهمته خلف خطوط العدو، من أجل تحديد حجم قوات العدو، مشيرا إلى أنه بعد الضربة الجوية الأولى فى حرب أكتوبر، ومع عودة الطائرات المنفذة للهجوم وإبلاغنا بأن الهجوم نجح فى استهدف كافة الأهداف المطلوبة بالكامل بدأت رحلة العبور، مشيرا إلى أنه على الرغم من أن ترتيب مجموعته فى العبور كان متأخرا إلا أنه يجب أن يسبق جميع القوات.
وتابع أن مجموعته كانت مكونة من 4 أفراد، كانوا يحملون معدات كثيرة للغاية، وأن مهمته كانت رصد نشاط العدو ونقاطه الدفاعية، وأوضح أن صعوبة المهمة هى عدم التواجد فى مكان محدد، إذ يجب تفادى عيون العدو والهروب منه وليس الصدام به، موضحا أنه كان يتحرك ليلا ونهارا، وكان يعتمد فى السير على النظام الفلكى للنجوم ليلا.
وأشار إلى أن مجموعته تمكنت من استهداف النقطة القوية للعدو والتى كانت تسمى «التبة المسحورة»، حيث رصدت مواقع الدبابات وتمركزها وتحركاتها، وساعدت القوات فى اقتحام التبة والسيطرة عليها، موضحا أنه من تلك النقاط الحصينة للعدو والسيطرة عليها أعطت القوات المصرية أفضلية أكبر وسيطرة بشكل أكثر.
وقال إنه خلال التحركات وجد مجموعة من أبطال القوات المسلحة وقد استهدفت مركبتهم، ووجدوا فردين مصابين تم الإبلاغ عن موقعهما وبالفعل تم إنقاذهما، أما الشهداء فتم دفنهم فى موقعهم لأنه لا يتم إخلاء الشهداء إلا بعد الحرب، وبعد ذلك تم نقل جثامينهم إلى مدافن الشهداء بالسويس.
وأشار إلى أنه كان يتدرب على الرصد وتحليل التهديد بطريقة سريعة لإدارة النيران، مشيرا إلى أنه فى بعض الأحيان كان يتم تعديل إحداثيات استهداف نقاط العدو بالمدفعية لكى تصيب الأهداف مباشرة.
وأوضح أنه يفخر بمهمة أخرى كلف بها فى حرب أكتوبر 1973، حيث إن اللواء 130 مشاة ميكانيكى برمائى تعرض للحصار فى نقطة «كبريت»، وكلف فى 25 أكتوبر باختراق الحصار وتوصيل رسالة شفهية لقائد اللواء، وأنه بالفعل بدأ فى تنفيذ المهمة.
وقال إنه تأخر عن الموعد المحدد للوصول، حيث استغرق فى السير ما يزيد على 5 ساعات متواصلة ونظرا لتأخره بسبب العدد الكبير من الدوريات الإسرائيلية تمت مطالبته بالعودة حرصاً على سلامته، ولكنه أصر على استكمال المهمة وبالفعل وصل إلى اللواء 130 مشاه ميكانيكى.
وأضاف أنه عقب وصوله إلى اللواء استجوبته القوات للتأكد من أنه تابع للقوات المسلحة المصرية، وبعد التأكد من شخصيته التقى قائد اللواء وتعرف على المطالب والخطط المقترحة للإخلاء والإمداد المطلوب، مشيرا إلى أنه تعرف على كل التفاصيل المطلوبة وقام بنقلها بشكل شفهى إلى القيادة وتم تنفيذ خطة الإخلاء بنجاح للواء 130 مشاه ميكانيى برمائى.
وتابع أنه تم تكريمه وحصل على نوط الجمهورية على ما تم إنجازه، وعلى الدور الذى قام به فى حرب أكتوبر 1973، مشيرا إلى أن الشباب المصرى قادر دائما على تحقيق المستحيل بفضل حماسه وإيمانه وحبه للوطن.
وقال اللواء أركان حرب متقاعد محمد زكى الألفى إن دور القوات المسلحة فى البطولات ليس وليد اليوم وما تم من أعمال وبطولات فى السابق والحاضر هو ناتج حضارة عميقة تمتد جذورها إلى 7 آلاف عام وأن التاريخ هو من يشهد للجندى المصرى.
وأضاف أنه كان من ضمن المشاركين فى بطولات الكتيبة 18 التى كانت الذراع اليمنى للجيش الثانى الميدانى وكانت تقع فى مكان حساس جدا وهى منطقة الدفروسوار، موضحاً أنه كان برتبة ملازم أول فى محطة الركاب فى الدفروسوار التى كانت توجد على البحيرات وكان الفاصل بين الجيش الثانى الميدانى والثالث الميدانى وكان هذا الموقع خطيرا لدرجة أن الرئيس الراحل أنور السادات والفريق محمد صادق وزير الحربية قاما بأكثر من زيارة للمكان لإعطاء الإحساس بأهمية المكان للجنود.
وتابع أن أهمية المكان فى ذلك الوقت تكمن فى قربه من القاهرة ويمكن الانطلاق منه إلى مدن القناة وكان يخصص له قوة فرقة كاملة أى حوالى 300 دبابة لمواجهة أى اعتداء من جهتها.
وعن أصعب المواقف التى واجهها قال إنه كان فى مواجهة مباشرة مع مدرعة من مدرعات العدو وحاول اقتحام الحد الأمامى للدفاعات فى مواجهة مباشرة بغرض بث الرعب والقضاء عليهم ولكن نظرا لارتكاز موقعه الدفاعى على ترعة جافة كانت تشكل مانعا لتلك المدرعة التى كانت تحمل 10 جنود من جنود المظلات الإسرائيلى.
ويؤكد اللواء زكى أنه من الصعب جدا فى الحرب الفعلية أن يقوم الجنود بعملية التنشين نحو الهدف لإصابته ووقتها قاموا بإمطار العدو بوابل من الطلقات، قائلا: أتذكر وقتها الرقيب صلاح الدين الذى فتح الرصاص على المدرعة بشكل متواصل مما اضطرها إلى النزول فى الترعة الجافة مما مكننا من اقتحامها وتم أسر من فيها وتسليمهم للقيادة.
وقال إن الكتيبة 18 استطاعت أن تقوم بصد العدو فى الدفروسوار عند قرية الجلاء وأدارت معركة دفاعية قوية وتم تدمير العشرات من الدبابات موضحاً أن الرائد نوارين الباسل استطاع وحده تدمير أكثر من 20 دبابة والرائد محمد الشافعى عطية قاتل فى نفس المعركة يومى 15 و16 أكتوبر ودمر 16 دبابة وأسر 10 جنود والرائد أحمد إبراهيم كحيل قائد السرية الثانية دمر 4 دبابات وأصيب فى أذنه ولم يترك موقعه رغم الإصابة الشديدة التى تركت أثرا عليه وأثبت الجندى المصرى فى المعركة أنه نموذج لبسالة الفرد المقاتل فى مواجهة الدبابة.
وقال اللواء جمال الدين محمد كحيلة قائد سرية المدافع المضادة للدبابات فى الفرقة 18 مشاة الذى شارك فى معركة تحرير القنطرة، إن ارتفاع الروح المعنوية للجنود كان سبب النصر على العدو الإسرائيلى، رغم تفوق العدو فى معداته.
وأضاف: «إننا خير أجناد الأرض كما وصفنا رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم)، ولا زلت أتذكر وقائع استشهاد بعض زملائى الذين تمنوا الشهادة بعد أن روت دماؤهم سيناء لتحريرها، فهؤلاء لهم الفضل فيما نجنيه من ثمار اليوم».
وتابع أنه بعد اتفاقية روجرز ووقف إطلاق النار استغلت القوات المسلحة التوقف لتنفيذ عمليات التدريب للمعركة ببناء حائط الصواريخ بأيدى ضباط الدفاع الجوى بمشاركة بعض الشركات المدنية لصد هجمات العدو الاستفزازية.
وقال إنه يوم 5 أكتوبر كان الوضع على الجبهة هادئاً وفى حالة سكون، وكانت الإمدادات مازالت تتدفق على الجبهة دون أن نعرف ميعاد العبور «ساعة الصفر» لتحرير سيناء وصباح يوم 6 أكتوبر فى تمام الساعة 12 ظهرا تم استدعاء كل قادة السرايا إلى نقطة الملاحظة لقائد الكتيبة الذى قال «الساعة جات يا رجالة اللى منتظرينها وهنعبر الساعة 2 القناة وعايزكم تعبروا هذا الساتر وتزلزلوه وربنا معاكم وخلوا بالكم من جنودكم».
وأضاف: «بمجرد سماع هذا الكلام دمعت عيوننا من الفرحة وأسرعنا إلى جنودنا لتلقينهم الأوامر حتى لاحظنا الطائرات تعبر القناة من فوق رؤوسنا والمدفعية تدك حصون العدو ونحن نردد صيحة الله أكبر- الله أكبر وكانت مهمتى اقتحام القنطرة شرق وتحريرها، وفى يوم 8 أكتوبر تم رفع العلم المصرى عليها باعتبارها أول مدينة تم تحريرها».
وتابع أن ارتفاع روح الجنود المعنوية جعلهم يتغلبون على الإمكانيات الفائقة للعدو الإسرائيلى موضحا أن الدليل على ذلك أن مدفعية قواتنا المستخدمة فى المعركة كانت تشارك فى الحرب العالمية الثانية، مشيرًا إلى أن مدى الدبابة كان 3 كيلومترات ومدى المدفع من 400 إلى 600 متر واستطاعت القوات تدمير الدبابات فى معركة القنطرة.
وقال «كحيلة» إن الروح المعنوية كانت السلاح القوى والخفى الذى استطاع أن يحسم أعمال القتال على كل فئات القوات المسلحة الذين حرصوا على الشهادة فى الضفة الشرقية وكان هو عهد أبناء القوات المسلحة وهذه روح مستمدة من الماضى العريق لهذا الجيش ولأبناء هذا الشعب الذى استعاد كرامته وعزته.