قائد أول مركبة برمائية تعبر القناة: «ما كانش هاممنا الموت»- شبكة سبح الاخبارية

العاطفى مع ابنته وحفيده

العاطفى مع ابنته وحفيده


تصوير :
المصري اليوم

كثيرون من أبطال أكتوبر يعتبرون ما قاموا به واجبا، ومن العيب أن يتباهوا على بلدهم بما قدموه، من هؤلاء عادل العاطفى، قائد أول مركبة برمائية تعبر قناة السويس الساعة الثانية ظهر يوم ٦ أكتوبر، من منطقة سرابيوم بالقطاع الأوسط للجيش الثانى الميدانى، وهو يحمل رأس الكوبرى لتثبيته فى الضفة الشرقية أمام تحصينات العدو وتحت القذف، تمهيداً لنصب أول كوبرى لعبور المركبات والقوات للضفة الشرقية.

«٤٤ سنة مرت لكنى فاكر كويس جدا التفاصيل الدقيقة لأعظم أيام حياتى، عارف يعنى إيه واحد بقاله على الجبهة تلات سنين وأسرته مهجرة بعيد عن بورسعيد بسبب الهزيمة وجاله الأمر إنه يعبر ويحارب»… قالها عادل وهو يزفر تنهيدة وعلى وجهه كل تعبيرات الفرح.

وأضاف: «ما بحبش أتكلم عن دورى فى المعركة وباعتبر ده واجب أديته وعيب أتفاخر على بلدى، لغاية دلوقت ما اتكتبش على الحرب العظيمة دى وآلاف الأبطال لم ترو حكاياتهم الأسطورية، وأنا التحقت بالقوات المسلحة فى ٢٨ نوفمبر ١٩٧١ بعد انتهاء دراستى فى معهد المعلمين ودخلت سلاح المهندسين وتلقيت دورة فى الألغام تفوقت فيها فتم تكليفى كمعلم فى مركز تدريب سلاح المهندسين، بعد حوالى شهرين اختارونا مجموعة علشان الخبراء الروس يدربونا على قيادة مركبات برمائية، وبعد انتهاء التدريب تم نقلنا إلى كتيبة مركبات فى قرية المرازيق أمام حلوان، ولما سألت القائد إحنا ليه مش على الجبهة، قال لى لأن لازم المركبات تشتغل باستمرار وتنزل المياه وده ما ينفعش فى القناة والعدو على الضفة الشرقية لذلك هنستمر هنا على النيل وقرب المعركة هننقلكم للجبهة».

وتابع: «فضلنا حوالى سنتين فى تدريبات شاقة على قيادة المركبات وعبور مياه النيل بها فى منطقة فى القناطر الخيرية تشبه تضاريس القناة، كل يوم تدريب وخطط والقادة يتابعونا ويصححوا أخطاءنا، حتى يوم ٢٦ سبتمبر ١٩٧٣ الموافق الأول من رمضان جاءت لنا الأوامر بالتحرك ليلا إلى مدينة التل الكبير، وحملنا المركبات على تريلات وفهمت أن المعركة هتبدأ، وصلنا التل الكبير وعسكرنا فى صحرا وما فيش حوالينا أى شىء، يوم ٤ أكتوبر سلمنى قائد الكتيبة رأس الكوبرى اللى هحمله على المركبة وأعبر بيه القناة، كان نقيب من إسكندرية واسمه سيد العزاوى، النقيب سيد خدنى وزحفنا على بطونا حتى شط القناة وأشار لى على المصطبة اللى هننطلق منها للضفة الشرقية وكانت المصطبة حولها ألغام والقائد فهمنى أن سلاح المهندسين هيزيل الألغام قبل العبور».

وأكمل العاطفى حديثه قائلا: «طلب منى القائد الإبحار من المصطبة فى خط مستقيم تماما حتى الضفة الشرقية لإنزال رأس الكوبرى وطاقم أفراد سلاح المهندسين الذين سيقومون بنصبه ليتم تركيب باقى أجزاء الكوبرى عليه بعد تجميعنا فى الضفة الغربية، وقال لى القائد: عبور القوات والمركبات متوقف عليك يا عادل لازم توصل الضفة الشرقية وتنفذ المهمة، يوم ٦ أكتوبر الساعة ١٠ صباحا قال لى القائد يلا جهزوا نفسكم وطلعوا المركبات من الحفر، فكرته بيقول كلام وخلاص خصوصا إننا متدربين إن العبور هيتم ليلا، الساعة ١ ظهرا كنت نايم تحت المركبة بقرأ مقال لأنيس منصور فى أخبار اليوم، مر عليا القائد مرة أخرى وكان لابس الشدة كاملة والخوذة وفى إيده سلاحه وقال انت لِسَّه ما جهزتش، فخرجت المركبة من الحفرة ومحمّل فيها رأس الكوبرى وطاقم الجنود وجهزت وأعطيت تمام للقائد».

وعن المهام التى تم تكليف العاطفى بها قال: «القائد قال لى أول ما تسمع صوت طيران فوقك تدوس بنزين وتنزل القناة، وقالى لى أول مهمة ليك توصل رأس الكوبرى وترجع تحمل مضخات المياه اللى هتهدم الساتر الترابى وترجع تشيل شكاير المياه اللى هتتحط فى روبة الطين قدام الكوبرى وبعدها اتحرك حر مع القوات، فجأة وجدت حولى مشهدا مهيبا، تجمعات كبيرة حولى من القوات تقف فى نظام وكل مجموعة جنود وضباط بتصلى».

واستطرد: «الضابط قال لى يلا يا عادل اتيمم وصلى ركعتين الشهادة، وعمرى ما صليت ولا هصلى زى الركعتين دول، كأنى رأيت الله وامتلأت بالقوة، أنهيت صلاتى وجلست فى المركبة ومعى الملاحين وطاقم جنود سلاح المهندسين، دقايق والطيران حلق فوق رؤوسنا دست بنزين وتوكلت على الله ونزلت القناة، ما أقدرش أصور لك شعورى وأنا بقود المركبة وسط أصوات القذف والانفجارات وهدفى الوحيد أوصل الضفة الشرقية، ولقيت نفسى فى المعركة أكثر كفاءة مما كنت عليه فى التدريبات، وصلت رأس الكوبرى والرجالة نزلوا ينصبوه، ورجعت أحمل المضخات على الضفة الشرقية، كان المشهد مهيبا ما تعرفش الضابط من العسكرى، كله بيجرى وبيشتغل وكل واحد عارف مهمته بدقة».

وأضاف العاطفى: «وصلت الطلمبات ورجعت حملت شكاير الرمل، كنت حاسس أنى أقل واحد لما شفت عساكر شايلة على ظهرها مدافع وبتطلع ساتر ترابى ارتفاعه ٢٢ مترا، إيه ده ومنين جابوا القوة دى، فضلت رايح جاى بالمركبة فى مياه القناة مش حاسس لا بجوع ولا بعطش ولا بتعب، انتهى نصب الكوبرى الساعة ١٢ بالليل، كان أول كوبرى يتنصب على القناة وبدأت الدبابات والمدرعات وناقلات الجنود تعبر على الكوبرى وأفراد سلاح المهندسين واقفين مستعدين لتعويض أى جزء يقصف من الكوبرى، خرجت من المياه الساعة ٧ صباحا يوم ٧ أكتوبر بأمر القائد بتاعى، ما كنتش والله عايز أخرج، نمت ساعتين وصحيت أكمل، مش قادر أصور لك المشهد العظيم للعبور ولا شعورى، شفت بطولات خارقة عملها العساكر والظباط ما كنش هاممنا الموت، بالعكس كنّا بنتمنى الشهادة، وكانت بترن فى دماغى كلمة القائد ليا (كده كده هنموت يا عادل بس يا بخت اللى يموت شهيد)».

Leave a Reply