توجد الكثير من الآيات الدالة على حكمة الله تعالى وعلمه فيما يخلق أو يشرع فقد قال الله تعالى { وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [التحريم: 2]، { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } [القمر: 49]، وقد بين لنا العلماء أن الحكمة الحقيقية والغاية من خلق الإنس والجن هي عبادة الله فقد قال الله تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } [الذاريات: 56]
الحكمة والغاية من خلق البشر :
يقول العلماء أن الله تعالى خلق الإنس والجن لحكمة عظيمة وغاية حميدة، وهي عبادة الله تبارك وتعالى كما قال في كتابه الكريم { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } [الذاريات: 56]، { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ } [المؤمنون: 115]، { أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى } [القيامة: 36]، إلى غير ذلك من الآيات الحكيمة التي تدل على حكمة خلق الجن والإنس وهي العبادة فقط دون غيرها فقد قال تعالى { مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } [الذاريات: 57- 58].
مفهوم العبادة التي من أجلها خلق البشر :
يقول العلماء أن المفهوم العام للعبادة هو : التذلل لله عز وجل، محبةً وتعظيمًا بفعل أوامره، واجتناب نواهيه، على الوجه الذي جاءت به شرائعه، قال الله تعالى { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ } [البينة: 5]، فهذه هي الغاية والحكمة من خلق الجن والإنس، لذلك من تمرد على العبادة يكون رافضًا ونابذًا لهذه الحكمة التي خلق من أجلها، وفعله يشهد بأن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق عبثًا، وهو إن لم يصرح بذلك، لكن هذا مقتضى تمرده واستكباره عن طاعة ربه.
أما المفهوم الخاص لها فقد فصله وبينه شيخ الإسلام ابن تيمية : العبادة هي : اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة كالخوف والخشية والتوكل والصلاة والزكاة والصيام وغير ذلك من شرائع الإسلام ».
الفرق بين العبادة الكونية والعبادة الشرعية :
ذكر بعض العلماء مفهوم آخر للعبادة وهو عبادة كونية وعبادة شرعية مما يعني أن الإنسان قد يكون متذللًا لله سبحانه وتعالى تذللًا كونيًا وتذللًا شرعيًا فالعبادة الكونية تأتي بصفة عامة للمؤمن وللكافر وللبر والفاجر، فقد قال الله تعالى : { إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا } [مريم: 93]، أي أن كل ما في السماوات والأرض خاضع لله سبحانه وتعالى كونًا، لا يمكن أبدًا أن يضاد الله، أو يعارضه فيما أراد – سبحانه وتعالى – بالإرادة الكونية.
وأما العبدة الشرعية : فهي التذلل لله تعالى شرعًا، وهي خاصة بالمؤمنين بالله سبحانه وتعالى، القائمين بأمره، ثم إن منها ما هو خاص أخص، وخاص فوق ذلك، فالخاص الأخص مثل : عبادة الرسل عليهم الصلاة والسلام، قال الله تعالى : { تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا } [الفرقان:1]، { وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا } [البقرة: 23]، وغير ذلك من وصف الرسل بالعبودية.
هل يثاب من اختص بالعبادة الكونية عن العبادة الشرعية ؟
يجيب فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين عن هذه المسألة فيقول : هؤلاء لا يثابون عليه، لأنهم خاضعون لله تعالى شاءوا أم أبوا، فالإنسان يمرض ويفقر ويفقد محبوبه من غير أن يكون مريًا لذلك، بل هو كاره لذلك، لكن هذا خضوع لله عز وجل خضوعًا كونيًا.