وقعت في معاصٍ عديدة أولها العادة، فكيف أتوب وأتخلص منها؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد

وردا على استشارتك أقول

لقد مررت في فترة افتقدت فيها بعض التوجيهات النافعة، وافتقدت غرس بعض القيم النبيلة التي ربما كانت ستقيك من كثير من الشر بإذن الله.

لا تقلق ولا تيأس، فلا يزال فيك الخير الكثير، ولا يزال فيك من الصفات النبيلة الشيء الكثير التي تمكنك بإذن الله تعالى أن تنهض وتغير من حياتك نحو الأفضل.

إيمانك لا يزال حيا، ولا أدل على ذلك من مقتك لنفسك وندمك، ومحاولتك لترك العادات القبيحة، وأدائك للصلاة وتلاوتك للقرآن الكريم.

في مثل سنك يحدث له نوع من التأرجح والاضطراب في الحياة ولكن العبرة بالخواتيم.

أنت بأمس الحاجة لتوثيق صلتك بالله، وتجتهد في تقوية إيمانك من خلال المحافظة على أداء ما افترض الله عليك، وتجاهد نفسك خاصة ألا تقطع الصلاة مهما أذنبت أو عصيت، فالصلاة صلة بين العبد وربه، ولا يزال العبد يناجي فيها ربه، ويقول اهدنا الصراط المستقيم كذا مرة في اليوم والليلة، وفيها تذلل وانكسار وخضوع لله تعالى من خلال الركوع والسجود، وستنهاك صلاتك عن الفحشاء والمنكر، ثم إن الصلاة من الحسنات الماحية للذنوب، كما قال تعالى:( وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ )، ويقول نبينا عليه الصلاة والسلام: (أرأيتم لو أن نهرا جارٍ بباب أحدكم يغتسل منه خمس مرات في اليوم هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا لا. قال: فكذلكم الصلاة يمحو الله يهن الخطايا).

عليك بالصدقة، فإنها مكفرة للذنوب، ففي الحديث: (والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار).

اجتهد في تقوية إيمانك من خلال أداء الفرائض، والإكثار من النوافل، فمن ثمرة ذلك زرع مراقبة الله في القلب، والتي تحجز صاحبها عن ارتكاب ما يغضب الله تعالى.

اجعل لنفسك قدوة صالحة تقتدي بها وترتقي لتكون في مصافه، وتنظر ماذا كان يعمل في حياته حتى وصل إلى تلك المرتبة، فإن سلكت طريقه وصلت أو قاربت الوصول إلى ما وصل إليه، والله تعالى قد جعل لنا القدوة الحسنة في نبيه صلى الله عليه وسلم فقال: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر).

أكثر من القراءة في سير العلماء والصالحين والتائبين؛ ففي ذلك تحفيز لنفسك للخروج مما هي فيه، وبلغة للنهضة بها إلى العلياء بإذن الله تعالى.

تعرف على مضار العادة السرية على ممارسها في الحال والمآل، وما أكثر المقالات التي كتبت حول هذا، ففي ذلك زاجر لنفسك الأمارة بالسوء من الاستمرار في ممارستها.

اقرأ في الكتب التي تتحدث حول أسماء الله وصفاته وإبراز عظمته حتى ينمو في نفسك إجلال الله وتعظيمه، فمن عظم الله حق التعظيم لم يعصه.

العصيان سمة في ابن آدم وليس ثمة أحد معصوم منها إلا أنبياء الله تعالى ورسله، ولو كان الناس لا يقعون في المعصية لذهب الله بهم كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام: (لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون ثم يستغفرون فيغفر الله لهم).

إياك أن تفكر بالانتحار، فليس ذلك بحل، وإنما هو انتقال إلى عذاب الله وسخطه، فقاتل نفسه في النار، وعليك أن تغلب جانب الرجاء وتتفاءل بعفو الله ومغفرته، وتفكر في الخروج من الوحل الذي أنت فيه، ولا تيأس من روح الله.

مهما أذنب العبد ولو بلغت ذنوبه عنان السماء ثم تاب وانطرح بين يدي الله تعالى لوجد الله غفورا رحيما، يقول الرؤوف الرحيم: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)، وفي الحديث القدسي: (يقول الله عز وجل: يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك به شيئاً لقيتك بقرابها مغفرة).

ابتعد عن الخلوة بنفسك؛ ففي الخلوة يأتيك الشيطان ليسول لنفسك الأمارة بالسوء أن تتصفح المواقع الإباحية، ومن ثم ممارسة العادة القبيحة.

املأ وقتك في العمل النافع، فالفراغ مفسدة كما قال الشاعر:
إن الشباب والفراغ والجدة ** مفسدة للمرء أي مفسدة.

تب إلى الله توبة نصوحا، والتي من شروطها الإقلاع عن الذنب والندم على ما فعلت والعزم على ألا تعود مرة أخرى.

صاحب الأخيار؛ ففي صحبتهم فلاح ونجاح، فهم يدلونك على الخير، ويعينونك عليه، بخلاف قرناء السوء، فهم يدلونك على الشر ويعينونك عليه، والقرين له تأثيره على الشخص سلبا وإيجابا، يقول عليه الصلاة والسلام: (إِنَّمَا مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالحِ والجَلِيسِ السّوءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِير، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إمَّا أنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً) ويقول عليه الصلاة والسلام: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل) ويقال في المثل: الصاحب ساحب.

تذكر أن قرناء السوء سيتركونك في يوم ما وسيتبرؤون منك ومن أفعالك بين يدي الله تعالى ما لم تتب إلى الله وتستغفره.

اِرقِ نفسك بنفسك صباحا ومساء، وذلك بأن تجمع كفيك وتقرأ الفاتحة، والمعوذتان، والإخلاص، وآية الكرسي، والآيتين الأخيرتين من البقرة، وغير ذلك ومن الأدعية النبوية التي يمكنك أخذها من كتيب حصن المسلم للقحطاني، ومن ثم تنفث في كفيك من دون ريق وتمسح ما تيسر من جسدك، ولا بأس أن تبحث عن راق ثقة وأمين ليرقيك، فالرقية نافعة على كل حال.

قد يجتمع في الإنسان إجهادا وكسلا في الجسد، ثم إن ذهب للرياضة وغير الأجواء التي كان فيها تغيرت نفسيته، فوجدته بعد تلك الحال يتريض بكل قوة، وقد يكون للعامل النفسي دور في ذلك.

بادر في الزواج ما استطعت إلى ذلك سبيلا؛ ففيه غض لبصرك، وتحصين لفرجك، فإن لم تستطع فعليك بالعلاج النبوي، حيث قال عليه الصلاة والسلام: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء).

الزم الاستغفار، وأكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا)، وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكف همك ويغفر ذنبك).

إن فيك من الصفات المهملة المودعة في نفسك ما لو استنهضتها لصرت شخصا مرموقا يشار إليك بالبنان، ولصارت لك بصمتك النافعة في أمتك ومجتمعك، وما الفرق بينك وبين أولئك النفر الذين غيروا مجرى التاريخ غير أن أولئك أرّقهم حال مجتمعهم، أو أرادوا أن يقدموا للبشرية شيئا نافعا فاستنهضوا هممهم، وتركوا سفاسف الأمور، وجعلوا نظرتهم إلى العلياء وإلى المستقبل المشرق، ولم تكن نظرتم إلى ما بين أقدامهم، فاستنهض همتك وكن كما قال الشاعر:

فكن رجلا رجله في الثرى ** وهامة همته في الثريا.

لا تجعل الماضي يكبلك عن الانطلاق، واجعله محطة من محطات حياتك، تأخذ منها الدروس والعبر لا القيود والأغلال.

عاقب نفسك الأمارة بالسوء بمنعها من استعمال شبكة الإنترنت حتى تتيقن من استقامتها وصلاح حالها، فإن استعملتها بعد فلا تستعملها إلا فيما ينفعك.

أكثر من تلاوة القرآن الكريم واستماعه، وحافظ على أذكار اليوم والليلة، فذلك حصن لك من الشيطان الرجيم، وراحة وطمأنينة لقلبك، كما قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).

تضرع بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجد، وتحين أوقات الإجابة، ومنها الثلث الأخير من الليل، وما بين الأذان والإقامة، ويوم الأربعاء ما بين الظهر والعصر، وفي حال انتباهك من نوم الليل في أي وقت، وسل الله تعالى أن يمن عليك بالتوبة والاستقامة، وأن يهدي قلبك ويلهمك رشدك، وأكثر من قول: (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك يا مصرف القلوب صرف قلبي إلى طاعتك)، ومن دعاء ذي النون فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (دعوة ذي النون، إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين؛ فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له).

نسعد كثيرا بتواصلك، ونسأل الله تعالى أن يمن علينا وعليك بالتوبة والاستقامة، وأن يرزقنا الثبات على دينه، إنه سميع مجيب.

 

Leave a Reply