«من يملك المال يحكم»، يبدو أن هذه المقولة خرجت من تحت عباءة الرأسمالية لتكون هي الشعار الخفي لانتخابات منظمة الثقافة والعلوم «اليونسكو» في باريس، والتي بدأت الإثنين الماضي مسجلة تقدم كبير ومفاجئ للمرشح القطري حمد بن عبدالعزيز الكواري، فالمنظمة الدولية المعروفة باعتمادها على مساهمات دولها الأعضاء في استكمال نشاطها تبحث عن ممول وليس عن رئيسًا تقليديا لها بعد تخفيض إسرائيل وواشنطن التزاماتهم المالية للأمم المتحدة، وذلك إثر إدراج «اليونسكو» مدينة الخليل ضمن لائحة التراث العالمي.
مساعدات الدولتين تقدر بنحو 10 ملايين و745 ألف دولار أمريكي، فهل ستغري قطر بطريقة غير مباشرة أعضاء المنظمة للتصويت لمرشحها بوعود تخفيف أعباء المنظمة المالية أو بشكل مباشر عن طريق شراء الأصوات؟.
عند تصفح السيرة الذاتية للمرشح القطري، ستجد أنه ذو مؤهلات ترشحه للحصول على عدد لا بأس به من الأصوات، ولكن الصحافة الفرنسية كشفت الستار عن العديد من الأسباب التي أدت إلى هذا الاكتساح فقد كشفت صحيفة «لوموند» في تقرير لها أن «المرشح القطري قام باستخدام بريد إلكتروني مزور باسم منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم الثقافية وإرسال سيل من الرسائل من خلاله للدعوة لدعمه».
[quote:1:center]
وفجرت الصحيفة في تقريرها أن «الكواري» تعهد لإسرائيل في حال فوزه بعدم تداول قضايا القدس والمسجد الأقصى، وقالت إن «أن حمد الكوارى ماسونى عتيد، واسمه مسجل بالمحفل الماسونى العالمى في مدينة نيويورك الأمريكية على باب كنيسة شهيرة هناك، كما أن لديه علاقات قوية بالمنظمات اليهودية الأمريكية منذ أن كان سفيرا للدوحة في واشنطن».
وواصلت الصحيفة كشف ما وصفته بـ«فضائح قطر» قائلة إن «هذه الرسائل تضمنت طمأنة من المرشح القطري للموظفين المتضررين من الأزمات المالية التي عانت منها المنظمة مؤخرا، وكيف أنه تمكن من إبعاد منافسيه، وأن بعض المرشحين قد انسحبوا بالفعل لصالح المرشح القطري، إضافة إلى سيل من التمجيد في مرشح الدوحة ولازالت المعركة دائرة».
و سرد التقرير أن «الكواري» لديه علاقات قوية بتل أبيب، وأنه متورط في عمليات تهريب الآثار من العراق إلى إسرائيل خلال السنوات القليلة الماضية، كما كان له دور خطير في تهريب عدد من الممياوات الفرعونية المصرية من مصر إلى الدوحة عقب أحداث ثورة 25 يناير عام 2011، مضيفا أن منزله أشبه بمتحف لعدد من الآثار الفرعونية النادرة.
10 أعضاء باليونسكو استجابوا لدعوة مشرح قطر بزيارة الدوحة
وذكر موقع «إيكونوميك تايمز» الاقتصادي الهندي، أن الأولوية القصوى للمدير القادم هو تعزيز الدعم المالي لليونسكو، إذ علقت كل من إسرائيل، والولايات المتحدة، التي كانت تعد أكبر مساهم مالي لليونسكو، تمويلهما للمنظمة الدولية عندما صوت أعضائها لجعل فلسطين دولة عضوا في عام 2011. ورأى الكثيرون أن التصويت دليل على التحيز المتأصل ضد إسرائيل داخل الأمم المتحدة.
وعن سر آخر لتفوق المرشح القطري على رأس المنظمة العريقة، قالت صحيفة «جون أفريك» الأسبوعية، الأربعاء، إن قطر وجهت دعوة لممثلي الـ 58 دولة الأعضاء للقيام برحلة إلى الدوحة واستجاب للدعوة 10 أعضاء.
كما أضافت الصحيفة أن 12 عضوًا من المجلس التنفيذي للمنظمة استجابوا لدعوة من حمد الكواري في 30 سبتمبر الماضي بمطعم بالقرب من مقر اليونسكو في باريس، وكان من بينهم سبعة ممثلين من البلدان الأفريقية (الجزائر، والكاميرون، وكينيا، وموريشيوس، وتوجو، والسنغال).
ومن جانبها، ذكرت صحيفة «لوموند ديبلوماتيك»، في أحد تعليقاتها على المعركة الحالية في اليونسكو، إن «الكواري وهو وزير ثقافة سابق يتميز بالولاءات الأفريقية داخل المنظمة وعددهم 17 دولة عضو، وكانت مشيرة خطاب في حديث تليفوني مع برنامج (هنا العاصمة) قد كشفت أن عددا من الدول الأفريقية داخل المنظمة قالوا إنهم لن يستطيعوا التصويت لمصر.
لكن هل هذا هو السبب الوحيد لتفوق المرشح القطري؟
سبب آخر لتفوق مرشح الدوحة هو تفتت الأصوات لوجود 3 مرشحين عرب، فقد حصل الكواري على 20 صوتًا متقدما على منافسته الفرنسية أودريه أزولاي بنحو 7 نقاط، فيما حصدت المرشحة المصرية، مشيرة خطاب 12 صوتا لتحتل المركز الـ3 في الجولة الثانية من التصويت، فيما حصل كل من الصيني كيان تانج، ومرشح فيتنام فام سان تشو على 5 أصوات، بينما حازت اللبنانية فيرا خوري على 3 أصوات، وانتهت الجولة الأولى من الانتخابات أيضا بفوز المرشح القطري، الذي حصل على 19 صوتا.
ويشترط الفوز حصد المرشح نسبة 50%+1 والتي تعادل 30 صوتا علاوة على حصول الفائز على موافقة أعضاء الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة وعددهم 195 دولة في جلسة تعقد في 10 نوفمبر المقبل.
يتساءل عدد من المصريين عن فرص فوز مشيرة خطاب في الانتخابات، وعدد آخر يتحدث عن إمكانية انسحاب مصر لصالح المرشحة الفرنسية لتفويت الفرصة على مرشح قطر للفوز برئاسة منظمة بأهمية وثقل اليونسكو، ولكن محمد العرابي، مدير الحملة الانتخابية للسفيرة مشيرة خطاب، لـ«المصري اليوم»، نفى الحديث عن انسحاب «خطاب» من الانتخابات ووصفه بـ «شائعات».
وحول الخطوات التي سيتم اتخاذها لضمان فوز المرشحة المصرية، رد «العرابي» قائلا: «لن نتحدث عن شئ الآن».
ومن جانبه، قال الدكتور معتز سلامة، رئيس الوحدة العربية والإقليمية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن «فرص السفيرة مشيرة خطاب للفوز في انتخابات اليونيسكو تتراجع إذا لم تبذل جهود كبيرة اليوم، لأن اتجاه التصويت بالأمس لم يكشف عن تغيير كبير عن الجولة الأولى فقد زادت صوتًا واحدًا فقط».
وأضاف «سلامة»، لـ«المصري اليوم»: «إذا ظل الوضع كما هو ولم يتنازل مرشح للآخر (مصر وفرنسا) سيصب هذا في مصلحة المرشح القطري»، مطالبًا بالاستفادة السياسية من الموقف الحالي.
وتابع: «إذا لم يكن لدى مصر القدرة على تحقيق الفوز على الأقل يجب الانتقال إلى الاستراتيجية الثانية الممثلة في إجهاض فرص فوز المرشح القطري من خلال التنازل للمرشحة الفرنسية مع ضمان انتقال الأصوات الداعمة لمشيرة خطاب للمرشح الفرنسية لأنه إذا فاز المرشح القطري ستستخدمه الدعاية القطرية بشكل (بشع) ضد مصر ويعد انتصارًا لقطر على دول المقاطعة الأربعة (مصر والسعودية والبحرين والإمارات)».
وشدد على ضرورة التواصل بين مصر وفرنسا لترتيب الأوضاع وجذب مزيد من الأصوات، مشيرًا إلى أن الدول التي صوتت لقطر إما تتفق معها أيدلوجيا وسياسيا من خلال دعم جماعة الإخوان أو من خلال المال السياسي.
وتحدث زياد الدريس وهو كاتب صحفي والمندوب الدائم للمملكة العربية السعودية لدى منظمة اليونسكو، في مقال في صحيفة الحياة اللندنية عن تفتت الأصوات العربية إن المرشحين العرب الثلاثة (مصر وقطر ولبنان) حصلوا على 36 من أصل 58 صوتا أي أن نصف المنظمة مهيأة لإعطاء صوتها لمرشح عربي لرئاسة المنظمة الدولية، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن المرشَّحَين العربيين لو انسحبا لصبّت أصواتهما تلقائياً للمرشح العربي الثالث.