«بغضّ النظر عما يقوم به المرء في الحياة فإنه يتوجب عليه أن يقوم به بالتزام ومثابرة كانت تلك مقاربتي في ملاعب كرة القدم وهي نفسها في عالم السياسة إني ملتزم بمساعدة الناس وبلادي تماماً كما كان عليه الأمر في مساعدة فريقي عندما كنت لاعباً».
جورج ويا
يتشبث الطفل بيد والده ووالدته اللذين يطالبانه بالإسراع أكثر حتى لو نجا هو وهلكوا هم في ويلات الحرب الأهلية يدرك والداه تماماً أنه لا يجيد شيء مثلماً يجيد الجري بينما يقسم هو أنه يوماً سينجو بالبلاد مما هي فيه، يوماً سيحملها على كتفه حتى لا تتكرر مأساة الهروب مرة أخرى.
غفوة أعادت مستر «جورج» 40 عاماً قبل الآن يتذكر ندائه أبي من هنا من هنا إلى الكاميرون بعد رحلة شاقة ومنها وبفضل «أبي فينجر» أنا هنا الأن أسعى لأن أكون رئيساً للبلد الذي أقسمت يوماً لأبواي أن أنقذهم من شظايا الحرب الأهلية.
تتعالى الهتافات يستيقظ على نتيجة الانتخابات الرئاسية في ليبيريا.
جورج ويا رئيساً لليبيريا
يحاول ويا الإمساك بدموعه يمر شريط حياته أمامه منذ اللحظة التي خرج فيها من هذا البلد الممزق الذي أصبح الأن..والأن فقط رئيساً له.
«جورج ويا» ويسترن يونيون
في بلده ليبريا كانوا يطلقون عليه دائما «ويسترن يونيون» كان أمامه فرصة اللعب لفرنسا وللكاميرون التي احترف فيها لكنه لم يوافق، كان دائماً يسعى لان يكون هناك منتخبا لبلده الصغير التي تقسمها الحروب دفع من جيبه الخاص ملايين الدولارات وهو ما دفع البعض لإطلاق هذا اللقب عليه لكنه لم يتوقف عند ذلك فكان دائماً أول من ينفق لدعم القضايا الإنسانية ولم يكتف بمنتخب بلاده ولا بالرياضة فقط.
«فخر إفريقيا» قالها منديلا وهو يضع يديه على كتف جورج متحدثاً عن دوره الإنساني انتمائه لوطنه وحبه الشديد للأطفال في الشوارع للنساء والرجال من أبناء جلدته ووطنه.
من سوء حظ «ويا» أن المرة الوحيدة التي كان منتخبه فيها يسير بشكل جيد كان هو يسير بخطى متعرجة نحو نهاية فترته الذهبية كلاعب تقدم العمر به، ترك ميلان وتشيلسي ومانشستر سيتي ترك أوروبا واستقر في الإمارات، مستويات أقل لكنه كان يحاول.. يتنقل بلاعبي منتخبه بين «نيجريا – السودان – غانا- سيراليون» يفوز فينفق أكثر ويحمسهم يخسر فلا يبخل في تنقلات المنتخب كانت نقطة واحدة تفصل بينه وبين حلم تمثيل بلاده في كأس العالم لكن صعدت نيجيريا بـ16 نقطة ليأتي هو في المركز الثاني بـ15 نقطة.. نقطة لعينه تمنعه من حلمه.
النجم الذي ملأ الدنيا ضجيجاً بنجوميته صمت وقرر التنحي أخيراً ليعلن اعتزال كرة القدم بشكل نهائي دون أن يتخلى عن منتخب بلده ولا عن شعبه.
بصمة حزينة تركها «ويا» أيضاُ لدي الجمهور المصري الذي يذكر هدفه في مرمى الحضري وكان سبباً في حرماننا من كأس العالم.
الرحلة.. إلى باريس.
هذه أخر مبارياتي هنا في موناكو ليتني أتمكن من تقديم مزيد من الشكر للبروفسير فينجر.
قبل 5 أعوام لم يكن يتخيل جورج ويا، ما يحدث الآن ابن جزيرة «بوشرود الليبيرلية» الذي نجا بأعجوبة من الاضطرابات السياسية والحروب لكن النجاة كانت تعلن عن مولد لاعب القرن في إفريقيا وأحد أهم لاعبيها عبر التاريخ والفائز الوحيد بالكرة الذهبية لأفضل لاعبي العالم.
بدأ ويا سنوات مراهقته بشكل مذهب حيث تمكن من تسجيل العديد من الأهداف لكن حلمه كاد أن يذهب فمع استمرار الاضطرابات السياسية أصبح من الصعب لعب كرة القدم أو الاستمرار فيها لكن كرة القدم كانت عادلة فقررت منحه فرصة صحيح أنه سيبدأ من جديد لكن هذه المرة تتاح له فرصة اللعب في «تونيري ياوندي الكاميروني» موسم 1987- 1988 بدأ جورج رحلة البحث عن نفسه في كل مرة يسجلها يشعر بأنه يقطع مسافة نحو حلمة.
جوهرة «ويا»
من حسن حظ ويا أن هناك شخص مهووس باكتشاف اللاعبين والبحث عن الغريب دائماً هذا الشخص كان «آرسين فينجر» جلسة بين مدرب موناكو في ذلك الوقت وصديق له يعمل في الكاميرون كانت سبباً في هذا التغير.
فينجر.. هل رأيت مهاجماً جيد في الكاميرون؟ كان السؤال الذي فتح الباب أمامه. بدأ صديقه في الحديث عن شاب صغير ملفت للنظر بسبب مهاراته وسرعته وطوله الفارع يلعب في الدوري الكاميرون جاء إليهم من ليبريا اسمه «جورج ويا»، لم يكذب فينجر خبرا وأرسل كشافيه إلى الكاميرون ليعودوا إليه ويؤكدوا صدق ما قاله صديقة وقد كان. 50 ألف دولار نقلت الإفريقي الصغير إلى مجد فرنسا.
الشاب الصغير الذي بالكاد لم يخرج من موطنه إلا للكاميرون ولظروف الحرب والاضطرابات تفتح أمامه أبواب المجد في فرنسا هناك حيث سمع كثيراً عن الكرة الفرنسية «بلاتيني» وغيرهم. لا تلفزيون ليشاهد المباريات لا أقمار صناعية عالم مجهول سيفتح بابه أمامه بعد دقائق.
في مكتب فينجر جلس ويا في انتظار مديره الفني الجديد الرجل الذي جلبه لأضواء فرنسا.. فتح جريدة أمامه ثم وضعها حزيناً يفتح الأخرى، وهكذا أخبار صغيرة في الصحافة الفرنسية تتحدث عن الصفقة المجهولة لفينجر.. إحباط سرعان ما تبدد في لقاءهما الأول.
«جاءت الفرصة التي تنتظرها ..أهلا بك في موناكو..ننتظر منك الكثير»..كلمات بسيطة قالها فينجر لجورج ويا قبل أن يدعوه لبدء أول حصة للتدريب مع فريقه الجديد.
في حوار منذ فترة صغيرة تحدث جورج ويا لموقع «فيفا»: «كلما كنت أدخل الملعب كنت ألعب لصالح فينجر. أردته أن يعلم أنني بهذا أرد له ما فعله معي.. كنت مستعدًا لكسر ركبتي ويدي ووجهي لصالحه ولمجرد الفوز بالمباراة. لقد اعتنى به كأني ابنه».
صدق جورج ويا ففي موسمه الأول فقط سجل 17 هدف، وخلال عام 1991 وبجانب لاعبين مثل فرانك سوازي وإيمانويل بيتي ورامون دياز وكلود بويل وروي باريوس، ويا قاد النادي للفوز بكأس فرنسا.
وفي أخر مواسمه مع موناكو سجل 32 هدفًا وهنا حانت لحظة خطوته القادمة بانتقاله لنادي باريس سان جيرمان في العاصمة. وقد واصل اللاعب إحراز الأهداف وكذلك الفوز بالألقاب، إذ توج مجددًا بكأس فرنسا وتبعه بلقب الدوري الفرنسي.
«لم أكن مستعداً لمقايضته حتى بفان باستن سيد الملاعب آنذاك» آرسين فينجر متحدثاً عن جورج ويا.
إلى باريس.. من هنا تبدأ الرحلة
جاء موعد جديد للتألق هذه المرة برفقة الفريق الباريسي الأقوى في فرنسا، في ذلك الوقت 3 أعوام كانت كفيلة لتزيد من رصيد التوهج لدى ويا والذي زادت شهرته بشكل كبير في أوروبا ومع مباريات دوري أبطال أوروبا الجميع يراقبه وينتظر فرصة مناسبة لاستقدام جوهرة إفريقيا السمراء بينما يحاول مسؤولو باريس الإبقاء عليه.
3 سنوات بدأها ويا في 1992 مع باريس سان جيرمان لعب خلالهم 96 مباراة أحرز فيهما 32 هدفا وتوج بالدوري والكأس الفرنسيين.
«لم أر أبدًا بمهارة وقوة جورج ويا».. تيري هنري
مباراة تصنع التاريخ
الموسم الأفضل في تاريخ جورج ويا وأيضاً في تاريخ عاصمة النور كان 1995 مسيرة ناجحة في الدوري الفرنسي ومثلها في دوري أبطال أوروبا «الحصان الأسود» أطلق اللقب عليه وقتها فوز مهم على بايرن ميونيخ عملاق ألمانيا بهدفين ليصل لدور الثمانية ليواجه وصيف بطولة دوري أبطال أوروبا 1994 برشلونة المدجج بأفضل اللاعبين.
كانت الأصابع في باريس وإسبانيا وحتى إيطاليا وألمانيا تتجه نحو جورج ويا ذلك اللاعب الصاروخي الذي قاد فريقه للوصول إلى قمم المجد، سان جيرمان تحول بين ليلية وضحاها لحديث أوروبا بقيادة ويا.
نحو المفاجئة في إسبانيا وبينما تمتلئ مدرجات الكامب نو ويستعد لاعبو برشلونة للاحتفال قبل حتى بدء المباراة فالقرعة أوقعتهم مع خصم ليس في مستوى ميلان ولا ريال مدريد لكنه واجه خصماً عنيداً قوياً تعادلا بهدف لمثله، قبل أن يأخذ الصدمة الكبرى في إسبانيا وعلى أرضة ووسط جمهوره عندما تمكن رجال «لويس فرنانديز» المدرب الشهير من إقصائهم بهدفين لهدف.
مفاجأة مذهلة للجميع، باريس في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا مسيرة ناجحة وقوية يقف في طريقها حجرة العثرة ميلان فرانكو باريزي ومالديني ومدرب عظيم اسمه فابيو كابيللو خصم عنيد يجيد الدفاع والهجوم لا مجال أمامه للأخطاء، خسر باريس ذهاباً وإيابا ومضى ميلان في طريقة ليعلن نفسه بطلاً لأوروبا.
أنا الأفضل في العالم.. مستحيل
أحبط ميلان المسيرة الناجحة لجورج ويا رغم أنه قدم أحد أفضل مبارياته على الإطلاق لكنه لم يكن يعلم أن هذا الموسم سيكون أهم نقطة انطلاق في تاريخه، أشهر قليلة حتى فتحت السماء أبوابها لابن ليبريا البار.. أنا أفضل لاعب في العالم وميلان يريدني.. قالها ويا وهو في حالة ذهول لكنها كانت الحقيقة.. هي كذلك فعلاً.
بيليه ومارادونا والأفارقة لم يحظوا بفرصة الفوز بجائزة فرانس فوتبول الأهم في العالم، فمنذ تأسيسها 1956حٌرمت على الجميع. الأوروبيون فقط هم من يحظون بفرصة حملها لم يكن هناك جائزة غيرها في العالم، الجميع وصفها بالعنصرية بأقذع الشتائم لكن حين يشاء القدر للتغير قواعدها يكون ذلك على يد «جورج».
أيام قليلة على انضمامه إلى ميلان كانت تحمل له بشرى جديدة فالجائزة التي فتحت أبوابها لجميع لاعبي العالم قررت لجنتها اختيار جورج ويا أفضل لاعب في العالم.
سرق الليبيري الأضواء من جميع لاعبي العالم بعدما اختاره خمسون صحفياً من خمسين بلداً أوروبياً بـ144 نقطة وجاء من خلفه يورجن كلينسمان نجم ألمانيا بـ108 نقطة وجاري ليتمانن الفنلندي بـ67 نقطة وأليساندرو ديل بيرو الإيطالي بـ57 نقطة وباتريك كلويفرت الهولندي بـ47 نقطة.
وقتها ورغم غضبه الشديد بسبب عدم تتويج فرانكو باريزي نجم ميلان وإيطاليا التاريخي بالجائزة إلا أن فابيو كابيللو قال «أسف لأن الكرة الذهبية لم تكن من نصيب باريزي لكن ويا يجمع بين القوة البدنية والمهارة التقنية والذكاء. ومن النادر أن تجد لاعباً يملك هذه العدة. انه بكل بساطة لاعب خارق».
انضم جورج ويا لقائمة تضم يوان كرويف وميشيل بلاتيني وماركو فان باستن وفرانتس بكنباور وغيرهم من نجوم تاريخيين.
ملك ميلان
114 مباراة مع ميلان في خمس سنوات سجل جورج فيهم 46 هدفا كانت مسيرة متوهجة للاعب القرن الإفريقي وأفضل لاعب بالقارة السمراء 3 مرات وسريعاً ما دخل قلوب جمهور ميلان الذي تابعه جيداً وهو لاعب في صفوف باريس سان جيرمان.
في الموسم الأول له فاز بلقب الدوري الإيطالي ثم عاد في 1999 ليتوج من جديد به حقق نتائج جيدة مع ميلان بينها هدفه التاريخي في كييفو والذي تمكن فيه من قطع الكرة من أمام مرمى فريقه ليراوغ 7 لاعبين حتى يصل لمرمى الفريق الخصم ويضع أجمل هدف في تاريخه.
قبل بداية الألفية الثانية لم تسر الأمور بشكل جيد مع جورج ويا دبت الخلافات بعدما فقد مركزه الأساسي بسبب كبر سنه ووصوله لسن 34 الذي لم يضمن له مكانا أساسيا، فقرر الرحيل وذهب إلى أدريانو جالياني وتفاوض معه وقرر فسخ عقده لكنه في نفس الوقت رفض عرض روما لأنه لم يرد أن يلعب لفريق أخر غير ميلان في إيطاليا.
يقول جالياني يوم رحل ويا: «يوم حزين بالنسبة لنا ولأنصار النادي لأن جورج أحد صانعي أمجاد ميلان. لقد أحرز وهو في صفوف ميلان الكرة الذهبية وساهم بشكل كبير في التتويج الدوري الإيطالي مرتين، وسيبقى اسمه مرتبطا بالفريق، لكنه يرغب في اللعب ونحن لسنا قادرين على ضمان مركز أساسي له».
لم تستقر الأوضاع لويا رغم ذهابه إلى تشيلسي لعب 11 مباراة أحرز 5 أهداف وحقق كأس إنجلترا لكن جلوسه على دكة البدلاء كان أمراً محزنا له فقرر الانتقال إلى مانشستر سيتي في نفس العام ليلعب 7 مباريات فقط ويحرز هدفا وحيدا.
في موسم 2001 شد ويا الرحال من جديد إلى الأرض التي صنعت مجده لينضم إلى مارسيليا الفرنسي ولعب 19 مباراة أحرز 5 أهداف لكنه لم يعد قادرا على مواصلة اللعب مع تقدمه في السن لينتقل للجزيرة الإماراتي ويلعب 8 مباريات أحرز خلالهم 13 هدفاً.
رحلة جورج الرئيس
وبعد نهاية أيامه في الملاعب، عاد ويا للمدرسة ونال شهادة في إدارة الأعمال وماجستير في الإدارة العامة. وقد رشح نفسه للانتخابات الرئاسية وانتقل للمرحلة الثانية من التصويت لكنه لم يحصل سوى على 40% من الأصوات ليخسر المنافسة لصالح إلين جونسون سيرليف.
لكن طموح ويا في مساعدة بلده لم تقف عن الرياضة لتمتد إلى السياسة تاركاً الأضواء خلفه ظهره ليقرر العيش في ليبريا وإقامة مشروعات خاصة به تبعها بإعلانه الترشح لانتخابات الرئاسة في 2005 لكنه لم يحقق النجاح المطلوب فخسر أمام آلن جونسون سيرليف ثم عاد ليترشح في انتخابات على منصب نائب الرئيس في 2011 تبعها بعد ذلك باختياره في 2014 عضوًا في مجلس الشيوخ الليبيري.
لكنه مع بداية العام الحالي أعلن أنه يستعد وبقوة لانتخابات الرئاسة ببلده في العام الحالي 2017 حتى أتت اللحظة ليفوز ويا بإنتخابات الرئاسة خلفًا للحاصلة على جائزة نوبل إيلين جونسون سيرليف، التي تولت رئاسة البلاد منذ 12 عامًا.
ويا الذي لم يفقد الأمل بعدما ترشح لرئاسة ليبيريا في 2005، و2011، لكنّه خسر السباق في المرتين لصالح سيرليف، إلا أنّه لم يستسلم في العودة مجددًا لدخول الانتخابات الرئاسية، التي تقام مرة كل 6 سنوات.